انى لأرجو من جيل الاباء والامهات ان يقدموا لأولادهم نصيحة أغلى من القلق .. أن يكفوا عن تغليف المستقبل باللون الاسود .. وعن العزف على الاوتار الاشد حساسية فى أولادهم والاكثر ضعفا لأنها ستنقطع فى النهاية .. قالت لى صديقتى ذات مرة (أن المرء يتأثر برأى والديه كما لا يتأثر بأحد .. وان الفكرة التى يغرسوها فى نفوس اولادهم هى أشد عمقا من أى تجربة يمرون بها .. حتى لو كبر الاولاد فلا يزال تأثيرهم طاغيا لأنهم صدى الصوت القديم الذي رد عليهم حين صرخوا أول مرة .. وحائط الامان الذى يستندون عليه) .. تخيل لو كان حائط الامان هذا ملىء بالاشواك التى تؤذيهم .. تخيل لو كان سميكا يكتم انفاسهم ويمنعهم ان يكبروا .. تخيل لو كان واهيا غير متزن يهدد بالسقوط بين حين وآخر .. هولاء الذين تربوا بين حوائط لا يشعروا بينها بالامان .. ولا بالسعادة .. هم أول الناس فرارا ليس فقط من أهلهم ... إنما من ما تربوا عليه ايضا لأنهم وجدوه المتهم بتعاستهم.


الفكرة كلها اننا لا نريد ان نجعل ابنائنا يكفرون بالقيم ... ويستهئزون بالصح لمجرد انهم يريدون المعارضة والتمرد .. اننا نريدهم فقط ان يغيروا الخطأ ... وأن يبنوا مستقبل لا أن يهدموا انفسهم .. هل سمعت عن انسان عاقل يهدم نفسه؟ .. نعم .. هذا الذى رباه ابواه انه لا يستحق الحب ولا الاحترام .. انه دون الاخرين .. وفاشل .. ولا يتخذ قرارا صائبا ... هذا الانسان سيسعى دائما كى يؤكد لوالديه انهم اخطأوا .. بدلا من ان يسعى ليعرف نفسه فى سلام ويحبها وبعد ما يحبها يختار لها الافضل فى الصفات والاخلاق .. لا يمكن أن يحاول انسان ان يكون كريما أو محسنا وهو يكره تلك النفس ويحتقرها.. لا يمكن للمشاعر السيئة أن تبنى ابدا .. لذلك مهمة الاباء أن يعلموا أولادهم قراءة مشاعرهم قبل قراءة الكتب .. قراءة افكارهم .. لماذا يفعلون ذلك .. وما الذى يحركهم .. وكيف يستعملون ارادتهم .. وكيف يتغلبون على أمواج النفس وينجون من دواماتها .. بل ارى أن دور الاباء الاول يسبق ذلك .. ان يعالجون انفسهم اولا أو يحاولون بقدر استطاعتهم ان يكونوا سعداء متزنين .. ولا ينقلون عدوى القلق والاكتئاب واليأس إلى صغارهم .. فليخرجوها فى حلم يسعون إليه .. فى تعلم التواصل الانسانى بشكل كفء .. فى القراءة .. فى السفر .. فليكونوا سعداء من أجل اولادهم .. صدقونى انهم يريدون ان يروكم سعداء واكثر اخلاصا فى هذا منكم.


انى ادعو جيل الابناء .. الذى شب عن الطوق ويجنى ثمار تربية مليئة بالاشواك والاذى .. احمدوا الله سبحانه ان رزق البالغ قوة عقل وإرادة اقوى من أى شىء .. البلوغ معناه ان تصبح قادرا ان تفرق بين الصواب والخطأ .. ومعناه ايضا القدرة على الاختيار التام .. وبالتالى انت بحاجة إلى تصميم عازل حرارى عن المجتمع الخارجى .. عازل زجاجى يجعلك ترى الناس ولا تراهم .. وتسمعهم جيدا لكن قلبك وعقلك يعملون بكفاءة واجتهاد وصدق نية مع الله عز وجل .. عندها سيصل صوتهم بلا أذى .. وكلامهم سيتم تنقيته لاخراج الارز الابيض فقط.. ستكون اكثر هدوءا فى الرد .. وثباتا فى السعى .. ان ما تحتاجه حقا هو العزل الشفاف .. الذى يجعلك ترى الكثير ثم تفكر ثم تتخذ القرار .. كل هذا داخل بالون زجاجية هادئة لا تنفعل كثيرا لفوضى الخارج ايا كانت.. وتأكد من وعد الله سبحانه
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله مع المحسنين).


نحن من يزرع الشوك

by on 2:57 PM
انى لأرجو من جيل الاباء والامهات ان يقدموا لأولادهم نصيحة أغلى من القلق .. أن يكفوا عن تغليف المستقبل باللون الاسود .. وعن العزف على ...


كنت اقرأ كتاب (نسيان) لأحلام مستغمانى .. وهو كتاب يعلم النساء والرجال كيف ينسون من غادروهم ولا يقضون سنوات من العمر فى البكاء عليهم .. وقد قالت كلمة اعجبتنى (ان شعب اليابان ولانه يعيش فى حزام الزلازل فقد اكتسب مهارة النهوض بعد كل زلزال فى سرعة .. بينما الانسان العربى فإن مجرد ريح عاصفة كفيلة بأن تهدم خيمته التى تأويه) ... كانت تقول ان الانسان العاقل لابد ان يملك خطة للفشل .. للفراق .. خطة تجعله يخرج بأقل خسائر وبأسرع وقت .. لكنى ارى ان النسيان هى مرحلة متاخرة يمكن ان نسبقها بعوازل نفسية وحوائط سد .. ليس أمام الحب انما امام الطوفان .. اننا لا نريد طوفانا يدخل فيهدم الاشجار ويغرق المحاصيل وينتزع البيوت الساكنة .. إنما نريد شىء جميل يدخل حياتنا فتنتظم أكثر وتسكن وتعمر البيوت الخربة .. فالخطوة الاولى فى الحب هو حسن الاختيار وهذه الخطوة لابد ان تكون عقلانية تماما .. ان نختار من نستطيع التفاهم معه .. من ينصت .. من يتعاطف .. من يرى الاخرين لا يرى نفسه فقط .. هذا كفيل بأن يجعلنا نطمئن إليه .. لأن عنده قدرة على العطاء .. الخطوة الاهم والتى اعتبرها قبل صافرة البداية ان تملك انت عازل نفسى ضد دخول اى احد لدائرة النفس المحرمة .. تلك الدائرة القريبة من الروح .. التى فيها حرية إرداتك وثقتك بنفسك وحبك لها .. كثيرون يسارعون فى علاقات الحب قبل ان يبنوا تلك الحواجز .. يسارعون لأنهم يريدون ان يحبهم احد .. ان يقبلهم .. يخبرهم كم هم غاليون .. ولهم قيمة .. وهل انت بحاجة لأحد كى يخبرك انك ذو قيمة اصلا .. لذلك حينما تدخل علاقة الحب بتلك النفسية فأنت تريد ان تأخذ الحب وعقلك يصور لك ان تعطيه .. انك تضيع الساعات فى الكلام اليه والسؤال عنه .. انك تفعل له كذا وكذا .. وفى الحقيقة انك تتخذه حبيبا او صديقا كى تنفس عن مشاعرك المدفونة .. وكى يشعرك من وقت لآخر انك محبوب وموجود ... لكن لا يا صديقى .. الحب ليس أخذ .. الحب عطاء .. وهو ليس كلام مرسل بل هو حقيقة لذلك الناس تتعذب كثيرا لأنها تدخل الحب بهذه النفسية.


كى تحصل على الحب الحقيقى .. او بمعنى اخر كى تشعر به .. فعليك ان تعرف ان أغلى المشاعر فى الحياة ولحكمة الله سبحانه .. فإنه يرزقها لمن يعطيها وليس لمن يأخذها .. يرزق السعادة لمن يعطى المال والوقت للناس بينما الذين يكنزون المال تعساء .. يرزق الحب لمن يهتم ويعطى ويربت على الناس بينما الانانى لا يشعر سوى بمزيد من فقر المشاعر والوحشة .. ستذوق الحب اخيرا حينما تعطيه .. ولن تستطيع ان تعطيه سوى حينما تشرب من نبع حب صافى ...ولا ارى فى الحياة نبع حب غير الله سبحانه .. هذا النبع هو الذى سيصلح ما انكسر فيك .. وما انت ظمآن له .. وما انت خائف منه .. حينما يمتلىء قلبك بحب الله ستكون قادرا على حب نفسك .. ومسامحتها لأنك تعرف انها مخلوقة ضعيفة وانها بين يدى خالق يحبها مهما ضعفت ويغفر لها ويرحمها.


