رحلة إلى نبع الحب
هل يستطيع الجائع أن يعطى رغيفه أو يتنازل العطشان عن كوب الماء تحت أى مسمى .. يحتاج الإنسان أن يروى نفسه أولا قبل أن يفكر فى العطاء .. هذه قاعدة نفسية بسيطة ولكننا ننكرها عادة دون وعى ..
كلنا يتهافت
على الحب .. يبحث عن رفيق حياته وفى مخيلته الكثير من الكلمات التى سيقولها
والمواقف التى يتمنى حدوثها .. لكن هل وقفنا أمام تلك المشاعر بصدق وحددنا اتجاهها
.. هل نريد أن نعطى الحب أم نأخذه .. هل سعينا الملح والبحث المستمر هذا كله لأنك
تريد إعطاء الحب .. لو كان كذلك ما طال البحث لأن لا أحد يرفضه .. لن تجد مخلوق
يرفض عطاء الحب ابدا .. لا القطة .. ولا الطفل .. وبالطبع ليس الإنسان الناضج .. لكن حقيقة
الأمر انك لست بالساقى بل بالظمآن .. أنت من يبحث عن القبول غير المشروط .. والوعد
الصادق بعدم الفراق .. وأن يحبك أحد على كافة اوضاعك وفى كل الازمان .. لو ضعفت
وفقدت قوتك .. لو كبرت وشخت .. لو حزنت وغضبت .. إن الانسان ظمآن لهذا الحب
اللانهائى .. ولذلك تجده يتغير ويتحول من شخص لآخر كى يتجدد عنده هذا الشعور .. فعطشه
لا حدود له ولا ينتهى سوى بالموت.
يذكرنى الحب برحلة النهر .. البلاد البعيدة تخاف أن يجف
النهر بينما البلاد القريبة من المنبع لا تحمل ذرة قلق .. من يسكن بجوار نبع الحب فإنه
لا يبالى بمن يصل ويشرب بلهفة .. بل تجده يمد يده كى يساعده على الوصول ويشفق على
المتعبين والخائفين ويلوح للمتسلق البعيد كى لا يضل الطريق .. إن الاستقرار لا
يكون على ضفاف الجداول الضيقة الضعيفة المجرى .. ولا بجوار الشلالات القوية
الهادرة .. كلهم ممرات يسرى فيها الحب ويمكنها أن تجف فى أى وقت .. يمكن أن يردمها
الزمن .. وتتوسخ بفعل الكائنات المارة عليها .. يمكن أن تغرق فى فورانها الغير
مستقر .. لكن النبع لا يوجد به سوى السكن .. والأمان .. والخير اللامحدود .. انه
لا يتجدد .. انه عين التجدد .. لذلك فهو يعطى الحياة لكل من يصل إليه .. هو منتهى
البحث وبداية الطريق .. كلما أبتعدت عنه عطشت وملأ قلبك الخوف .. ولم تعد واثقا انك
تريد أكمال الطريق .. لذلك تبحث عن نبع يرافقك .. هل نستطيع ذلك .. لا أقول قارورة
من الحب .. بل أقول نبع لا ينفذ .. أنه لا يكون سوى من عين لا تنام .. وحى لا يموت
.. ورحمة وسعت كل شىء .. ومغفرة على كل ذنب.
لقد فكرت مرة فى معنى المغفرة .. وجدت انه بعدما يرتكب
الانسان ذنب فأنه يشعر بشعور قاتل .. وكأن الدنيا تجثم على قلبه .. وكأن الشر له
ثقل .. ولون أسود .. لكن ما أن يشعر الانسان بالندم ويستغفر الله عز وجل حتى ينقشع
السحابة السوداء من قلبه فيصبح قادرا على إكمال اليوم وتجدد الأمل .. تخيلت لو كان
الانسان يعيش وهو لا يعرف باب المغفرة .. لا يجد وسيلة لمحو الذنب .. تخيلت دوامة
الشر والظلام التى سيحيا بها حتى الموت .. فوجدت أن رحمة الله عز وجل بعباده تفوق
كل كلام .. وانه يستحق الحمد والسجود له طوال الحياة. سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
إن رحلة وصولنا لنبع الحب والأمان
طويلة .. ولكن المهم ألا نفقد البوصلة ونتوه داخل أحراش الغابات .. يمكننا ان
نستريح تحت ظل شجرة .. يمكننا أن ننام ونغفل .. لكن لابد أن نستيقظ ونتذكر أن أمامنا
حبات رمل معدودة للوصول .. يجب أن نركز على ذلك .. وأن نستخدم حواسنا وإدراكنا فى
الانتباه هل نحن قريبون أم لا.. سنعرف حينما نشرب من النهر فنشعر بصفائه .. وحينما
نرى وجوهنا على صفحة الماء .. فالماء الصافى دليل اننا اقتربنا .. كلما صدق القلب
كلما عرفت انك قريب .. وكلما مررت على أشواك واحجار قاسية وكائنات مرعبة .. هذا
معناه ان ورائها النبع .. فلا تركض هربا ولا تفتنك الطرق وأستعن بالله فى الوصول
إليه.
No comments:
Post a Comment