كيف يمكن للورد أن يذيب برود المشاعر؟



كنت أملك مفهوما واحدا عن القوة .. هو الانسان الملىء بالثقة وبرود المشاعر .. الذى تسعى الناس كى تلمس هالة كبريائه .. الذى يمكنه أن يغيب عمن يحب لمدة طويلة ثم يعود ضاحكا غير مبالى .. والذى يسمع طرف كلامك بنفاذ صبر فيعطيك الدواء بكلمات قوية لا تفلح فى إزالة الألم وإن كانت تعطي خطوات عملية للنهوض من كبوتك .. نعم لقد كنت أظن القوة فى حدة النظرة ولا مبالاة القلب والسير بثقة دون الإلتفات لأحد .. وتمنيت كثيرا أن أملك صديق قوى .. وزوج قوى بهذا المفهوم .. ظاهريا حتى أشعر بالامان واجد من يشد بيدى بعيدا عن الاستسلام للألم .. ولكن فى عقلى اللاواعى ابحث عمن يذيق عذاب الحب  ويجعلك فى مباراة نفسية تحرز فيها أهداف حينا وتخسر حينا .. ظللت هكذا لزمن من حياتى ثم قابلت تجارب أنهار أمامها هذا الحائط المشوه تماما.

قابلك أناسا بهذا الشكل بالضبط .. يبدون وكأنهم صخرا لا ينكسر  .. بهرتنى قوتهم وحزمهم سواء فى مواجهة المشاكل أو العلاقات الانسانية المعقدة .. لكنى كنت أشعر بالكثير من الألم الذى قد يمتد ليصبح جسديا مؤلما فى اغلب الاحيان .. ظننت اننى ضعيفة لست مثل هولاء لا أملك القدرة على التجاهل واللامبالاة .. لقد أعتدت أن اغوص فى مشاعر من امامى حتى أعمق نقطة أستطيع الوصول إليها .. عينيه بالنسبة لى بوابة لعالم كامل عجيب بالداخل أريد استكشافه .. اعتدت أن ارى انفعالات وجهه اللحظية مهمة تعبر عن شعور قوى بالداخل .. تعبر عن ذاته وافكاره وتاريخه .. وهذا بالنسبة لى ممتع يستحق الوقت والمجهود للوصول إليه .. لكن كلما أزدادت الحياة العملية كلما قلت مساحة الوقت التى تجعلك تهتم بالناس حقا .. وتتحول تدريجيا إلى آلة صماء تريد الانتهاء من عملها فى أسرع وقت .. لذلك كان البحث اللاواعى عمن يساعد على ذلك فأتجهت انظارى للناس العملية .. التى تدهس كل شىء أمامها سواء العقبات حتى لو كانت عقبة متجسدة فى هيئة إنسان .. فالناس أنواع .. هناك الصاروخ الذى يثقب قلب الغلاف الجوى .. والقطار الذى يقف لدقيقة عند المحطات .. والحصان الذى يهتم بصاحبه ويخلص له ويملك من المشاعر ألوانا مذهلة .. والحنطور الذى يتمهل كى يرى كل شىء حوله .. يسعد بإشراق الشمس ورائحة العشب وصوت حشرات الليل .. ولأننا فى عصر السرعة فإن اهتمامك ينصب على كيف تصبح صاروخا فى أسرع وقت.

وجدت بعد أكثر من تجربة أن صاحب الواجهة القوية القاسية حينما تواجهه الازمات فإنه أسرع الناس انهيارا .. ينهار داخليا ويبدو محتارا خائفا .. فى حين رأيت صاحب القلب الطيب الذى يسامح ويغفر سريعا ويحمل فى قلبه الكثير من الحب والخير الغير مشروط .. وجدته قويا جدا وقت الازمات .. كان أبى رحمة االله عليه أول إنسان اراه تجربة انسانية واضحة للضعف الخارجى المغلف بقوة عظيمة بالداخل .. كان رجل طيب متسامح مجتهدا فى عمله وبارعا فيه .. لكن لم يكن يحظى بالشهرة والمجد وكان مرضاه يدخلون عليه الباب مباشرة بغير إستئذان .. لم يبخل بعلمه على أحد وعالج كثيرا ممن لم يدفعوا مليما بل كان يسعى بنفسه إليهم .. كان رحمه الله يملك الكثير من الخير بداخله وكان عواطفه ومشاعره الحساسة تجعله يبكى احيانا حينما يشعر بجمال قصيدة شعر أو بالخوف أو الحنين .. كان لا يخفى مشاعره كالطفل الصغير ويتركها تنساب على وجهه الحنون الطيب .. كان يرحم ويقبل ويعتذر رحمه الله عليه .. لذلك حينما واجهته أزمات صحية شديدة ومتتالية كان صلبا كالصخر لا يقول ابدا (لماذا يارب) .. بل قال لى (أنى اشعر انى لست جازع) .. أكثر من رأيته فى حياتى صبر على بلائه لذلك حينما مات كان فى سلام .. خرجت روحه فى لحظة بغير ألم وكان وجهه أبيض كالملائكة .. لقد تحطم عند قدمى أبى مفهوم القوة لدى .. حينما مات أنهار هذا الحائط المشوه السخيف الذى بنيته بناء على جهل بداخلى .. رأيت أن القلب الملىء بالرحمة والاحساس لا يجب أن يسجن نفسه لمجرد احساسه ان هذا ضعف .. وان هناك ديناصورات بالخارج لا ترحم هذه المشاعر الرقيقة .. بالعكس تذكر أن أول أسم من اسماء الله عز وجل (الرحـمن) .. وهو سبحانه القوة المطلقة .. يجب أن يدرك صاحب القلب الطيب الرقيق الحس أنه قوى للغاية .. وأن عليه فقط أن يتعلم كيف يدير مشاعره بذكاء بحيث تصل به إلى أفضل صورة منه .. تجعله يعطى الخير والنور لأنه يملك قدرة فطرية على ذلك .. بدلا من أن يضيع الكثير من الوقت فى الشك والريبة فى قدرته على تحمل الحياة والتعايش مع الواقع القاسى .. استعمل قوتك العاطفية فى تخفيف الألم عن الضعيف واليائس والحزين.. فى الانصات إليهم والاحساس بهم .. فى الربت بقوة على اكتافهم والامساك بإيديهم حتى يخرجوا من دوامة اليأس والحزن .. انت بحاجة فقط أن تخرج من دوامة الشك إلى اليقين بقوة الرحمة.


No comments:

Post a Comment