كيف يتحول همس الماضى إلى صراخ؟
صوت يـأتى من الماضى يمكنه أن ينادى بقوة لدرجة ان يفزع
الحاضر .. لدرجة ان يجعله يهرب تاركا صاحبه خاويا فيأتى الصوت كى يغزو العقل كله
.. كى يفصل الانسان عن أى شىء حوله ويجعله ساهما أو غاضبا أو سعيدا بلا سبب .. كيف
يمكن للذكريات أن تكون قوية وصاحبة اليد العليا رغم انها غير موجودة .. كيف يمكن
ان تنجح فى زحزحة اللحظة المتجسدة بقوة ماديتها ورائحتها وملمسها وصوتها .. هل هذه
هى قوة الذكريات .. أم قوة إرادة الانسان؟
حينما يستدعى الانسان الماضى فإنه لا يستدعى صورته فقط
.. بل شعوره فى ذلك الوقت .. واثر شعوره بعدها ... يتذكر حضن أبيه وامساكه بيده فى
الصغر .. يتذكر ذلك الممشى الذى سارا فيه سويا وكان هناك مصابيح ملونة .. كلما رأى
هذه المصابيح عادت الذكرى وملأت قلبه بسعادة طفولية .. وحينما مات أبيه أصبحت تلك
الذكرى أقوى .. جعلته يبكى حزنا ويحن بعدما كان فقط يشعر بالسعادة .. إن اثر
الذكرى ليس مرتبطا بها وحدها .. بل مرتبط بما يحدث بعدها ايضا .. نحن نغذى الذكريات
التى نريدها ان تبقى .. نغذيها بالحب او الكراهية حسب رغبتنا .. تتذكر يوم ظٌلمت
فى العمل جيدا ... يوم ان اخبروك انه لم يعد لك مكان بينهم وقد كنت مجتهدا مخلصا .. إما ان تظل تلك النقطة نغزة فى قلبك ودليل على ظلم الحياة وتحطيم لأى محاولة أخرى منك للاخلاص .. أو ترى ما يحدث بعدها من تعويض وإنفراج هم فترى الصورة
الكاملة .. وتعلم ان الله لا يرضيه الظلم وانه يعوض المظلوم بكل الخير .. عندها
يمكنك ان تنسى وأن تسامح .. وحين تسامح فقد حولت الذكرى إلى جوهرة.
كيف يمكن ان تكون الذكريات غذاء للقلب وليس وحش يلتهم
القلب والقوة والوقت .. هذا الصندوق الملىء بالياقوت والماس واللؤلؤ .. كيف يمكن أن نجعل تلك الذكريات تزيننا بدلا من أن يعلوها التراب .. يمكن لنا أن نرتديها بحيث
تؤثر فى سلوكنا وأفكارنا وتصبح إنسان جديد .. أكثر رحمة .. أكثر حبا .. أوسع
إدراكا .. أكثر حكمة .. عندها فقط تكون قد تزينت بها فعلا .. ايضا ليست كل
الذكريات جديرة بالاحتفاظ بها .. لا ننكر ان صندوق العقل الانسانى يتسع لبلايين
الافكار وانه لا يعيبه أى قصور ... ولكن هذا الصندوق انت مأمور بحمايته
والحفاظ عليه .. مأمور ان تنظفه وان تجعل ما فى بؤرة الشعور هو الشىء النافع الذى
يجلب السكينة والسعادة .. مـأمور ان تركز فى اللحظة الحالية وأن تعقل الصلاة
وتتأمل الكون .. ان الذهن فى حالة مغناطيسية هائلة طوال الوقت بين الماضى والحاضر
والمستقبل .. يتجاذب العقل هذه الابعاد الثلاثة فتجده فترة يستقر هنا ثم هناك ..
فلو ظللنا فى هذا المجال المغناطيسى دون تحكم .. دون سيطرة .. فإن عقلنا سيتمزق فى
النهاية فى ظل قوة التجاذب الهائلة تلك .. لابد لنا من قوة إرادة كبيرة كى نكون فى
مجال الحاضر .. كى نصنع التوازن المطلوب فيكون العقل كالكرة فى المنتصف .. لا تميل
بطرفها نحو اليمين والشمال فيثقل الرأس ويتعب .. فإذا أردت هذه القوة الهائلة التى
تسيطر فعليك بذكر الله عز وجل .. هو الذى سيعدل الميزان ويملأ القلب والعقل
بالسكينة .. هو الذى سيداوى الماضى ويكفيك المستقبل فلا يبقى لك سوى حاضر جميل
تتأمله وتعيش أجمل ما فيه.
من المهارات التى عليك بل ويجب ان تكتسبها .. أن تتعلم كيف
تتحكم فى مشاعرك .. كيف حينما يأتيك شعور الغضب أن تكظمه .. مهما كان عارما
ومكتسحا فأكظمه .. وحينما يأتيك شعور الغيرة فعليك ان تعيد النظر لنفسك وتنسى
الاخر .. وتنظر لما تملك وتسعد به .. وحينما يأتيك شعور الحيرة والتشتت فعليك بقول
(اللهم هيىء لنا من أمرنا رشدا) وتترك المستقبل لله وتفعل الواجب الصغير .. لا
انسى مرة ظللت طوال اليوم احمل هم مسألة لدرجة أن جسدى اوجعنى فى اخر اليوم .. ثم انى فى خلال
دقائق جلست ونفذتها وانتهى كل شىء .. ان التفكير فى العمل استهلك من طاقة النفس
والوقت ما لم يفعله العمل نفسه .. وذلك درس اتمنى من كل قلبى ان افهمه واكف عن خطأ
الهم والتفكير الكثير.
No comments:
Post a Comment