هل الترف نقمة؟
“حدثنى أن سقاية الاشجار تجعل الجذور تنمو سطحيا وتجعل
الاجيال المتعاقبة من الاشجار تنمو أضعف وأضعف
... أما الاشجار التى لا تُسقى فتضطر إلى تنمية جذورها بعمق بحثا عن المياه”.
قرأت
قصة لواعظ دين كان يشتكى البطالة .. يجلس بجوار الهاتف فى لهفة منتظر مكالمة كى
يخفف عن أحدهم الآلامه .. ثم حكى عن رجال الإطفاء فى مدينتهم انهم قضوا وقتا طويلا
فى التدرب ثم شعروا بالاحباط لأن الحريق فى المدينة كان نادرا .. فقام أحد
المواطنين الأذكياء بإشعال حريق فى حقله .. فهرع إليه رجال الاطفاء .. ومراسل
الجريدة .. والمحامى لرفع دعوة لحماية المحاصيل .. وواعظ الدين للتأكد من عدم وجود
خسائر بشرية .. وانتهى اليوم والجميع سعداء وقد ذهبوا إلى بيوتهم ينهكهم الشعور
بالتعب والإنجاز.
لا
أنسى كلام صديقة لى يوما .. كانت تقول ان اسوء كابوس لدى أن لا يستخدمنى الله لذلك
ادعو كثيرا (اللهم استخدمنى ولا تستبدلنى) .. من حين لآخر ألتقى بأناس من طبقات
مختلفة وخالطت منذ فترة طبقة مترفة وكنت قريبة من أحاديثهم وحياتهم .. كانوا يقضون
الصباح فى الحديث والإفطار والضحك .. ثم يملون فترة العصر فينطلقون لمكان آخر
يكملون به السهرة أو يعودوا إلى بيوتهم .. أغلب أحاديثهم عن الذكريات والفضائح
وغيبة الاخرين .. ثم أنهم يملون وجبة قد أكلوها البارحة .. ويتنافسون فى الزهو
بملابسهم وأملاكهم .. لقد شعرت أن هولاء بحاجة الى العمل كى يكونوا سعداء .. أن
العمل نعمة لكنهم بسبب ترفهم لا يجدون مجالا له .. ولذلك بدأت فى التساؤل هل الترف نقمة .. وهل ذنب الاغنياء انهم يملكون المال .. وهل يمكن للانسان أن يكون عاطلا
رغما عنه رغم احتياج الدنيا لجهده .. بالتأكيد لم يخلقه الله عز وجل عبثا .. لقد
جعل الله عز وجل دورا للقطة والفأر والحصان .. فما بالك بالانسان الذى كرمه ..
حينما أعطاه العقل والصحة والشباب وأخبره انه مسئول عنها يوم القيامة .. فهو مسئول
عن توظيفها حتى لو بدا له أن لا أحد بحاجة إليها.
لذلك
حينما تأملت قصة الواعظ وجدته يقول (لقد كان لى زميلان ينهاران على الفراش فيما
يشعران بالسعادة لدى تذكرهما يوما مفيدا مرا بهما .. أما أنا فأمكث بجوار الهاتف
أتلهف لأتصال يخرجنى من منزلى الدافىء إلى جوار فراش محتاج بائس) .. لقد انتبهت
لكلمة (مكثت انتظر) .. البحث عن العمل ربما يكون فى مرحلة أصعب من العمل ذاته ..
إيجاد عمل مناسب للقدرات مستوفى للاحتياجات ليس سهلا .. الكثير من الناس تصر على
العمل فى مجال محدد .. مجال دراستها أو تخصصها .. وفى ظل ظروف معينة كالعمل فى
شركة بالحجم الضخم المناسب لخبرتها .. لقد تعلمت ان هذا الشلل فى التفكير يؤدى
لشلل القدرة .. وأن هناك الكثير من مجالات الحياة يمكن أن ينحت فيها الانسان أسمه
.. وقد وجدت الكثير من الناجحون يؤدوا أعمالا لم يكن لها اسم اصلا .. أخترعوا عملا
كى ينفقوا مواهبهم .. تحركوا كى لا تصاب عضلاتهم بالضمور .. قرروا أن العمل أفضل
بكثير من التفكير فيه .. وانه يمتص الكثير من طاقتهم السلبية والقلق والتوتر ..
وجدوه علاج فعال فصنعوا لأنفسهم حبوبا يتناولوها مع شروق الشمس.
أثبتت تجارب
الحياة أن العمل يرتب الافكار ويجعلها بعدما كانت تائهة مبلبلة كل يوم بحال ..
فأنه يوما بعد يوم مع الصبر تجد جهدك الضائع يتجمع ويصبح طاقة موجهة أخيرا .. كلما
نجحت فى عمل واتقنته كلما بذلت جهدا أكثر .. لأن الرؤية وضحت والقلب انشرح وثمرة
العمل ألتقطتها بيديك .. شعور رائع أن تلتقط تفاحة حمراء نضرة بعدما تعبت فى غرسها
.. وأن ترى الماء يتدفق من بئر حفرته .. وأن تراقب إنعكاس كلمات سطرتها على وجوه
الناس وقلوبهم .. الانسان هو الكائن الوحيد الذى يفرح بالعمل .. الذى لا يشعر
بقيمته الانسانيه إلا من خلاله .. لذلك لا تتركوا أنفسكم نهبا للفراغ والترف ..
فمن خلال ما تعملون ستجدون الطريق لمعرفة أنفسكم.
No comments:
Post a Comment