عندها تستطيع ان تنهض .. ستملك القوة ان تقوم .. قوة عظيمة لا يحرسها غير الصدق مع الله والتوكل عليه .. يمكنك فى تلك المرحلة ان تنعزل نفسيا عمن حولك .. تعيد الحسابات .. ما الصح وما الخطأ .. ما الهدف ولماذا اسعى وماذا اتعلم .. ما الذى يستحق الوقت وما الذى اندم على تضييع عمرى فيه .. ما الذى على ان ابنيه واصلحه .. وهكذا ... فى هذه المرحلة ابتعد عن اصحاب الافكار السلبية .. وعن الانانيون .. وعن أى واحد رقم بطاقته القومية (مخرب نفسيات) .. لا تتشاجر معهم .. لا تحاول اقناعهم بفساد رأيهم .. فقط أبتعد عنهم .. لأن محاولتك المضنية والعنيفة للاقناع تعكس اهتزاز شخصك وعدم ثقتك فى نفسك بعد .. نحن نريد ان نتكلم حينما نكون اشد هدوءا .. وحينما نكون أكثر ثقة بما نؤمن به.. حينما نريد ان نعطى الحب فعلا لا أن نأخذ اعتراف ضمنى من الناس بنا وبأفكارنا.. هولاء هم الذين أثروا الحياة فعلا وغيروها .. فى ماعدا ذلك محاولات غبية للاصلاح لانها بدأت من الخارج قبل ان تكون من الداخل.







عالم الأرواح .. انه يختلف تماما عن عالم الابدان .. انه عالم يرتفع إليه الانسان ويفكر كم هو جميل وصادق وملىء بالسلام .. اجمل من أى شىء رآه أو عرفه .. انه يحوى الخير والصدق والحب والطهارة .. عالم فوقى يختلف تماما عما ينهمك فيه الناس من هموم وأحزان ورذائل سفلية .. عالم تلتقى فيه الاراوح التى أبت سوى أن ترتفع للسماء .. التى تريد ان تصعد لأعلى وأعلى .. تحب قمم الجبال .. تحب المعالى من الأمور .. فهم فى اثناء صعودهم يلتقون فيتبادلون الحب والخير .. يريدون لبعضهم ان يكونوا فى أحسن حال ويصلوا هم أيضا للقمة .. ربما نظن أن هناك منافسة قوية بينهم .. لكنهم فى الحقيقة يحبون بعضهم بشدة ويريدون أن يصلوا جميعا .. ربما يريد كل واحد فيهم أن يصل أولا أو أن يكون الأقرب .. ولكن هذا لا ينفى إرادتهم أن يمدوا أيديهم لبعضهم ويتمسكوا جيدا .. عالم ليس فيه شر ولا حقد .. إنما هى منافسة تخلو من أى حقد .. لأن الوصول للقمة .. الوصول لرب العالمين لا يتطلب أن يخاف الانسان أن يسلب حظه أحد .. فالله واسع يعطى البشر جميعا .. بل الكون كله .. فهو قمة الحب التى تعطى من رحمتها التى لا تنفد .. وبالتالى فلا مجال للصاعد لله سوى انه يريد ان يغدق هذا الحب على الناس جميعا.. وخاصة هولاء الذين يجاورنه فى الصعود.

عالم الارواح غير مرئى ولا مادى .. لذلك يظن الانسان أنه اجمل من أن يكون حقيقة ويرتاب فيما يراه .. قلت لنفسى هل هذه الريبة معناها انى غير مؤمنة .. فوجدت ايه فى كتاب الله عن زكريا عليه السلام الذى ظل طويلا يدعو ربه بالذرية الصالحة .. فجاءت الملائكة تبشره (يا زكريا انا نبشرك بغلام أسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا .. قال رب انى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا .. قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا .. قال ربى اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) .. لقد ظن انه يحلم فسأل ربه آيه يعرف بها .. فجعله الله عز وجل لا يتكلم ثلاث ليال .. لا يقدر على الكلام.

قلت لنفسى ان نبيا من أنبياء الله من فرط جمال هذا الحلم الذى تمناه أحتار.. لكن الله عز وجل أكد له انه حقيقة .. فإن الجمال والروح وتحقق الامال لحظة عالية جدا حينما يكون الانسان فيها فإنه لا يصدق .. لكن الله يخبره .. نعم صدق.

أهكذا ستكون الجنة .. نعم صدق .. صدق ما كنت تحاول الوصول إليه وانت لا تدرى ما صورته .. وانت لا تستطيع ان تتخيله اصلا .. لكنك حاولت أن تتمسك بهذا الشىء الغير مادى الذى لا تستطيع أن تمسك به .. حاولت ان تتشبث بعالم الارواح وتؤمن به .. تؤمن بالحب والرحمة والصدق والنور والسلام.. انهم صفات الكون الازلية التى خُلق بها هذا الكون .. انها ما يحتضنه وما يوجد فى تفاصيله .. ما يوجد فى الشمس والفجر والبحار والقطط الصغيرة والأم .. وفى اللقمة الحلوة وهناء النوم .. لقد صدقت لأنك كنت صادقا .. وكنت تبحث عن الصدق دائما .. يقول الله عز وجل (والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون .. ليكفر الله عنهم اسوء الذى عملوا ويجزيهم اجرهم بأحسن الذى كانوا يعملون) ..

انك لم تكن تحب الوهم والخزعبلات التى تسبب الخوف وتغرقك فى الظلمات .. بل كنت تبحث عن نور عظيم تؤمن به وتجده فى أعماق قلبك ..لقد جعلك الصدق قريبا من قلبك ..  انت لم تكن عابثا وتتخذ الحياة حبات رمل تضيع هباء .. تضيع بلا أى احساس بقيمتها كما لو كانت الحياة ومعجزتها لا تساوى شىء يستحق الاحساس به .. بل كنت دوما حريص على فهم واكتشاف تلك الجوهرة .. لذلك يا اصحاب الجنة .. يا متسلقى الجبال ومحبى ان يصلوا لأعلى نقطة .. كما رأيتم ان مشقة الصعود جزاؤه الشمس فإن مشقة صعود الحياة جزاؤه رؤية رب الشمس .. يستحق الامر ألا تعود للوراء وان تملك العزم لأكمال الصعود.

كيف نصل .. أول قاعدة ان تنظر لموضع قدميك .. لأن النظر لفوق مرهق اثناء التسلق .. لابد من وقت لآخر أن ننظر لقمة الجبل ونرى كم هى جميلة وعالية .. لكن الثبات على الطريق وإدراك الانجازات الصغيرة وما تحدثه فى النفس يساعد كثيرا فى الوصول .. الاستراحة من وقت لآخر ضرورى جدا .. المشى بتمهل وثبات .. الرفقة القوية العزم مثلك على الوصول .. الصبر وأن تقول لنفسك أن هذه اللحظة من التعب أو السعادة لن تدوم .. اننى حينما اتسلق الجبل لسبع ساعات فإنى اشعر بفصول السنة جميعا .. وبمشاعر الانسان المتناقضة من ساعة لأخرى .. لكن هذا لا يثنيك عن الصعود .. لأنه فى الساعة القادمة سيتغير المشهد كله .. وتتحول مشاعرك إلى عكس الذى كنت تشعر به منذ ساعة .. وحينما تقترب كثيرا وتصبح قاب قوسين أو أدنى ستشعر بسعادة غامرة وطاقة رهيبة .. لأن الجبل معظمه ورائك وما تمنيت رؤيته أصبح شديد القرب .. حينها يأتى الموت فهو يشد بيدك لتلك اللحظة الاخيرة .. لأنك لن تملك القدرة على الدخول بقدرات جسدك الضعيفة التى تتعب من مجرد التحديق للشمس دقائق .. لذلك تتحول إلى روح تعود لربها .. فيارب اجعلنا ممن يلقاك وتتغمده فى نورك ورحمتك حيث السلام الابدى والحب الذى لا فراق فيه والامن الذى لا خوف فيه .. حيث نورك العظيم يحتضن أرواحنا الظمآنة إليك والتى لا يشبعها غيرك.

عالم الارواح

by on 10:54 PM
عالم الأرواح .. انه يختلف تماما عن عالم الابدان .. انه عالم يرتفع إليه الانسان ويفكر كم هو جميل وصادق وملىء بالسلام .. اجمل من أى ش...



