قلب ملىء بالاتربة



الرمل .. ذلك الكائن العجيب الذى يتراكم فوق الاشياء المنسية .. المهملة .. التى قرر اصحابها هجرها بوعى وتصميم أو بدون وعى .. العجيب انه رغم هشاشته وانعدام وزنه فأنه مع الايام يكون ثقيلا ونمكث اياما كى نتخلص منه .. وفى حالات أخرى قد نمكث شهورا وأعوام فى ذلك .. حينما يتراكم الرمل فوق وجوهنا القديمة .. فوق الطفل الصغير بداخلنا .. أو الاحلام التى كتبناها مرارا ثم نسيناها .. حينما يتراكم الرمل فى هذه الحالات فأنه يجعل تلك الاشياء بعيدة جدا .. لدرجة اننا ننسى وجودها ونتخيل اننا كنا دوما ذلك الشخص الحالى الذى فينا .. ثم فجأة فى لحظة تهب ريح خفيفة فتكشف جزء تحت الرمال .. لحظة تطل فجأة سعادة غابرة من داخلنا .. ومضة من الذكريات تجعل قلوبنا تنتعش وتفيق .. تبدو لحظة صغيرة لكنك تريد أن تمسكها للابد .. تتوسل إليها ان تعود لا ترحل .. لحظة أن كنت سعيدا جدا .. طموحا ملىء بأحلام وردية عن الاكتشاف والنجاح والحب .. لحظة ان كنت شجاعا لا تخاف من الزمن ولا قسوة الناس .. يمتلىء قلبك بأحلام سعيدة عن الترحال للعالم وتحقيق حلمك فى هذا أو ذاك .. ثم تختفى تلك اللحظة كما ظهرت تاركة اياك فى حالة من الذهول .. الذهول من كم التراب الذى يعلو قلبك وانت لا تدرى به .. وكم الوجوه والاحلام المدفونة تحته .. لذلك خلق الله عز وجل التراب أمامنا كى يكون لنا منبه .. هذا المكان يحتاج للتنظيف .. يحتاج أن يعود إلى جماله ورونقه القديم .. حينما تتأمل قصرا متربا فأنك تتسائل أى حياة سكنت فيه .. وتتخيل وجوه اصحابه النضرة الشابة التى كانت تجول فى المكان تسقى الزرع وتسكن الغرف وتتناول الفطور .. أيمكن أن ينتهى كل هذا مع الايام .. أيمكن أن يعود هذا القصر إلى الحياة .. هذا قرار أصحابه  .. طالما لا يزال معهم المفتاح يمكنهم تجديده وتنظيفه ودهانه والعودة به إلى أفضل مما كان ..

كنت أفكر انه ليس بالضرورة أن تعود لإنسانك القديم السعيد .. ليس بالضرورة ازالة التراب معناه ان تظل تستخدم الراديو القديم .. هناك الكثير من الاشياء قد تغيرت .. إدراكك ذاته تغير .. فهذا يستدعى ايضا أن تكون نسخة جديدة منك هى أفضل من أى نسخة قديمة .. نسخة لم تتخلى عن احلامها ولا سعادتها .. لكنها اصبحت أكثر علما وقوة وإدراكا بما حولها .. لقد اكتشفت اننى لا اريد العودة لشخصى القديم .. بل اريد ان ازيل التراب فقط عن الذكريات الحلوة كى اصطحبها معى فى السفر .. السفر إلى أراض جديدة بداخلى .. حينما اشعر بالخوف .. بالحزن .. بالتيه .. اخرج هذه الصور واتأملها واحن إليها وابكى وافرح .. أن قلبك لا يزال حيا بهذه الذكريات فتبث الدفء فيه ويسمع موسيقى جميلة تؤنسه .. لكن لابد من الترحال دائما ولابد من الاسكتشاف حتى تستقر فى أرضك النهائية .. ما هى ومتى نصل إليها .. اعتقد انها كما تقول صديقتى (حينما تصل إلى افضل نسخة من نفسك).

No comments:

Post a Comment