فيلم لا ينتهى
اعتاد الناس أن تمشى بوجوه متجهمة
.. لكنى فى يوم انتبهت اثناء تأمل السائرين إلى شىء .. ان مشيتهم وتجهم وجوههم
يشبه إلى حد كبير الممثلين فى الأفلام الاكشن .. حينما يمشى البطل وورائه سيارة
تنفجر واللهب يتوهج كخلفية نارية .. حينها يبدو وجهه صلدا جامدا بشكل مضحك ..
انتبهت ان هكذا وجه الذين حولى الان وربما وجهى كذلك وانا غير منتبهة .. وفكرت أن
الطفل الصغير لا يمشى ابدا هكذا .. بل انه يغنى ويصفر ويظل يلمس العربات ويركض
ويمشى بلامبالاة .. انه لا يمثل اطلاقا أى
دور .. انه يتعامل مع الحياة وكأنها عالم كبير ملىء بالمفاجات والاشياء المثيرة
للفضول .. عقله لا يفكر فى تمثيل أى مشهد .. ربما لانه حتى هذه اللحظة لم يتعلم
الكذب والاخفاء بعد.
لماذا نمشى بوجوه افلام الاكشن ..
لا اعتقد انها نتيجة المعاناة اليومية فحياتنا الحمد لله طيبة وكل يوم يحمل الكثير
من الاشياء غير المتوقعة .. بالطبع هو كذلك فمن منا يعرف كيف سيكون يومه وماذا
سيقابل .. لكن هذا التجهم الذى نرتديه منذ لحظة النزول قناع حماية .. حماية من
غباء البشر والقبح المتناثر سواء فى الشوارع او الاخلاق .. قابلت اكثر من فتاة
تخبرنى انها تشعر بالخوف الداخلى وهى فى الشارع .. الخوف من ضوضاء العربات والمترو
والزحام .. بالطبع هى لا تبدى ذلك امام الناس بل تكتفى بالسير بقناع متجمد يحمل
الكثير من الحياة المضطربة تحته .. وهناك ايضا من يحمل هذا الوجه لأنه بالفعل حزين
ومتوتر من الداخل .. لأنه يبغض هذه الوجوه التى يصطبح عليها ولا يريد ان يلقاها ..
يريد ان يكون الان فى جزيرة وسط البحر أو بيت أمامه .. يريد الهروب من هذه
المواجهة اليومية التى تصيب اعصابه بالغضب والتوتر .. وهناك من يتجمد وجهه لأنه
متأثر بالطاقة السلبية حوله.. تلقائيا ينفعل وجهه مثل الاخرين .. فالامر كله
مسرحية لا يستطيع أن ينفصل نفسيا عنها ويكون له عالمة الخاص الذى يسعد به ويبتسم
لأجله.
لكن الحقيقة ان التمثيل عمل متعب
جدا .. ومناقض للطبيعة .. افكر فى كم المباريات السيكولوجية التى يمكن ان يلعبها
احدهم مع الاخر كى يخبره انه يحبه .. وانه متمسك به .. لكنه يلعب العابا حمقاء
تزيد الامور توترا وجفاء .. هناك من لا يعرف ماذا يريد .. هو بحر واسع من المشاعر
المضطربة فيرهق من حوله بطاقته العاطفية الغير ناضجة .. تجده يجيد الانتقام ..
ويجيد التعذيب .. والهجر واللامبالاة والتشويق والاثارة .. انسان متعب يظن ان
المباراة ستظل مستمرة .. لا يعرف ان الحكم يصفر معلنا النهاية فى لحظة .. لحظة
يفقد فيها الطرف الاخر الاهتمام كله .. يفقد الرغبة فى اللعب والتراقص ويريد فقط
حياة سعيدة فى علاقة ناضجة متزنة .. ويترك هذا الطفل الصغير فى مشاعره كى يتعلم ان
يكبر .. كى يعرف ان الحب طاقة عظيمة لا يصح ان نعبث بها .. بل يجب ان نطلبها ممن
يقدر على اعطائها .. وان نوجهها فيما يستحق .. ولا ارى نبعا أوسع من الله عز وجل
ولا أرى وجهة غير الخير والعطاء .. لكن حينما يريد الانسان ان يكون محبوبا من
الاخرين .. وان يجهدهم نفسيا كى يعطوه الحب الذى يريد .. فإنه سيتعرض لخيبات أمل
لا تنتهى .. خيبات ودروس تعلمه ان يتوجه لنبع الحب الصافى .. لنبع الحب الذى مهما
سألته وألححت عليه لا يمل منك بل يعطيك اكثر .. ويرويك اكثر .. لماذا لا يفعل
الناس ذلك .. لأن الشيطان يعدهم بكل كذب انهم سيجدوا الخلد والحب فى غير الله عز وجل.
علينا ان نتوقف عن مشاهدة التمثيل
قليلا .. عن مشاهدة الافلام والمسلسلات وتقليد طريقة هذا وذاك .. ومحاولة عيش
تجربة مماثلة .. لأن هولاء اصحاب وجوه صنفرت كثيرا قبل ان تظهر .. ودقائق يصرخون
فيها لا تمثل عمر الحياة .. ومشاعر كاذبة ومصدر كذبها انهم لم يعيشوها قط .. لم
يفهموها بنضج لذلك تجد المسلسلات مآسى ودراما ونكد .. حينما نعتزل الافلام قليلا
سنبدأ فى رؤية الوجوه كما هى .. والتجارب بنضج أكبر لأننا لا نملك مخزونا مزيفا
نقيس عليه.. وعلينا أن نكف عن التمثيل والكذب .. لأن التمثيل مرهق وشاق ولا يصنع
قصة حقيقية ابدا .. رويدا رويدا نتعلم الصدق مع الذات .. الصدق التام فى الاعتراف
بعيوبنا واوجه قوتنا .. الصدق التام فى الحديث .. وفى التعبير عن مشاعرنا .. كفانا
ما ضاع من العمر فى تمثيل رخيص جعلنا لا نستطعم جمال الحياة.
No comments:
Post a Comment