قرأت ذات مرة قصة عبقرية لأجاثا كريستي تحكي عن ثلاثة أشخاص: رجل دين، ومحام، وطبيب. تقابلوا صدفة في قطار، وأخذوا يتحاكون أثناء الرحلة عن قصة فتاة شغلت الصحافة لفترة.
كانت (فيليسي) في بداية حياتها تعيش في بيت لرعاية الأيتام، وكانت فتاة بطيئة الفهم، لا تتقن فعل شيء، ثم بعد سنوات وجدوها فجأة تتقن الإيطالية والألمانية، ومولعة بالموسيقى. ثم تطور الأمر إلى شخصية ثالثة جريئة، وفاسدة الأخلاق، ورابعة متزنة وحكيمة.
وحينما اختلفوا في تفسير الأمر، استيقظ (الرجل الرابع) الذى كان يرافقهم، وبدأ في الحديث. حكى لهم أنه كان يعرف الفتاة منذ صغرها، وأن من لا يعرف صديقتها (آنا) لن يفهم قصة (فيليسي)!
كانت (آنا) يتيمة مثلها، لكن ذكية وجميلة، وذات صوت رائع. وكانت فيليسي تتبعها كظلها، رغم معاملة (آنا) الذليلة لها، ورغم أن (فيليسي) قوية كالحصان، و(آنا) هزيلة، لكن تأثير( آنا) الغريب عليها جعلها دائما تطيع أوامرها
كبر البنتان، وظلت (فيليسي) خادمة، بينما نجحت (آنا) واشتهرت كمغنية، نالت كل ما تريد، وذات يوم أصابها مرض؛ بسبب هزالها، فعادت إلى البيت الذي كانت تخدم فيه صديقتها، وظلت تهينها بالرغم من ضعفها واحتياجها لها، ثم ماتت (آنا)، وحينئذ بدأت تظهر شخصيات (فيليسي) المزدوجة، التي كانت تتنقل بينهم بغير وعي، وبعد سنوات انتحرت (فيليسي) مخنوقة بيدها القوية التي أطبقت على رقبتها، سألهم (الرجل الرابع) في نهاية القصة: (ماذا تفعل لو وجدت لصا يسكن منزلك؟ ستقتله؟ أليس كذلك)!
دائما كلما تخيلت فكرة (الحب) يقفز إلى ذهني صور دوائر كثيرة، بعيدة وقريبة، وأشخاص واقفون عند كل دائرة يلوحون لذاتي من بعيد، كأنك تمشي طوال الوقت، تحمل مرآة، لكنها لا تعكس صورتك فحسب، بل تضيف عليها أفكار الآخرين واختلافهم.
كل واحد منهم يرسم صورة معينة لك، وأنت تراها آلاف المرات، في عيون المارة بالشارع، وفي أهلك وأصحابك وعملك.
تخيل أن ترى ذاتك بكل هذا الاختلاف والتناقض، هل يمكنك أن تتصالح معها أو تفهمها؟ هل يمكنك حتى أن تقارن بين صورة وأخرى؛ كى تعرف أين الخطأ الذي يجب إصلاحه؟ حينما أسمع أحدا يتحدث عن فشله في الحب، فإنه يبدأ عادة بصب اللوم على الطرف المفقود، وتجسيد صورة الوغد الخائن الذي لم يقدر الحب، ثم أجده يتساءل بحزن، وعيناه تلمع: (لماذا تركني؟).
ويبدأ في الوصول لشعوره العميق بأنه لا يستحق الحب، وأنه لو كان إنسانا رائعا لكان جديرا بالتمسك به، دائما تبدأ القصة بذات مثالية مضحية، ثم تنتهي بذات مثيرة للشفقة، لكن السؤال: لماذا نقحم نقطة الذات ـ الشديدة الخصوصية ـ في العلاقات الإنسانية العابرة؟
الناس تحرص أن ترتدي ثيابا؛ كي لا يقتحم الآخرون أجسادها بعيونهم، لكن لا يكونون بذات الحذر والانتباه مع أرواحهم.
لكي نفهم فكرة الروح وعلاقتها بالخارج، دعنا نتأمل أصغر وأحكم علاقة في العالم: العلاقة التى يتكون منها الحديد والماء والنار والهواء، ومنها تختلف درجة مرونة المادة، وقدرتها على الانسياب بين الصخور والجدران، واحتمال الصدمات القوية، علاقة مكونات الذرة، أي ذرة في العالم تحتوي على جسم متمركز (روح الذرة) ودوائر طاقة حولها، تحمل إلكترونات. الإلكترونات تدور حول الروح بشكل سريع، وتولد مجالا مغناطيسيا، تجعل الذرة بأكملها تنحرف وتتحرك وتدخل في تفاعلات مكونة مادة جديدة، أي أن وجود العلاقات الإنسانية مهم لتطوير الذات، والخروج بها إلى أراض واسعة جديدة من الفكر والجمال.
هناك من يتخيل أن الوحدة تريح النفس وتحميها من الوجع، ربما، لكنها ستظل سجينة أفكار لا تتغير، وتجارب غير ناضجة عن الحياة، أيضا تلك الإلكترونات المحيطة تتقافز بين دوائر الطاقة بحرية. يمكنها أن تبتعد وتقترب من الروح، ولكن هناك قانونا لاحظه أهل الفيزياء، وهم يراقبون تحركات الإلكترون.
كلما اقتربنا من الدوائر القريبة من الروح كلما قل عدد الإلكترونات المتحركة. مهما تغير حجم العلاقات الخارجية يظل بجوار الروح عدد قليل وثابت من الإلكترونات. وأن تلك البعيدة هي التي تجذب الذرة؛ كي تقيم روابط مع ذرات أخرى، وتتحول إلى مادة جديدة، هناك علاقة محددة جدا في ضبط تلك الدوائر وعدد من يسكنون بها، حتى لو تحولت ذرة الماء إلى بخار؛ نتيجة عاصفة ساخنة من التفاعلات، يظل عدد الإلكترونات القريب من الروح قليلا، ومشدودا جيدا.
قانون الفراق والمسافات والاستقلالية يُدرس هنا، حينما تكون العلاقات الإنسانية عشوائية، ونسمح لأي أحد أن يسكن في أي مكان، ويقترب من حدود الروح المحرمة التي فيها حريتنا واحترامنا لأنفسنا وأفكارنا، فإن الفراق يكون بخسائر مبالغ فيها، واهتزاز عنيف في بديهيات تعرفها عن نفسك.
أعرف شخصا ظل فى عمله يتنازل عن حقوقه ويسمح لرؤسائه أن يفرضوا السيطرة عليه، ويحركوه كالدمية (لمصلحة العمل)، مع الوقت بدأ يفقد إحساسه بقيمته! بدأ ينسى من هو، وماذا يملك من مواهب، بل كيف يضحك بصدق، ويثق في الناس، مر بعدها بفترة مظلمة يبحث عن ذاته المفقودة، هذا لأنه أفرط ليل نهار فب حرصه على النجاح والوصول، كان احتياج نفسي طبيعي في البداية، لكنه ظل يدفعه إلى دوائر روحه الداخلية، حتى تضخم وأصبح مرآة كبيرة، لا يرى ذاته، إلا من خلالها، هذا عبث كوننا نحول الأفكار المثالية عن الحب والعمل والإخلاص إلى أسلحة مدمرة تقتل فينا كل إحساس بالحياة، وضياع للعمر، أن لا نقف كل فترة، ونعيد ترتيب أولويات الحياة، ونجمع إيجار الحب من سكان قلبنا، وننذرهم بالإبعاد والطرد، لو تهاونوا في احترامنا أو حاولوا الاقتراب من دائرة ثقتنا بأنفسنا.

حينما أتأمل تجارب الناس أجد أن جميع الصفات الحميدة للحب من إخلاص وإحساس بالسعادة والشوق، هذه الأمور تحدث حينما يكون الحب متوازنا، كلا الطريفين يحافظ على استقلالية أفكاره وحريته وأحلامه، يكون الطرف الآخر موجود بقوة داخل حلمك كشريك حياة، وليس كسجان، لكن يبدأ الأمر يأخذ منحنى صبيانيا سخيفا، ويتحول إلى الغيرة اللامنطقية، والظن أنه غير مبال بك، والشعور باهتزاز الثقة في النفس، حينما يصبح الطرف الآخر صورتك في المرآة، لا تفكر إلا فيه، لا تسمع إلا صوته يتردد في عقلك، تنسى والديك وأهلك وأصدقاءك المقربين، ويتحولون إلى مجرد وجوه متكررة لصورته، يستسلم الإنسان لشعور الخدر هذا؛ لأنه جميل وممتع، لكن لابد أن تملك قرون استشعار منتبهة وواعية بذكاء لمدى أمان دخول هذا الشخص لمستوى أعمق بداخلك، كثير من الناس تظن أن جاذبية من نحب عنصر لا يد لنا فيه، وهذا غير صحيح؛ لأن الشهاب مثلا لا يدخل نطاق جاذبية الأرض؛ لأنه بعيد، إذا أردت أن تتحكم في جاذبية الأشخاص لك. لابد أن توجد مسافات، مسافة ذكية كتلك التي يحددها الطير حينما يبصر الناس أمامه، دائما ألاحظ عندما أقترب من حمامة أو غراب أنه منتبه جيدا، عينه مركزة، لا على الطعم، بل على موضع قدمي، فإذا ما حانت لحظة محددة، يتقافز بعيدا، ثم يفرد جناحيه للسماء ويطير، إنه لا يساوم وسع السماء وملامسة الشمس وسيادة النفس بأي متعة أخرى، ونحن أكرم من الطير.
الله – عز وجل – يقول: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى). الإنسان الذي وصل للسماء بغير أجنحة، وغاص لباطن الأرض بغير قدرات نارية، ورأى الأكوان الأخرى، ولا زال يحلل معادلات الحياة وحكمتها، هذا كله لأن الله ـ عز وجل ـ وهبه صفتين: إدراك العقل وحرية الإرادة، (فاحكم)، فلا مجال أن نجعل أية علاقة أو تجربة في الحياة تسلبنا إنسانيتنا.


