هل (اتبع شغفك) دائما هى الحل؟




أحيانا تبدأ الفكرة فى السطوع فجأة رغم انها موجودة منذ سنوات .. لكنها فى موقف ما .. كلمة يلقيها احدهم غير منتبه تولد هذه الفكرة وتخرج برأسها إلى الحياة لتبدأ مع صاحبها رحلة طويلة تختلف شخصيته وحياته بوجودها ..

ألقت صديقتى حكاية عابرة عن والدتها التى تزجر ولدها من تجربة الغطس وتقول له (ما أهمية ذلك؟!) .. علقت صديقتى على هذه الحكاية (أحيانا يضطر الانسان لدفع نفسه كى يقوم بشىء جديد لأن النفس تميل أصلا إلى الكسل وزهد التجربة ولذلك كان دعاء النبى عليه الصلاة والسلام "اللهم انى اعوذ بك من العجز والكسل") .. والحقيقة أن هذا أخذنى إلى منعطف ثانى من التفكير .. أننا لو اتبعنا تلك الموضة الموجودة حاليا وهى (أتبع شغفك) فأنك ببساطة تقوم بتجربة (ما تحبه) فقط .. وبالتالى فأنا لن أشرب سوى البيبسى.. وأكل البانيه والبطاطس المحمرة وأمارس الرياضة فى ألعاب الموبايل ... اننى بالفعل أقوم بكل ما أحب ولكن السؤال هل نفعنى؟.. وهل فتح لى طريق جديد فى محيط الحياة المجهول؟ .. منذ زمن طويل قال لى أحدهم كلمة ترن فى أذنى من حين لآخر: (انك حين تبدأ العوم فى طريق جديد تخافه وتجهله .. فأنك فى البداية لا ترى شىء وتتعب وتشك كثيرا .. لكنك ستعرف قيمة ما تفعل حين تلتفت لمساحة النور التى ظهرت امامك وأصبحت ترى نور المحيط وغيرك يقف بالخلف يتلمس الماء المظلم ولا يجرؤ على النزول) .. لقد أحسست بكل كلمة يقولها .. أحسست بظلمة البحر وأمواجه .. أحسست بمحاولات الخوض فيه .. وبفرحة اكتشاف ارض جديدة وروح شجاعة ازدادت ثقة وسعادة .. أحسست ببساطة ان هذه هى الحياة وأن الموت هو عكس ذلك كله.

وبالتالى فحينما بدأت أقنع بفكرة (أفعل ما تحب) وجدتها لم تدفع بى إلى الامام اطلاقا .. بل بالعكس حين كنت أركز على المجهول فقط وعلى الشغف العطشان للمعرفة .. كان يدفعنى الفضول وحب العلم وليس حب شىء بذاته .. سلكت طرق كثيرة وجربت العزف والسفر والكتابة والغطس والتسلق وما إلى ذلك .. هل يا ترى كنت أحب ذلك؟.. كلا بالطبع لقد كنت أنزل مع الغواص وأنا ابكى بداخلى من الخوف .. وأنا اقبض على مقبض التنفس كأنى أقبض على روحى .. لكنى كنت أريد أن أرى .. وأن أهزم الخوف لأنى أعرف ان بعده حياة أخرى .. هكذا خلق الله عز وجل الانسان (وعلم آدم الاسماء كلها) .. عنده ملكة التعلم والفضول حتى اخر يوم فى حياته .. فلا تقتل هذه الفطرة ولا تستلم لصوت الكسل وتقدم العمر وفقد الرغبة .. كلها أصوات (العجز والكسل) .. إننى أفكر الآن فى العودة لنفسية الطفل .. الذى لا يدرى ماذا يحب بقدر ما يفرح بما يكتشفه بيده ويلمسه ويتعرف إليه .. الطفل المحتفظ بدهشته ورغبته فى دخول كل الحجرات والوقوع فى الحفرة ونزول البحر .. لا يصح للمرء أن يستكين لما يعرفه ويحبه فقط .. بل عليه أن يدفع نفسه لمقابلة من لا يعرفهم .. وممارسة عمل لا يحبه .. وقراءة كتب يخاف منها .. عليه أن يقول لنفسه العصية الكسلانة (لا) وليس لمئات الفرص التى تعبر من حوله كل يوم كى يتعلم .. لا أقول أن نفعل كل ما نبغضه .. لا ليست هذه المسألة .. بل أن نفكر فى الغاية مما نفعل .. فإذا ما وجدناها ستنفعنا فى النهاية فلا يهم ابدا كيف يكون الطريق وعر ولا نحبه ..   

كانت وصية النبى عليه الصلاة والسلام (أحرص على ما ينفعك).

No comments:

Post a Comment