انفخ فى البوق - دق الطبل


قرأت قصة عن امرأة كانت فى طفولتها تعانى من شلل الأطفال .. وقد خضعت لعلاج يمرن عضلات يديها فكانت أمها تأتى بكرة مطاطية صغيرة كى تقبض عضلات يديها وتبسطها .. حكت المرأة كيف أن هذا التمرين كان مملا وكانت كثيرا ما تترك الكرة تنزلق حيث تقف أمها فتعيدها إليها .. حاولت الأم تحفيزها لكن لا شىء كان يقاوم طاقة الملل فى البنت الصغيرة .. حتى دخل أبوها ذات يوم وهو يحمل قرد آلى صغير يمسك طبلة وفوق رأسه كرة مطاطية .. كلما ضغطت عليها قرع القرد الطبلة .. بدأت البنت فى الانتباه والتركيز على ذراعي القرد .. يتحرك الذراع ببطء ثم يعود .. ثم يزداد سرعة .. إلى أن نجحت فى قرع الطبلة أخيرا .. سعدت بهذا الانتصار وواصلت المحاولة وانتقلت من يدها اليمنى لليسرى حتى تقوت عضلات الاثنين .. كانت تقول هذه المرأة ذات الاربعين عاما فى نهاية قصتها (إن الشفاء يأتى بعد أمر الله من مثل هذه الانتصارات الصغيرة .. انفخ فى البوق –دق الطبل).


ربما يبدو هذا غريبا جدا .. لكنى قد أستمعت يوما إلى فيديو قصير عن سبب ذكاء الأعسر .. كان يقول منذ قديم الزمان والأعسر فئة قليلة فى المجتمعات البشرية ولذلك نشأ لديهم إحساس بالرغبة فى القتال والمنافسة لأحساسهم بإنهم فئة مستضعفة .. لذلك تجد الأعسر بارعا فى الألعاب القتالية عموما ككرة القدم والسلة وغيرها .. لقد تعجبت كثيرا لهذه الحقيقة .. أن الذكاء ناشىء من وجود (تحدى) ورغبة فى الأنتصار عليه ... يمكن أن يكون هذا المنافس إنسان .. هدف .. وقت .. يمكنك ان تتحدى نفسك فى إنهاء كتاب فى خلال ساعة .. ربما يبدو التحدى لا معنى له .. لكن إختراع (تحدى) هو عين الصواب .. هو الذى يحفز الانتباه والعضلات كأنها تنتظر شىء يحدث .. التحدى يكسر صندوق الروتين وقضبان السجن التى نعيش بداخلها .. لانك تتحدى نفسك بطرق شتى .. كإنهاء شىء فى وقت معين .. او فعل شىء بطريقة جديدة .. أو تجربة شىء لم تفعله من قبل .. ربما يبدو الأمر فى البداية سيان.. وتبدو قمة الجبل كقاعه .. لكن هيهات ما بين شعور الذى يصل لفوق بعد الجهد والتعب وشعور من يكتفى بالفرجة .. عبور أى تحدى كأنك تقفز من طرف الجسر إلى طرفه الثانى .. تصل إلى أرض جديدة وتترك أرضا أعتدت عليها ومللت دروبها .. هكذا الانسان دوما عطشان للاكتشاف والسعى ولا يروى ظمأه للوصول إلا للموت ..




لذلك كلما هتف بداخلك صوت التحدى فلا تقتله .. لإنك قادر به بعد أمر الله على النهوض من كبوات كبيرة .. وقادر على التغير .. وقادر على التعلم .. التحدى أمر ربانى (وفى ذلك فليتنافس المتنافسون) .. الله عز وجل يريد لنا المنافسة المثمرة (ألا أن سلعة الله غالية .. ألا أن سلعة الله الجنة) .. وبالتالى فحينما تضع نصب عينيك الخلود فأنك تظل فى حالة من (التحدى) المستديم .. تحدى يحدث كل إشراق شمس .. فى أن تكون إنسانا صالحا يقاوم شر نفسه ويدفعها للخير ويحثها على الصبر .. لم يخلق الله عز وجل حب المنافسة والتحدى فينا عبثا .. بل من رحمته أنه جعلها فينا كى نتحرك للوصول إليه.



No comments:

Post a Comment