لماذا يمسح الشك ما كتبناه؟




عندما تبدأ فى كتابة شىء ثم تمسحه .. تكتب وتمسح .. فأنت تريد قول شىء لكنك تبحث عن الطريقة المناسبة .. تبحث عن أفضل طريقة كى تصل فكرتك بطريقة ذكية .. مؤثرة .. ممتعة .. لكن حينما تزداد عملية الكتابة والمسح تبدأ فى فقد الثقة في قدرتك على الكتابة وتشعر ان الفكرة غير جاهزة او انها تافهة .. رغم انها منذ قليل كانت تسطع فى عقلك لدرجة جعلتك تقفز من مكانك كى تلحق سيل الكلمات الذى يندفع بضراوة .. كيف يحدث فجأة أن ينقطع السيل حينما تمسك القلم .. هل حينما تبحث عن الطريقة (المثالية) فأنت بالفعل تفقدها .. هل التصميم (المثالى) يرتفع كحائط أمام الثيران التى تركض بسرعة فتصطدم جميعها وتفقد الوعى .. كيف يمكن أن نحافظ على الفكرة اللامعة وفى نفس الوقت نستطيع التعبير عنها بالطريقة التى ترضينا ..

عندما تبدأ فى التفكير لماذا كتبت هذه الكلمات اصلا .. وهو سؤال يرواد الكثير من الناس أثناء أو بعد الكتابة .. التفكير فى النية ضرورى بالطبع وفى رأيى هو محرك الوقود للكتابة .. فالكتابة للزهو وفرد العضلات تختلف عن الكتابة لنثر النور والجمال ونفع الناس .. أنا اتفق انه لابد من مراجعة النية من آن لآخر حتى تخلص لله ويكون للعمل قيمة تنفعنا قبل أن تنفع غيرنا .. لكن لا تجعل المسألة هاجس يؤدى بك إلى وقف العمل من الأساس .. فهذا مدخل عظيم يدخل منه مئات الشياطين كل يوم إلى صدور البشر كى يسلبوهم فعل الخير والسعادة به.

أحيانا أخرى تتداخل الأفكار .. والمشاعر .. والأحداث مع الفكرة الاساسية كى تتحرش بها وتضايقها .. تكون الفكرة جالسة أمام بحيرة تهنأ بتأمل السماء والاشجار والشعور بالسلام الداخلى .. ثم تنقض عليها أحداث الحياة اليومية كى تهرب من المكان ويبقى فقط وجه البحيرة المتعكر .. لكن يمكنك ان تدفع الغزاة عن المكان .. أن تلقى عليهم بالحجارة وتلفظهم وتصر على الخلوة فى واحة التفكير الصافى .. ان الانسان يستطيع أن يقاوم مشاعر الضجر والحيرة والشك بأن يظل مستمرا فى الكتابة .. فالعمل المستمر له قدرة كبيرة على صهر تلك المشاعر جميعا لخدمته.

وأحيانا نمسح ما كتبنا لأننا نبحث عن ما هو أفضل .. دوامة الكمال الأبدية ترهق بعض الناس حتى يستسلمون تماما لها وتجعلهم يغرقون فى قلبها .. يعيد كتابة الفكرة مرارا .. ثم انه فى كل مرة يراها غبية عن السابق .. ويراها لا قيمة لها فى النهاية فيلقى الورقة كاملا .. تموت فكرة وليدة الصدق وتموت كمدا بالشك .. فعلاج ذلك أن نترك قلبنا يسترسل فى الحكى والكلام .. لأن لغته بليغة لا يوجد أجمل منها .. ولا ندع القواعد الادبية تضع سياجا يخنق أفكارنا بل نستخدمها فى إضافة لون جديد .. قطة هنا .. شجرة هناك .. لكن العمل الأدبى كله هو وليد إرتجافة قلب وإستنارة عقل .. فلا مجال لعبث الشك به.

ما أراه كاملا فى عمل الانسان هو نية الخير فيه .. ويكتمل جهد الانسان في إتقانه .. هنالك يتوقف فعل الانسان وتبدأ قدرة الله عز وجل وبركته فى حمل هذا العمل عبر السفن والرياح وتوزيعه فى قلوب الناس بقدر إخلاصه ..






No comments:

Post a Comment