عن تجربة تسلق كاترين




لا أنسى تلك اللحظة التى نظرت فيها لفوق وأنا أتسلق جبل كاترين .. كنت فى منتصف المسافة لكن بدت لى الحجرة البيضاء الساكنة فوق الجبل بعيدة جدا .. كأنها نقطة لا اتخيل الوصول إليها .. لكنها كانت بيضاء جميلة تستحق الرحلة .. حينها خطر على بالى خاطر .. تخيلت لو ان هذه الحجرة البيضاء الصغيرة اتحمل لأجلها كل هذا التعب .. الاجهاد والملل والشك فى الوصول والمحاولة من جديد بشتى الطرق لإبعاد اليأس من نفسى حتى لو ظللت أحدق فى حذائى طوال الطريق غير ناظرة إلى الحجرة حتى يفاجئنى الوصول إليها (كانت هذه بالمناسبة نصيحة المرشد البدوى صاحب الخبرة الطويلة فى الصعود) .. تظهر القمة بعيدة للغاية بلا أمل ولكن فى خلال ساعات تجد نفسك أمامها .. وتندهش ان الرحلة لم تكن شاقة لهذا الحد .. وتندهش أن ما تراه على القمة هو أجمل مما حكى لك الاخرون وتخيلته وتحملت من اجله .. نعم بعدما رأيت هذا وفى لحظة النظر إلى الحجرة البيضاء وهى لا تزال بعيدة .. فكرت فى الله عز وجل .. فكرت هل خالق هذا الكون كله ألا يستحق الوصول إليه رحلة شاقة .. رحلة مليئة بالعزم على الوصول والصبر والتحمل .. بالتمتع بالرحلة وتأمل ما حولك والشعور بالامتنان على أن وهبك الصحة والطعام والشراب والصحبة التى تصاحبك فى الرحلة كى لا تكون وحيدا .. بالتطلع من وقت لآخر للتأكد هل نهبط أم نصعد .. بمقاومة الشك وقهره لأنه الشىء الوحيد الذى سيشل حركتك .. ما ساعد هولاء الذين نجحوا فى الوصول لقمة الجبل أنهم رغم شكوكهم .. ويأسهم .. لم يفقدوا الأمل فى الوصول ولذا أكملوا الرحلة .. ربما لم يؤمنوا بالقوة التى بداخلهم بقدر ما آمنوا بقدرتهم على الوصول .. وبأن القمة تستحق .. وبأنهم سيصلون على قيد الحياة وعندها سيرون لحظة لا يعرفها سواهم .. هولاء الذين تسلقوا أفرست فما بالك بهولاء الذين أتجهوا للخالق مباشرة .. حتى لو كانوا فى بيوتهم .. حتى لو لم يملكوا حق السفر والتسلق .. لقد عرفوا ان القلب هو المراد بالوصول وليس أجسادهم .. هو الذى عليه التعب والمقاومة والأمل والسؤال والاجابة .. فإذا ما وصل القلب لله عز وجل فقد وصل الانسان .. إذا ما أستقر وسكن فقد خلع حذائه وأنزل متاعه ووقف ينظر للنور حيث لا شك ثانية .. أيمكن أن يصل الانسان لهذه اللحظة فى حياته .. أيمكن أن يصل لله قبل أن يذهب إليه رغما .. نعم فقد عرفنا أناس عاشوا بيننا ولم يكونوا بيننا .. كانوا فى ملكوت عالى ولا أحد يعرف أسراره سوى الله ثم هم ..


لكنى استغرب لماذا لا نركز فحسب .. لماذا كلما ركزنا فقدنا البوصلة وتطوحنا فى الدنيا يمنة ويسرة تلهينا عن الصعود .. وتجعلنا نبحث عن فردة حذاء بالية بين الجبال .. فردة حذاء لا نجدها ابدا .. ثم نكتشف بعد مرور السنين اننا ابتعدنا كثيرا وان غيرنا طار إلى فوق .. ونكتشف الكثير جدا بجانبنا ممن يبحثون هم أيضا عن نفس فردة الحذاء الضائعة .. أنا ليس عندى مشكلة فى فكرة البحث لكنى فعلا أحزن كلما فكرت أن هذه السنين كانت من أجل شىء لا قيمة له .. أفهم أن أبحث عن طريق أفضل للصعود .. عن تتبع الاثر الصحيح .. عن طريقة لتخفيف الحمل وتحمل الحر والبرد وجعل الجسد يتحمل الحرمان لساعات حتى نجد زادا فى الطريق .. لكن أن أترك كل تلك الأمور وانشغل فى البحث عن وهم صنعته فى خيالى .. المشكلة أن العمر قصير .. والنقطة التى نتوقف عندها هى النقطة التى تحدد مكاننا من الله عز وجل .. حيث نحن بعيدون .. باهتون .. ظمآنين للنور والنجاة .. أو نحن قريبون تحملنا الملائكة إلى ربنا عز وجل حيث فعلنا أقصى قدرتنا فيكرمنا الله عز وجل ويأخذ بأيدينا المرهقة إليه .. هل نشك فى ذلك .. أبدا .. فلماذا لا نراه .. لا نستوعبه .. لا نبدأ الرحلة منذ الآن والآن فقط .. ننسى الماضى أو نتخذ منه زاد ولو قليل .. ونستعين بالله فيما تبقى من عمرنا ونحاول تلك المرة أن نركز .. وننظر للقمة البعيدة حتى لو كنا لا نراها .. دعنى أعترف بشىء ..وأنا اتسلق الجبل لم أكن اعرف ماذا سأرى لكنى اعرف انه شىء جميل جدا .. رائع .. حينما وصلت رأيت اجمل بكثير مما توقعت .. شىء يجعلك تبكى من جماله ..جلال وهيبة لا يشعر بها سوى من صعد لفوق .. فما بالك برب العالمين .. أعتقد اننا نريد جميعا تلك اللحظة .. أذكر مرة انى كنت أتطلع للبحر وقت الفجر .. كانت لحظة من السلام لا توصف .. اللون الابيض فى كل ما حولى .. فى السماء والبحر والرمال .. حتى الكابوريا بدت فى تلك اللحظة أليفة تتنفس نسيم البحر المنعش وتتنعم فى كون خالقها .. عرفت وقتها ان هذا هو خلق الله حيث السلام والنور .. فما بالك به عز وجل.



No comments:

Post a Comment