نحن من يزرع الشوك
انى لأرجو من جيل
الاباء والامهات ان يقدموا لأولادهم نصيحة أغلى من القلق .. أن يكفوا عن تغليف
المستقبل باللون الاسود .. وعن العزف على الاوتار الاشد حساسية فى أولادهم والاكثر
ضعفا لأنها ستنقطع فى النهاية .. قالت لى صديقتى ذات مرة (أن المرء يتأثر برأى
والديه كما لا يتأثر بأحد .. وان الفكرة التى يغرسوها فى نفوس اولادهم هى أشد عمقا
من أى تجربة يمرون بها .. حتى لو كبر الاولاد فلا يزال تأثيرهم طاغيا لأنهم صدى
الصوت القديم الذي رد عليهم حين صرخوا أول مرة .. وحائط الامان الذى يستندون عليه)
.. تخيل لو كان حائط الامان هذا ملىء بالاشواك التى تؤذيهم .. تخيل لو كان سميكا
يكتم انفاسهم ويمنعهم ان يكبروا .. تخيل لو كان واهيا غير متزن يهدد بالسقوط بين
حين وآخر .. هولاء الذين تربوا بين حوائط لا يشعروا بينها بالامان .. ولا بالسعادة
.. هم أول الناس فرارا ليس فقط من أهلهم ... إنما من ما تربوا عليه ايضا لأنهم
وجدوه المتهم بتعاستهم.
الفكرة كلها اننا لا
نريد ان نجعل ابنائنا يكفرون بالقيم ... ويستهئزون بالصح لمجرد انهم يريدون
المعارضة والتمرد .. اننا نريدهم فقط ان يغيروا الخطأ ... وأن يبنوا مستقبل لا أن يهدموا انفسهم .. هل سمعت عن انسان عاقل يهدم نفسه؟ .. نعم .. هذا الذى رباه ابواه
انه لا يستحق الحب ولا الاحترام .. انه دون الاخرين .. وفاشل .. ولا يتخذ قرارا
صائبا ... هذا الانسان سيسعى دائما كى يؤكد لوالديه انهم اخطأوا .. بدلا من ان
يسعى ليعرف نفسه فى سلام ويحبها وبعد ما يحبها يختار لها الافضل فى الصفات
والاخلاق .. لا يمكن أن يحاول انسان ان يكون كريما أو محسنا وهو يكره تلك النفس
ويحتقرها.. لا يمكن للمشاعر السيئة أن تبنى ابدا .. لذلك مهمة الاباء أن يعلموا
أولادهم قراءة مشاعرهم قبل قراءة الكتب .. قراءة افكارهم .. لماذا يفعلون ذلك ..
وما الذى يحركهم .. وكيف يستعملون ارادتهم .. وكيف يتغلبون على أمواج النفس وينجون
من دواماتها .. بل ارى أن دور الاباء الاول يسبق ذلك .. ان يعالجون انفسهم اولا أو
يحاولون بقدر استطاعتهم ان يكونوا سعداء متزنين .. ولا ينقلون عدوى القلق
والاكتئاب واليأس إلى صغارهم .. فليخرجوها فى حلم يسعون إليه .. فى تعلم التواصل
الانسانى بشكل كفء .. فى القراءة .. فى السفر .. فليكونوا سعداء من أجل اولادهم ..
صدقونى انهم يريدون ان يروكم سعداء واكثر اخلاصا فى هذا منكم.
انى ادعو جيل الابناء
.. الذى شب عن الطوق ويجنى ثمار تربية مليئة بالاشواك والاذى .. احمدوا الله
سبحانه ان رزق البالغ قوة عقل وإرادة اقوى من أى شىء .. البلوغ معناه ان تصبح
قادرا ان تفرق بين الصواب والخطأ .. ومعناه ايضا القدرة على الاختيار التام ..
وبالتالى انت بحاجة إلى تصميم عازل حرارى عن المجتمع الخارجى .. عازل زجاجى يجعلك
ترى الناس ولا تراهم .. وتسمعهم جيدا لكن قلبك وعقلك يعملون بكفاءة واجتهاد وصدق
نية مع الله عز وجل .. عندها سيصل صوتهم بلا أذى .. وكلامهم سيتم تنقيته لاخراج
الارز الابيض فقط.. ستكون اكثر هدوءا فى الرد .. وثباتا فى السعى .. ان ما تحتاجه
حقا هو العزل الشفاف .. الذى يجعلك ترى الكثير ثم تفكر ثم تتخذ القرار .. كل هذا
داخل بالون زجاجية هادئة لا تنفعل كثيرا لفوضى الخارج ايا كانت.. وتأكد من وعد
الله سبحانه
(والذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا وأن الله مع المحسنين).
No comments:
Post a Comment