شاهدت فيديو قصير لعيادات الموت الرحيم فى سويسرا .. جلس رجل كبير فى السن وزوجته بجانبه تمسك يده ومجموعة من النساء والرجال حوله .. كان يجلسون فى هدوء وإذا بأمرأة بجانبه تعطيه كوب صغير من سائل ابيض وتسأله (هل أنت متأكد انك تريد شرب هذا الدواء؟).. قال (نعم) .. سألته (هل انت متأكد انك تريد مغادرة الحياة؟) .. فأكد نعم .. ثم تناول الدواء وأخذ يقول لمن حوله كلمات وداع ثم بدأ يغرغر ويقول أريد ماء .. أريد ماء .. والسيدة بجانبه تواسيه وتقول هل تريد قطعة شيكولاتة .. ثم اننى لم استطع تكملة هذا الفيديو أو هذه الجريمة الهادئة التى تحدث أمام عينى .. ادركت وقتها كى هى مقدسة روح الانسان .. انه لا يحق لأحد سوى الله عز وجل الذى خلقها ان يعطيها ويأخذها وقتها شاء .. من نحن كى نعبث بها ونقرر أمرها .. هل يدرك هذا الرجل فعلا ما يفعله .. هل وهو يقول (انا فى وعى تام لما أفعله) كان فى وعيه فعلا ؟.. أم انه حين دخل سكرات الموت لم يستطع العودة .. ولم يملك احدا ممن بجواره أن يردها أو يسحبها ثانية .. انها دخلت الانسان فى لحظة معجزة .. لحظة لو اجتمع الانس جميعا ما استطاعوا ان يعطوها لأحد .. حيث نفخت الحياة والحرارة والفكر والحب فى اعضاء باردة جامدة .. كيف يمكن ألا يدرك هولاء ذلك .. ألا يعقلوه .. اننى ما كنت أنظر سوى لمجموعة من القتلة ورجل جاهل بما هو مقدم عليه .. وبالجرم الذى فعله .. أدركت عندها نعمة الله الكبرى انه علمنا الكتاب وجعلنا مسلمون .. وان هذا العلم حمى عقولنا من أن تشطح فيما لا تملك ولا تعرف .. وان تعقل الامور أى تملك زمامها (يقول الشيخ الشعراوى فى معنى كلمة العقل انها مأخوذة من عقل الناقة أى ربطها ومنعها من أن تشرد وتتوه) ... فالعقل تحكمه ارادة الانسان قبل أن يتحكم هو بها .. وإرادة الانسان تأتى من الطريق الذى اختاره .. والاعتقاد الذى أختار الايمان به .. فكلما ازداد الاعتقاد زادت قدرة الارادة والتحكم في العقل والقلب معا .. فلا يذهب الانسان الى مواطن هلاكه حتى لو بلغ من الحزن مبلغه .. ويظل يملك قبس عظيم من الأمل والنور بداخله بموجب إيمانه بالله ورحمته وقدرته.


أدركت اننا كمسلمون لا ندرك عظم المسئولية التى نحملها .. مسئولية ان نمنع مثل تلك الجرائم وأن ندعو الناس لله ولدينه ومنهجه .. رغم اننا نملك العلم فإننا نبخل به .. او ربما لا نؤمن به ايمانا حقيقيا يجعلنا نخاف على غيرنا من البشر من مصير الكفر بالله .. اننا متأثرون جدا بنظرية (كل واحد فى حاله) .. نعم كل واحد يملك حرية تامة فى الاعتقاد لكنك لم تخبره اصلا بشىء .. لم تدعوه إلى شىء .. ربما جالسناهم سنين وهم على جهلهم بالله وطعمنا وشربنا واحببنا واستلطفنا ولكن كل هذه المشاعر الحلوة لم تدفعنا إلى الخوف عليهم ولا إنقاذهم .. منعنا الجبن مرة .. الانانية مرة .. الشك فى الحق والباطل .. لانه لا يوجد مبرر غير ذلك .. لقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يحاول بما يملك من قوة أن يدعو كل من يراه من الخلق .. يدعوه مرة واثنان وثلاثة .. لا يتلفت لإستهزاء الناس واذاهم ونظراتهم المستنكرة .. لا يلتفت لأى شىء سوى انه يخاف عليهم .. وان قلبه امتلأ اولا بالرحمة دفعته إلى الحزن عليهم حين لا يؤمنوا وليس الحزن منهم .. وقد وساه الله عز وجل اكثر من مرة (ولعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) .. اى مهلك نفسك من حزنك وحرصك عليهم .. ثم ان الله عز وجل اخبره (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) .. وذلك بعدما قام بالمهمة على أتم وجه .. فلا يوجد مجال هنا سوى للتسليم لارادة الله ..


اننا نستنكر ان نرى رجلا يضرب حصانا .. أو يخنق قطة .. منا من ينفعل ويثور ومنا من لا يبالى .. انا لا افهم نفسية اللامبالى سوى انه ملك حظا عظيما من الجبن أو الانانية والقسوة .. لكنى اتحدث عن هولاء الذين يملكون احساسا بإنسانيتهم ومسئوليتهم عن هذه الارض ومن عليها .. عن منع الفساد فيها .. وزرع الخير والنور والجمال .. ان من اهم الصدقات نثر بذور النور والايمان قى قلوب الناس ... لأن لو قلوبهم لمسها هذا النور فهى قادرة على الحياة بسعادة واكمال مهمتها .. أن ترشد ضالا وجاهلا يعنى انك انقذته من العطش .. وانقذته من الندم .. وانقذته من التيه .. لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لأن يهدى بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) .. لقد اعطيت افضل الصدقات وافضل الافعال والكلام ... يقول الله عز وجل (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال اننى من المسلمين) .. لقد تأثرت كثيرا بهذا الفيلم القصير وأدركت ان هناك ملايين حول العالم غير مدركين لأهمية دورهم .. ومستسلمين لتوافه ومشاغل من الحياة تنشغل بها البهائم وليس الادميين .. وانى لا اقول نعمل بقدر ما اقول تنشغل قلوبنا بالهموم والتكدير ومن فعل ومن سوى .. نضيع اياما طويلة فى الحزن على ما لا يستحق .. وفى استعجال ما لا نعرف متى قدومه .. ونضيع الوقت وكأنه مال موروث لا يدرك قيمته الورثة فاخذوا يبعثروه كالورق الملون .. حتى إذا استنفد تماما نظروا إلى حالهم فى ذهول وقالوا (لماذا لم نكن اكثر عقلا وحكمة) .. هذا هو الوقت والعمر .. فلنجعله خيرا ونورا بحق نعمة الله علينا والقدرة والصحة والشباب الذى اعطانا .. ونشكره عبادة ودعوة وعمل بقدر ما نستطيع .. لا يوجد للمسلم بطاقة تعريف .. لا يوجد مسلم هو طبيب فقط .. او مهندس فقط .. إنه انسان بما يعنى يبذل الخير فى أكثر اوقاته .. بما يملك من قدرة .. وموهبة .. التى لم نأخذها عن حق وفخر بقدر ما نأخذها عن مسئولية سنسأل عنها .. وذلك يجعل صاحب الموهبة أشد الناس حرصا على استخدامها.





