الوقوع فى هاوية الحب




اقرأ قصة (السيانيد الساطع) لأجاثا كريستى وهى قصة مليئة بالمشاعر القوية جدا .. واقصد بالمشاعر القوية هنا ان ابطالها يفكرون فى عواطفهم ويسترسلون معها إلى عمق بعيد .. يصيبهم جنون الحب والكبرياء والتهور وينغمسون فى عذاب هذه المشاعر جميعا .. فكرت فى الحب لأنه أقوى عاطفة أحاطت بالبطلة (روز مارى) والتى يعنى أسمها (الذكرى) فهى لم ينساها أحد .. لماذا يصاب الانسان بجنون الحب .. ولماذا يستعذب هذا الشعور رغم علمه جيدا انه سيؤدى به إلى خطأ عظيم .. ربما يؤدى إلى الخيانة .. الانتحار .. أو أقل الاحتمالات جرح فى القلب غائر وذكرى قد لا تنمحى .. هل الحب شىء سىء يتجنبه العقلاء من الناس وينغمسون فى كل شىء سواه هربا منه؟ .. أم ان هذه نظرة مشوهة أيضا مثل نظرة مجانين بالحب بالضبط.

الحب جميل جدا .. ونبيل جدا .. وهذه الكلمة الثانية بالذات تنقى الحب من شوائب الخيانة والكذب والاخفاء تماما .. كل علاقة يشوبها تلك المعانى الوضيعة ليست حبا حتى لو اقسم اصحابها على ذلك .. ان المعانى الخبيثة ليست جبنا يوضع داخل شطيرة معنى نبيل أبدا .. انها منتنة يشمها رائحتها أصحاب الفطرة السوية ولا يقبلونها تحت أى مسمى .. فما الذى يدفع الانسان إلى أن يأكل من القمامة؟ .. هل لأنه لا يستطيع أن يقاوم .. لأنه ظمآن للغاية ووجد الارتواء فى الحرام .. لو كان الامر كذلك فلماذا يحاسبنا الله عز وجل على الزنا .. إذا كنا لا نملك أمر غريزتنا فلماذا يكلفنا بما لا نطيق .. ان الانسان حينما يمسه الجنون لا يعرف كيف يعود .. بل قد يستغيث بالناس أن تنجده وهو ما حدث فى القصة .. فكان (ستيفن فارداى) يحاول جاهدا أن يتملص من عشيقته التى يحبها بجنون لأنها تدمر مستقبله وبيته .. فلم يرتاح سوى بعدما ماتت .. لماذا يصل الانسان لهذه المرحلة العميقة فى المشاعر .. وهل هذا صواب أصلا .. اعتقد ان التعلق بإنسان أو رغبة شىء بشع .. التعلق الذى يظلم الحياة فى عينيك ويجعلك عبدا لشىء مساوى لك أمر ترفضه النفس ولا ترتاح إليه .. لذلك تسمع كلمات العذاب فى حب انسان لأنسان لكنك لا تسمع عن احدا تعذب فى حب الله ابدا .. لانه تعلق بالباقى وبنبع الحب الذى يفيض على الكون .. والذى لا يأخذه احد ولا يحتكره .. ولا يموت والذى كلما احببته اعطاك المزيد على عكس كل شىء .. هذا هو قانون الله عز وجل .. احبب ما شئت فإنك مفارقه .. ولذلك فأن الدخول من هذا الطريق خطأ من البداية .. طريق التعلق الزائد ومنهج الله عز وجل يحمى الانسان من ذلك .. كان الشيخ الشعراوى يقول (ان مراحل الرغبة فى الانسان ثلاثة .. اولا الادراك .. ان ترى الشىء بحواسك وتشمه وتلمسه فتعجب به ..فإذا ما أدركته حدثت نفسك به .. فنزعت إليه محاولا اخذه بكل طريقة .. وهذه المرحلة الاخيرة هى الاشد والاصعب والتى يصعب على الانسان مقاومتها .. لذلك تجد الله عز وجل العليم بنفس الانسان يحميه من البداية ويسد عليه الباب بقوله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) .. (وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن) .. إن هذا مما يوفر على الانسان الكثير من المشاق والبلبلة وتجعله منتبه لحياته وللكون حوله .. أخذا منها ما ينفعه لا يعميه عن مصلحته شىء ..

لكن هل منهج الله عز وجل يحرم الانسان من الحب .. من الاحساس والسعادة .. لا ابدا منهج الله هو الذى يؤدى بالانسان الى السعادة اصلا ..  والله عز وجل الذى يملك القلوب هو الذى يقذف بالحب كأجمل ما يكون فى قلب من أتقى .. اسمع قول الله عز وجل ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ). تأمل حينما يغنيك الله بعد حرمان كيف سيكون العوض والحب والاطمئنان.

لذلك على النقيض مما يفعل ما حولك عليك ان تسد الابواب كمثل ما سد يوسف عليه السلام .. وأن تؤمن انه ليس كثرة عدد من وقع معناه بالضروره ان هناك ورد تحت فى الهاوية .. ان الهاوية عميقة وقد تسمع صراخ الساقط فيها وكأنه يناديك كى تلحقه .. لكنه ما ان يصل للقاع ويجد صخرا يكسر قلبه ستتعلم من تجربته ان تبتعد فى اخر لحظة .. وان تؤثر السلامة والعافية لأنك تبحث عن الطريق الصحيح وليس هواية السقوط فحسب.

No comments:

Post a Comment