لكى لا نهوى
احيانا يشعر الانسان بنشوة عظيمة .. بإحساس من النور
والجمال والحب يجتاح روحه ويظل يصعد للسماء يتطلع إلى نقطة أبعد فأبعد .. انه يسبق
متسلقى الجبال ويقف عند نقطة بعيدة ثم يحدث الناس بما يشعر وتفور به نفسه .. يرسم
ويكتب ويتكلم وينقل للناس مشاعره المتأججة فتبث فيهم الحياة والأمل بأمر الله ..
ثم فجأة ينظر من فوق .. من الاعلى جدا ليجد نفسه يهوى إلى اسفل بلا سبب .. هل هو مغفل
.. هل الحلم والتطلع للوصول إلى اعلى نقطة تهور وجنون .. لا ابدا يمكن الوصول إن
شاء الله .. ولكن كى نستقر هناك ونثبت لابد ان نخوض رحلة طويلة وليست قفزة عالية
.. ان الله عز وجل يمن علينا بتلك القفزة كى نعرف ان هناك نعيم لا يخطر على قلب
إنسان .. هناك سعادة لم يلمسها بعد .. لاننا لو كنا لا نعرف ذلك ما حاولنا الصعود
اصلا .. لكن هذه اللحظة النورانية ليست هى الثبات بعد .. فالذى جعلنا نهوى هو اننا
نظرنا لأسفل .. نظرنا للدنيا وللناس واردنا ان يروا كيف نجحنا .. وفهمنا .. وعرفنا
.. هناك جزء فى قلب الانسان يريد لصاحبه أن يلمس السعادة مثله ..جزء من الاحسان
والخير وتلك انسانيته .. لكن هناك جزء اخر يريد ان يتفاخر .. ويتكبر .. ويقول ها
أنا .. هذا هو الجزء الذى نريد ان نقتله .. لأنه هو الذى يرمي بنا إلى اسفل .. قال
الله عز وجل (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء أو تهوى به الريح إلى مكان سحيق)
.. كم هى ندامة وما ابشعها من ندامة .. حينما تنظر لعمرك الذى افنيت .. العمل الذى
تعبت واتقنت فيه .. وقد بات لا قيمة له لا لأنه لم يكن خالصا لله .. العمر الذى
مضى كى نحصل على الترقية والرضا والاحترام والذكر .. هل كل هذا يساوى أى شىء .. هل
تذكر الناس لنا يزيد السعادة .. يجعلها ابدية .. يجعل الروح مطمئنة .. هل حبهم
يستمر .. انى رأيت اخلص الاصدقاء بعد زمن يتباعدون ويفترون ويخلفون فى القلب حسرة
وتساؤل لماذا .. وما الذى حدث .. هل الله عز وجل سيجعلك تسأل لماذا .. سيزهد فيك
.. سيمل منك .. فى صحيح البخارى عن النبى عليه الصلاة والسلام فيما يروى عن الله
عز وجل:
(ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر
به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها .. بي يسمع بي يبصر بي يبطش وبي يمشى،
ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن
قبض روح عبدي المؤمن من يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه).
اننا لا نريد ان نهوى بعد الان .. لا نريد ان
نصعد ونقع .. نصعد ونقع .. فلنحاول ان نصعد ببطء .. بثبات .. فلنحاول ان نعرف الله
عز وجل اولا .. ولا نيأس من الوقوع .. نقول المرة القادمة سنصل .. نضع فى قلبنا
العزم على اكمال الرحلة .. ونختار الطريق الصحيح .. حيث العلم والنور وليس الجهل
والتقليد وترديد الكلام بلا وعى .. لابد ان نتعلم من هو الله .. ونراه فى كل لحظة
من حياتنا .. حين يحدث لنا موقف صعب .. ضغط .. سعادة .. حيرة .. انه موجود فى كل
هذه الاوقات .. فلنكلمه ونسأله .. ونكون صادقين معه .. هو يريد منا الصدق حتى لو
كانت ارادتنا اضعف ما يكون .. صدق النية فى الصعود .. وفى الاخلاص حتى لو كان غير
موجود .. اننا نثق فى رحمته التى قال عنها (ورحمتى وسعت كل شىء) .. فلا نترك
الشيطان يضع سم اليأس فى قلوبنا .. هو اضعف من الانسان بكثير .. يقول الله عز وجل (إن
كيد الشيطان كان ضعيفا).. ويقول ايضا (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فأستعذ بالله
انه هو السميع العليم .. انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون).
No comments:
Post a Comment