احيانا يشعر الانسان بنشوة عظيمة .. بإحساس من النور والجمال والحب يجتاح روحه ويظل يصعد للسماء يتطلع إلى نقطة أبعد فأبعد .. انه يسبق متسلقى الجبال ويقف عند نقطة بعيدة ثم يحدث الناس بما يشعر وتفور به نفسه .. يرسم ويكتب ويتكلم وينقل للناس مشاعره المتأججة فتبث فيهم الحياة والأمل بأمر الله .. ثم فجأة ينظر من فوق .. من الاعلى جدا ليجد نفسه يهوى إلى اسفل بلا سبب .. هل هو مغفل .. هل الحلم والتطلع للوصول إلى اعلى نقطة تهور وجنون .. لا ابدا يمكن الوصول إن شاء الله .. ولكن كى نستقر هناك ونثبت لابد ان نخوض رحلة طويلة وليست قفزة عالية .. ان الله عز وجل يمن علينا بتلك القفزة كى نعرف ان هناك نعيم لا يخطر على قلب إنسان .. هناك سعادة لم يلمسها بعد .. لاننا لو كنا لا نعرف ذلك ما حاولنا الصعود اصلا .. لكن هذه اللحظة النورانية ليست هى الثبات بعد .. فالذى جعلنا نهوى هو اننا نظرنا لأسفل .. نظرنا للدنيا وللناس واردنا ان يروا كيف نجحنا .. وفهمنا .. وعرفنا .. هناك جزء فى قلب الانسان يريد لصاحبه أن يلمس السعادة مثله ..جزء من الاحسان والخير وتلك انسانيته .. لكن هناك جزء اخر يريد ان يتفاخر .. ويتكبر .. ويقول ها أنا .. هذا هو الجزء الذى نريد ان نقتله .. لأنه هو الذى يرمي بنا إلى اسفل .. قال الله عز وجل (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء أو تهوى به الريح إلى مكان سحيق) .. كم هى ندامة وما ابشعها من ندامة .. حينما تنظر لعمرك الذى افنيت .. العمل الذى تعبت واتقنت فيه .. وقد بات لا قيمة له لا لأنه لم يكن خالصا لله .. العمر الذى مضى كى نحصل على الترقية والرضا والاحترام والذكر .. هل كل هذا يساوى أى شىء .. هل تذكر الناس لنا يزيد السعادة .. يجعلها ابدية .. يجعل الروح مطمئنة .. هل حبهم يستمر .. انى رأيت اخلص الاصدقاء بعد زمن يتباعدون ويفترون ويخلفون فى القلب حسرة وتساؤل لماذا .. وما الذى حدث .. هل الله عز وجل سيجعلك تسأل لماذا .. سيزهد فيك .. سيمل منك .. فى صحيح البخارى عن النبى عليه الصلاة والسلام فيما يروى عن الله عز وجل:
(ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها .. بي يسمع بي يبصر بي يبطش وبي يمشى، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن من يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه).

اننا لا نريد ان نهوى بعد الان .. لا نريد ان نصعد ونقع .. نصعد ونقع .. فلنحاول ان نصعد ببطء .. بثبات .. فلنحاول ان نعرف الله عز وجل اولا .. ولا نيأس من الوقوع .. نقول المرة القادمة سنصل .. نضع فى قلبنا العزم على اكمال الرحلة .. ونختار الطريق الصحيح .. حيث العلم والنور وليس الجهل والتقليد وترديد الكلام بلا وعى .. لابد ان نتعلم من هو الله .. ونراه فى كل لحظة من حياتنا .. حين يحدث لنا موقف صعب .. ضغط .. سعادة .. حيرة .. انه موجود فى كل هذه الاوقات .. فلنكلمه ونسأله .. ونكون صادقين معه .. هو يريد منا الصدق حتى لو كانت ارادتنا اضعف ما يكون .. صدق النية فى الصعود .. وفى الاخلاص حتى لو كان غير موجود .. اننا نثق فى رحمته التى قال عنها (ورحمتى وسعت كل شىء) .. فلا نترك الشيطان يضع سم اليأس فى قلوبنا .. هو اضعف من الانسان بكثير .. يقول الله عز وجل (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).. ويقول ايضا (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فأستعذ بالله انه هو السميع العليم .. انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون).

لكى لا نهوى

by on 1:32 PM
احيانا يشعر الانسان بنشوة عظيمة .. بإحساس من النور والجمال والحب يجتاح روحه ويظل يصعد للسماء يتطلع إلى نقطة أبعد فأبعد .. انه يسبق ...


أجريت اختبار ال16 personalities  المعروف فى علم النفس .. وهو اختبار يقسم طباع الناس إلى 16 شخصية بناء على مجموعة اسئلة ويظهر لك النتيجة ومن يشابهك من المشاهير وما نقاط ضعف وقوة هذا الطبع وما الى ذلك .. وجدت نتيجة الاختبار دقيقة لدرجة انها اظهرت صورة الشخصية التى انا عليها فعلا .. كنت أشك ان الاختبار سيحتار فى فهم اجابتى التى تقع ما بين الحزم حينا والتردد احيانا..وتسائلت كيف سيعرف من حرارة الاجابات والذبذبة نوع الشخصية بالضبط .. لكنى وجدته أفلح فى ذلك مما جعلنى افهم ان هذه الطباع الستة عشر تشبه الدوائر الكبيرة جدا .. كل دائرة يقع فيها ملايين الناس فيمكننى انا وويل سميث أن نكون داخل نفس الدائرة هو على حافتها وأنا فى على الحافة المقابلة لكن فى النهاية نحن نملك نفس الطبع .. ومعنى نفس الطبع ان تفاعلنا مع الافكار التى حولنا والتجارب والاحداث المحيطة متشابه ..لكنه لا يعنى بالضرورة ابدا اننا سنملك نفس العمل ولا العلاقات ولا المصير .. فيمكن لساعى فى مكتب أن يتشابه فى الشخصية مع رئيس جمهورية أمريكا..


ولكن السؤال كيف يمكن أن يكون البشر 16 شخصية متباينة الاختلاف ورغم ذلك فإن مصيرهم اثنان فقط .. جنة ونار .. معنى ذلك ان الطبع لم يكن يوما هو المسئول عن مصير الانسان وإلا لكان من الظلم ان نجد طبعا أقرب للجنة واخر اقرب للنار .. لأن طبع الانسان يولد به وهو لا يتغير إلى النقيض ابدا .. لا يمكنك ان تجد انسان محب للعزلة يمكنه ان يتحول إلى اجتماعى شديد الالتصاق بالناس .. او انسان خيالى يتحول إلى إنسان عملى .. يمكنه ان يدخل الدائرة المجاورة بنسبة لكنه لا يتحول إلى طبع مختلف ابدا .. وقد رأيت بعينى اخوين صغيرين تربيا فى نفس البيت والاسرة واجتمع عليهم ذات العوامل .. لكن هناك تناقض واضح بينهم .. احدهم هادىء قليل الكلام والثانى مفعم بالحركة والشقاوة .. هذا ظهر فى السنين الاولى من اعمارهم وبالتالى فمن الصعب أن نقول ان طبع الانسان هو سبب سعادته وشقاوته .. لأن الله عز وجل عدل لا يظلم احدا .. وجدت ان الطباع هى شىء رائع ويعبر عن قدرة الله عز وجل العظيمة .. ان نفس النبات من نفس التربة وذات الماء يشب كى يصبح جوافه وبطيخ وبرتقال .. لذلك من الحكمة أن لا نشد ونضرب على يد البطيخ ليكون جوافة ابدا .. إنما نعطيه المساحة وكمية الماء اللازمة والسماد كى يكون أفضل بطيخ ..


لكنى حينما أعود للسؤال كيف يمكن للطباع الستة عشر ان تنتهى لاحتمالين فقط .. هذا يعنى انها مطية كل إنسان إلى غايته .. وان صاحب القرار الأول هو إرادة هذا الانسان للخير أو الشر .. حين يقرر ان يسلك الخير فإن طباعه ستساعده أن يخرج أفضل ما يكون كى يصل للجنة.. والعكس صحيح .. فالانسان العاطفى لو اختار الشر يمكنه ان يكذب ويؤذى ويخون ويصدق السحر والخرافات .. والانسان العملى لو اختار الجنة يمكنه ان يتقن العمل ويقيم مشاريع الخير بإحترافية .. لذلك كان الدين ايضا ليحدث التوازن فى تلك الطباع جميعا .. فلا يغرق الانسان فى اوهام العواطف ولا يتحجر قلبه تحت صخرة الجدية .. كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه مدرك تماما لطبعه الصعب لذلك كان يجبر نفسه على اللين والتواضع والترفق ويبكى كثيرا كى لا يسوقه طبعه إلى النار .. قرأت قصة عنه ان نفرا من المسلمين كانوا يخافون منه لدرجة انهم لا يستطيعون ان يديموا النظر إليه .. فكلموا عبد الرحمن بن عوف لأنه كان أشجعهم على عمر .. فرد عليه ( أو قالوا ذلك؟! و الله لقد لنت لهم، حتى تخوفت الله في ذلك، و لقد اشددت عليهم، حتى خفت الله في ذلك، و ايم الله لأنا لله أشد منهم فرقاً مني).


اجده ضرورى جدا أن تدرك طبعك ونقاط قوته وضعفه كى تستخدمه فى الوصول إلى الانسان الذى تتمناه .. كلما فهمت الكتالوج كلما تحسن استخدامك لنفسك وحافظت عليها وانتفعت بها على افضل ما يكون .. النفس سر أعطاه الله عز وجل للبشر كى ينقبوا بداخله ويستمتعوا بجمال خلقه .. وجهلك بها يجعلك تنظر للماسة كأنها حجر تلقيه بلامبالاة أو تبيعه فى علاقة بثمن بخس.. 

رابط الاختبار:
https://www.16personalities.com





اعتاد الناس أن تمشى بوجوه متجهمة .. لكنى فى يوم انتبهت اثناء تأمل السائرين إلى شىء .. ان مشيتهم وتجهم وجوههم يشبه إلى حد كبير الممثلين فى الأفلام الاكشن .. حينما يمشى البطل وورائه سيارة تنفجر واللهب يتوهج كخلفية نارية .. حينها يبدو وجهه صلدا جامدا بشكل مضحك .. انتبهت ان هكذا وجه الذين حولى الان وربما وجهى كذلك وانا غير منتبهة .. وفكرت أن الطفل الصغير لا يمشى ابدا هكذا .. بل انه يغنى ويصفر ويظل يلمس العربات ويركض ويمشى بلامبالاة  .. انه لا يمثل اطلاقا أى دور .. انه يتعامل مع الحياة وكأنها عالم كبير ملىء بالمفاجات والاشياء المثيرة للفضول .. عقله لا يفكر فى تمثيل أى مشهد .. ربما لانه حتى هذه اللحظة لم يتعلم الكذب والاخفاء بعد.

لماذا نمشى بوجوه افلام الاكشن .. لا اعتقد انها نتيجة المعاناة اليومية فحياتنا الحمد لله طيبة وكل يوم يحمل الكثير من الاشياء غير المتوقعة .. بالطبع هو كذلك فمن منا يعرف كيف سيكون يومه وماذا سيقابل .. لكن هذا التجهم الذى نرتديه منذ لحظة النزول قناع حماية .. حماية من غباء البشر والقبح المتناثر سواء فى الشوارع او الاخلاق .. قابلت اكثر من فتاة تخبرنى انها تشعر بالخوف الداخلى وهى فى الشارع .. الخوف من ضوضاء العربات والمترو والزحام .. بالطبع هى لا تبدى ذلك امام الناس بل تكتفى بالسير بقناع متجمد يحمل الكثير من الحياة المضطربة تحته .. وهناك ايضا من يحمل هذا الوجه لأنه بالفعل حزين ومتوتر من الداخل .. لأنه يبغض هذه الوجوه التى يصطبح عليها ولا يريد ان يلقاها .. يريد ان يكون الان فى جزيرة وسط البحر أو بيت أمامه .. يريد الهروب من هذه المواجهة اليومية التى تصيب اعصابه بالغضب والتوتر .. وهناك من يتجمد وجهه لأنه متأثر بالطاقة السلبية حوله.. تلقائيا ينفعل وجهه مثل الاخرين .. فالامر كله مسرحية لا يستطيع أن ينفصل نفسيا عنها ويكون له عالمة الخاص الذى يسعد به ويبتسم لأجله.

لكن الحقيقة ان التمثيل عمل متعب جدا .. ومناقض للطبيعة .. افكر فى كم المباريات السيكولوجية التى يمكن ان يلعبها احدهم مع الاخر كى يخبره انه يحبه .. وانه متمسك به .. لكنه يلعب العابا حمقاء تزيد الامور توترا وجفاء .. هناك من لا يعرف ماذا يريد .. هو بحر واسع من المشاعر المضطربة فيرهق من حوله بطاقته العاطفية الغير ناضجة .. تجده يجيد الانتقام .. ويجيد التعذيب .. والهجر واللامبالاة والتشويق والاثارة .. انسان متعب يظن ان المباراة ستظل مستمرة .. لا يعرف ان الحكم يصفر معلنا النهاية فى لحظة .. لحظة يفقد فيها الطرف الاخر الاهتمام كله .. يفقد الرغبة فى اللعب والتراقص ويريد فقط حياة سعيدة فى علاقة ناضجة متزنة .. ويترك هذا الطفل الصغير فى مشاعره كى يتعلم ان يكبر .. كى يعرف ان الحب طاقة عظيمة لا يصح ان نعبث بها .. بل يجب ان نطلبها ممن يقدر على اعطائها .. وان نوجهها فيما يستحق .. ولا ارى نبعا أوسع من الله عز وجل ولا أرى وجهة غير الخير والعطاء .. لكن حينما يريد الانسان ان يكون محبوبا من الاخرين .. وان يجهدهم نفسيا كى يعطوه الحب الذى يريد .. فإنه سيتعرض لخيبات أمل لا تنتهى .. خيبات ودروس تعلمه ان يتوجه لنبع الحب الصافى .. لنبع الحب الذى مهما سألته وألححت عليه لا يمل منك بل يعطيك اكثر .. ويرويك اكثر .. لماذا لا يفعل الناس ذلك .. لأن الشيطان يعدهم بكل كذب انهم سيجدوا الخلد والحب فى غير الله عز وجل.

علينا ان نتوقف عن مشاهدة التمثيل قليلا .. عن مشاهدة الافلام والمسلسلات وتقليد طريقة هذا وذاك .. ومحاولة عيش تجربة مماثلة .. لأن هولاء اصحاب وجوه صنفرت كثيرا قبل ان تظهر .. ودقائق يصرخون فيها لا تمثل عمر الحياة .. ومشاعر كاذبة ومصدر كذبها انهم لم يعيشوها قط .. لم يفهموها بنضج لذلك تجد المسلسلات مآسى ودراما ونكد .. حينما نعتزل الافلام قليلا سنبدأ فى رؤية الوجوه كما هى .. والتجارب بنضج أكبر لأننا لا نملك مخزونا مزيفا نقيس عليه.. وعلينا أن نكف عن التمثيل والكذب .. لأن التمثيل مرهق وشاق ولا يصنع قصة حقيقية ابدا .. رويدا رويدا نتعلم الصدق مع الذات .. الصدق التام فى الاعتراف بعيوبنا واوجه قوتنا .. الصدق التام فى الحديث .. وفى التعبير عن مشاعرنا .. كفانا ما ضاع من العمر فى تمثيل رخيص جعلنا لا نستطعم جمال الحياة.

فيلم لا ينتهى

by on 1:32 AM
اعتاد الناس أن تمشى بوجوه متجهمة .. لكنى فى يوم انتبهت اثناء تأمل السائرين إلى شىء .. ان مشيتهم وتجهم وجوههم يشبه إلى حد كبير ال...



هل يمكن أن تمتزج الألوان لتكون لونا واحدا .. تمتزج القطة المشمشية بالشارع الرمادى بألوان السيارات المسرعة لتتحول إلى لون واحد .. يمتزج الماضى بالمستقبل ليصبح نقطة واحدة فى الزمن لا تتحرك من عندها .. رغم صعوبة تصور ذلك فإنه ممكن جدا أن يحدث داخل عقل الانسان.

يحدث أن يكون قلب الانسان كالخيل الحر .. ينطلق سريعا ويبطىء ويتوقف ليشرب الماء .. يسترخى قليلا ويأكل من العشب الاخضر ثم يستأنف الركض تجاه الشمس .. انه يجهل تماما طريقه لكن قلبه يملك من الحرية والشجاعة أن يمضى ويتجاوز الغابات المظلمة .. والاشواك التى تجرح ظهره .. وعواء الذئاب المخيف من حوله .. انه يستمتع بكل ذلك ويحس بنسمة الهواء الباردة والحارة جيدا .. ويستطعم مياه الجبال حتى لو كانت الحشرات تطفو بها .. يرى الجمال فى كل شىء ويملك فضول لا نهائى كى يرى المزيد فقلبه لا يشبع من جمال ملكوت الله عز وجل .. يحدث أن يظل القلب هكذا حتى يبدأ فى التعلق بشىء .. حينها تتجمع الألوان من كل مكان كى تتركز فى مكان واحد .. تبدأ الاشعاعات المتبعثرة فى كل مكان فى الانطلاق بكل قوتها نحو هذا الهدف .. فيبدأ الانسان فى نسج قصص وحكايات حوله .. فى صنع مملكة من الوهم يحبس نفسه بداخلها ويلقى بالمفتاح بالخارج .. يغلق النوافذ عن أشعة الشمس الدافئة .. والابواب عن الوجوه المحبة له حبا حقيقيا .. ويستلقى فى سرير من الخيال ينفصل به عن الواقع .. لذلك حينما يخرج إلى الدنيا لم يعد يرى القطة .. ولم يعد يشعر بنسمة الهواء الحلوة .. ولا يستطعم فطوره المعتاد .. لقد سجن قلبه بإرادته فى سجن يحسبه ملون .. لكنه لو أبصر لأدرك انه محاط بحوائط وقضبان تكتم انفاسه وتقصر عمره.

لقد شاهدت أثر ذلك على وجه المتعلق بشخص .. يكون بشوشا سارا مشرقا مقبلا عليك فى أول اليوم ثم يتحول فى آخره إلى وجه حزين يائس .. انه لا يشكو وجع جسدى .. ولا يوما ملىء بالمشاكل .. انه يشكو ان حبيبه تجاهله ذلك اليوم .. هذا كاف جدا كى يرى يومه كئيبا .. كم يظلم الانسان نفسه ... كم يجور عليها حينما يمنعها من أن تنفتح كالوردة البكر كل يوم .. تتمطى وتنظر للعالم الواسع فى تفاؤل وإقبال على الحياة .. كم يظلم حينما يضع الافيال كلها فى غرفة صغيرة .. ثم انه لا يكتفى بذلك بل يضع معها فأر الشك كى يحول المكان إلى صراخ وفوضى .. فينقلب من إنسان مطمئن قلبه مفتوح للحياة إلى انسان مرتاب يرتهن يومه بمزاج صاحبه .. هل معقولا أن نعلق سعادتنا على أحد .. على إنسان غير موجود .. على نقطة فى المستقبل لا نعرفها .. لماذا يحب الانسان دائما المراهنة .. يحب أن ينظر لدائرة الحظ وهى تدور ويحبس انفاسه حتى تتوقف عند الرقم الذى يريد .. ربما ينفق ما فى جيبه كله على هذا الرهان السخيف .. فى حين انه كان من الممكن أن يذهب بهذا المال ويعزم أهله جميعا على أكلة دسمة توطد علاقاتهم وتسجل ضحكاتهم فى ذاكرة الزمن .. لماذا لا يستمتع بما يملك فحسب .. ويحب يومه الجديد والفرص اللانهائية التى أمامه .. والمشاهد التى تنتظره بداية من نزوله إلى الشارع حتى يعود لفراشه ... بإمكانه ان يكتب قصة قصيرة كل يوم يحكى فيها عن المشاهد التى رآها .. فإنها تمثل يوما فى حياته .. وهى بالتأكيد حين تتصل تخبرك بشىء ما لم تكن منتبه إليه .. أليس هذا أفضل بكثير من اللون الواحد الذى تصر عليه .. هل العين بكل تفاصيلها وإعجازها خلقت كى لا ترى .. يمكن لإنسان أن يجعلها كذلك حينما يضع حائط عقلى يمنع دخول اى مشهد إلى قلبه .. وأى طعم إلى لسانه .. انى اقول انه يفعل هذا بكامل إرادته .. وأقول ايضا ان يمكنه فى لحظة قرار أن يهد هذا الحائط تماما ويخرج من سجنه الصغير إلى حضن الحياة الواسع.




كنت أملك مفهوما واحدا عن القوة .. هو الانسان الملىء بالثقة وبرود المشاعر .. الذى تسعى الناس كى تلمس هالة كبريائه .. الذى يمكنه أن يغيب عمن يحب لمدة طويلة ثم يعود ضاحكا غير مبالى .. والذى يسمع طرف كلامك بنفاذ صبر فيعطيك الدواء بكلمات قوية لا تفلح فى إزالة الألم وإن كانت تعطي خطوات عملية للنهوض من كبوتك .. نعم لقد كنت أظن القوة فى حدة النظرة ولا مبالاة القلب والسير بثقة دون الإلتفات لأحد .. وتمنيت كثيرا أن أملك صديق قوى .. وزوج قوى بهذا المفهوم .. ظاهريا حتى أشعر بالامان واجد من يشد بيدى بعيدا عن الاستسلام للألم .. ولكن فى عقلى اللاواعى ابحث عمن يذيق عذاب الحب  ويجعلك فى مباراة نفسية تحرز فيها أهداف حينا وتخسر حينا .. ظللت هكذا لزمن من حياتى ثم قابلت تجارب أنهار أمامها هذا الحائط المشوه تماما.

قابلك أناسا بهذا الشكل بالضبط .. يبدون وكأنهم صخرا لا ينكسر  .. بهرتنى قوتهم وحزمهم سواء فى مواجهة المشاكل أو العلاقات الانسانية المعقدة .. لكنى كنت أشعر بالكثير من الألم الذى قد يمتد ليصبح جسديا مؤلما فى اغلب الاحيان .. ظننت اننى ضعيفة لست مثل هولاء لا أملك القدرة على التجاهل واللامبالاة .. لقد أعتدت أن اغوص فى مشاعر من امامى حتى أعمق نقطة أستطيع الوصول إليها .. عينيه بالنسبة لى بوابة لعالم كامل عجيب بالداخل أريد استكشافه .. اعتدت أن ارى انفعالات وجهه اللحظية مهمة تعبر عن شعور قوى بالداخل .. تعبر عن ذاته وافكاره وتاريخه .. وهذا بالنسبة لى ممتع يستحق الوقت والمجهود للوصول إليه .. لكن كلما أزدادت الحياة العملية كلما قلت مساحة الوقت التى تجعلك تهتم بالناس حقا .. وتتحول تدريجيا إلى آلة صماء تريد الانتهاء من عملها فى أسرع وقت .. لذلك كان البحث اللاواعى عمن يساعد على ذلك فأتجهت انظارى للناس العملية .. التى تدهس كل شىء أمامها سواء العقبات حتى لو كانت عقبة متجسدة فى هيئة إنسان .. فالناس أنواع .. هناك الصاروخ الذى يثقب قلب الغلاف الجوى .. والقطار الذى يقف لدقيقة عند المحطات .. والحصان الذى يهتم بصاحبه ويخلص له ويملك من المشاعر ألوانا مذهلة .. والحنطور الذى يتمهل كى يرى كل شىء حوله .. يسعد بإشراق الشمس ورائحة العشب وصوت حشرات الليل .. ولأننا فى عصر السرعة فإن اهتمامك ينصب على كيف تصبح صاروخا فى أسرع وقت.

وجدت بعد أكثر من تجربة أن صاحب الواجهة القوية القاسية حينما تواجهه الازمات فإنه أسرع الناس انهيارا .. ينهار داخليا ويبدو محتارا خائفا .. فى حين رأيت صاحب القلب الطيب الذى يسامح ويغفر سريعا ويحمل فى قلبه الكثير من الحب والخير الغير مشروط .. وجدته قويا جدا وقت الازمات .. كان أبى رحمة االله عليه أول إنسان اراه تجربة انسانية واضحة للضعف الخارجى المغلف بقوة عظيمة بالداخل .. كان رجل طيب متسامح مجتهدا فى عمله وبارعا فيه .. لكن لم يكن يحظى بالشهرة والمجد وكان مرضاه يدخلون عليه الباب مباشرة بغير إستئذان .. لم يبخل بعلمه على أحد وعالج كثيرا ممن لم يدفعوا مليما بل كان يسعى بنفسه إليهم .. كان رحمه الله يملك الكثير من الخير بداخله وكان عواطفه ومشاعره الحساسة تجعله يبكى احيانا حينما يشعر بجمال قصيدة شعر أو بالخوف أو الحنين .. كان لا يخفى مشاعره كالطفل الصغير ويتركها تنساب على وجهه الحنون الطيب .. كان يرحم ويقبل ويعتذر رحمه الله عليه .. لذلك حينما واجهته أزمات صحية شديدة ومتتالية كان صلبا كالصخر لا يقول ابدا (لماذا يارب) .. بل قال لى (أنى اشعر انى لست جازع) .. أكثر من رأيته فى حياتى صبر على بلائه لذلك حينما مات كان فى سلام .. خرجت روحه فى لحظة بغير ألم وكان وجهه أبيض كالملائكة .. لقد تحطم عند قدمى أبى مفهوم القوة لدى .. حينما مات أنهار هذا الحائط المشوه السخيف الذى بنيته بناء على جهل بداخلى .. رأيت أن القلب الملىء بالرحمة والاحساس لا يجب أن يسجن نفسه لمجرد احساسه ان هذا ضعف .. وان هناك ديناصورات بالخارج لا ترحم هذه المشاعر الرقيقة .. بالعكس تذكر أن أول أسم من اسماء الله عز وجل (الرحـمن) .. وهو سبحانه القوة المطلقة .. يجب أن يدرك صاحب القلب الطيب الرقيق الحس أنه قوى للغاية .. وأن عليه فقط أن يتعلم كيف يدير مشاعره بذكاء بحيث تصل به إلى أفضل صورة منه .. تجعله يعطى الخير والنور لأنه يملك قدرة فطرية على ذلك .. بدلا من أن يضيع الكثير من الوقت فى الشك والريبة فى قدرته على تحمل الحياة والتعايش مع الواقع القاسى .. استعمل قوتك العاطفية فى تخفيف الألم عن الضعيف واليائس والحزين.. فى الانصات إليهم والاحساس بهم .. فى الربت بقوة على اكتافهم والامساك بإيديهم حتى يخرجوا من دوامة اليأس والحزن .. انت بحاجة فقط أن تخرج من دوامة الشك إلى اليقين بقوة الرحمة.




الرمل .. ذلك الكائن العجيب الذى يتراكم فوق الاشياء المنسية .. المهملة .. التى قرر اصحابها هجرها بوعى وتصميم أو بدون وعى .. العجيب انه رغم هشاشته وانعدام وزنه فأنه مع الايام يكون ثقيلا ونمكث اياما كى نتخلص منه .. وفى حالات أخرى قد نمكث شهورا وأعوام فى ذلك .. حينما يتراكم الرمل فوق وجوهنا القديمة .. فوق الطفل الصغير بداخلنا .. أو الاحلام التى كتبناها مرارا ثم نسيناها .. حينما يتراكم الرمل فى هذه الحالات فأنه يجعل تلك الاشياء بعيدة جدا .. لدرجة اننا ننسى وجودها ونتخيل اننا كنا دوما ذلك الشخص الحالى الذى فينا .. ثم فجأة فى لحظة تهب ريح خفيفة فتكشف جزء تحت الرمال .. لحظة تطل فجأة سعادة غابرة من داخلنا .. ومضة من الذكريات تجعل قلوبنا تنتعش وتفيق .. تبدو لحظة صغيرة لكنك تريد أن تمسكها للابد .. تتوسل إليها ان تعود لا ترحل .. لحظة أن كنت سعيدا جدا .. طموحا ملىء بأحلام وردية عن الاكتشاف والنجاح والحب .. لحظة ان كنت شجاعا لا تخاف من الزمن ولا قسوة الناس .. يمتلىء قلبك بأحلام سعيدة عن الترحال للعالم وتحقيق حلمك فى هذا أو ذاك .. ثم تختفى تلك اللحظة كما ظهرت تاركة اياك فى حالة من الذهول .. الذهول من كم التراب الذى يعلو قلبك وانت لا تدرى به .. وكم الوجوه والاحلام المدفونة تحته .. لذلك خلق الله عز وجل التراب أمامنا كى يكون لنا منبه .. هذا المكان يحتاج للتنظيف .. يحتاج أن يعود إلى جماله ورونقه القديم .. حينما تتأمل قصرا متربا فأنك تتسائل أى حياة سكنت فيه .. وتتخيل وجوه اصحابه النضرة الشابة التى كانت تجول فى المكان تسقى الزرع وتسكن الغرف وتتناول الفطور .. أيمكن أن ينتهى كل هذا مع الايام .. أيمكن أن يعود هذا القصر إلى الحياة .. هذا قرار أصحابه  .. طالما لا يزال معهم المفتاح يمكنهم تجديده وتنظيفه ودهانه والعودة به إلى أفضل مما كان ..

كنت أفكر انه ليس بالضرورة أن تعود لإنسانك القديم السعيد .. ليس بالضرورة ازالة التراب معناه ان تظل تستخدم الراديو القديم .. هناك الكثير من الاشياء قد تغيرت .. إدراكك ذاته تغير .. فهذا يستدعى ايضا أن تكون نسخة جديدة منك هى أفضل من أى نسخة قديمة .. نسخة لم تتخلى عن احلامها ولا سعادتها .. لكنها اصبحت أكثر علما وقوة وإدراكا بما حولها .. لقد اكتشفت اننى لا اريد العودة لشخصى القديم .. بل اريد ان ازيل التراب فقط عن الذكريات الحلوة كى اصطحبها معى فى السفر .. السفر إلى أراض جديدة بداخلى .. حينما اشعر بالخوف .. بالحزن .. بالتيه .. اخرج هذه الصور واتأملها واحن إليها وابكى وافرح .. أن قلبك لا يزال حيا بهذه الذكريات فتبث الدفء فيه ويسمع موسيقى جميلة تؤنسه .. لكن لابد من الترحال دائما ولابد من الاسكتشاف حتى تستقر فى أرضك النهائية .. ما هى ومتى نصل إليها .. اعتقد انها كما تقول صديقتى (حينما تصل إلى افضل نسخة من نفسك).




اقرأ قصة (السيانيد الساطع) لأجاثا كريستى وهى قصة مليئة بالمشاعر القوية جدا .. واقصد بالمشاعر القوية هنا ان ابطالها يفكرون فى عواطفهم ويسترسلون معها إلى عمق بعيد .. يصيبهم جنون الحب والكبرياء والتهور وينغمسون فى عذاب هذه المشاعر جميعا .. فكرت فى الحب لأنه أقوى عاطفة أحاطت بالبطلة (روز مارى) والتى يعنى أسمها (الذكرى) فهى لم ينساها أحد .. لماذا يصاب الانسان بجنون الحب .. ولماذا يستعذب هذا الشعور رغم علمه جيدا انه سيؤدى به إلى خطأ عظيم .. ربما يؤدى إلى الخيانة .. الانتحار .. أو أقل الاحتمالات جرح فى القلب غائر وذكرى قد لا تنمحى .. هل الحب شىء سىء يتجنبه العقلاء من الناس وينغمسون فى كل شىء سواه هربا منه؟ .. أم ان هذه نظرة مشوهة أيضا مثل نظرة مجانين بالحب بالضبط.

الحب جميل جدا .. ونبيل جدا .. وهذه الكلمة الثانية بالذات تنقى الحب من شوائب الخيانة والكذب والاخفاء تماما .. كل علاقة يشوبها تلك المعانى الوضيعة ليست حبا حتى لو اقسم اصحابها على ذلك .. ان المعانى الخبيثة ليست جبنا يوضع داخل شطيرة معنى نبيل أبدا .. انها منتنة يشمها رائحتها أصحاب الفطرة السوية ولا يقبلونها تحت أى مسمى .. فما الذى يدفع الانسان إلى أن يأكل من القمامة؟ .. هل لأنه لا يستطيع أن يقاوم .. لأنه ظمآن للغاية ووجد الارتواء فى الحرام .. لو كان الامر كذلك فلماذا يحاسبنا الله عز وجل على الزنا .. إذا كنا لا نملك أمر غريزتنا فلماذا يكلفنا بما لا نطيق .. ان الانسان حينما يمسه الجنون لا يعرف كيف يعود .. بل قد يستغيث بالناس أن تنجده وهو ما حدث فى القصة .. فكان (ستيفن فارداى) يحاول جاهدا أن يتملص من عشيقته التى يحبها بجنون لأنها تدمر مستقبله وبيته .. فلم يرتاح سوى بعدما ماتت .. لماذا يصل الانسان لهذه المرحلة العميقة فى المشاعر .. وهل هذا صواب أصلا .. اعتقد ان التعلق بإنسان أو رغبة شىء بشع .. التعلق الذى يظلم الحياة فى عينيك ويجعلك عبدا لشىء مساوى لك أمر ترفضه النفس ولا ترتاح إليه .. لذلك تسمع كلمات العذاب فى حب انسان لأنسان لكنك لا تسمع عن احدا تعذب فى حب الله ابدا .. لانه تعلق بالباقى وبنبع الحب الذى يفيض على الكون .. والذى لا يأخذه احد ولا يحتكره .. ولا يموت والذى كلما احببته اعطاك المزيد على عكس كل شىء .. هذا هو قانون الله عز وجل .. احبب ما شئت فإنك مفارقه .. ولذلك فأن الدخول من هذا الطريق خطأ من البداية .. طريق التعلق الزائد ومنهج الله عز وجل يحمى الانسان من ذلك .. كان الشيخ الشعراوى يقول (ان مراحل الرغبة فى الانسان ثلاثة .. اولا الادراك .. ان ترى الشىء بحواسك وتشمه وتلمسه فتعجب به ..فإذا ما أدركته حدثت نفسك به .. فنزعت إليه محاولا اخذه بكل طريقة .. وهذه المرحلة الاخيرة هى الاشد والاصعب والتى يصعب على الانسان مقاومتها .. لذلك تجد الله عز وجل العليم بنفس الانسان يحميه من البداية ويسد عليه الباب بقوله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) .. (وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن) .. إن هذا مما يوفر على الانسان الكثير من المشاق والبلبلة وتجعله منتبه لحياته وللكون حوله .. أخذا منها ما ينفعه لا يعميه عن مصلحته شىء ..

لكن هل منهج الله عز وجل يحرم الانسان من الحب .. من الاحساس والسعادة .. لا ابدا منهج الله هو الذى يؤدى بالانسان الى السعادة اصلا ..  والله عز وجل الذى يملك القلوب هو الذى يقذف بالحب كأجمل ما يكون فى قلب من أتقى .. اسمع قول الله عز وجل ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ). تأمل حينما يغنيك الله بعد حرمان كيف سيكون العوض والحب والاطمئنان.

لذلك على النقيض مما يفعل ما حولك عليك ان تسد الابواب كمثل ما سد يوسف عليه السلام .. وأن تؤمن انه ليس كثرة عدد من وقع معناه بالضروره ان هناك ورد تحت فى الهاوية .. ان الهاوية عميقة وقد تسمع صراخ الساقط فيها وكأنه يناديك كى تلحقه .. لكنه ما ان يصل للقاع ويجد صخرا يكسر قلبه ستتعلم من تجربته ان تبتعد فى اخر لحظة .. وان تؤثر السلامة والعافية لأنك تبحث عن الطريق الصحيح وليس هواية السقوط فحسب.