عالم الارواح




عالم الأرواح .. انه يختلف تماما عن عالم الابدان .. انه عالم يرتفع إليه الانسان ويفكر كم هو جميل وصادق وملىء بالسلام .. اجمل من أى شىء رآه أو عرفه .. انه يحوى الخير والصدق والحب والطهارة .. عالم فوقى يختلف تماما عما ينهمك فيه الناس من هموم وأحزان ورذائل سفلية .. عالم تلتقى فيه الاراوح التى أبت سوى أن ترتفع للسماء .. التى تريد ان تصعد لأعلى وأعلى .. تحب قمم الجبال .. تحب المعالى من الأمور .. فهم فى اثناء صعودهم يلتقون فيتبادلون الحب والخير .. يريدون لبعضهم ان يكونوا فى أحسن حال ويصلوا هم أيضا للقمة .. ربما نظن أن هناك منافسة قوية بينهم .. لكنهم فى الحقيقة يحبون بعضهم بشدة ويريدون أن يصلوا جميعا .. ربما يريد كل واحد فيهم أن يصل أولا أو أن يكون الأقرب .. ولكن هذا لا ينفى إرادتهم أن يمدوا أيديهم لبعضهم ويتمسكوا جيدا .. عالم ليس فيه شر ولا حقد .. إنما هى منافسة تخلو من أى حقد .. لأن الوصول للقمة .. الوصول لرب العالمين لا يتطلب أن يخاف الانسان أن يسلب حظه أحد .. فالله واسع يعطى البشر جميعا .. بل الكون كله .. فهو قمة الحب التى تعطى من رحمتها التى لا تنفد .. وبالتالى فلا مجال للصاعد لله سوى انه يريد ان يغدق هذا الحب على الناس جميعا.. وخاصة هولاء الذين يجاورنه فى الصعود.

عالم الارواح غير مرئى ولا مادى .. لذلك يظن الانسان أنه اجمل من أن يكون حقيقة ويرتاب فيما يراه .. قلت لنفسى هل هذه الريبة معناها انى غير مؤمنة .. فوجدت ايه فى كتاب الله عن زكريا عليه السلام الذى ظل طويلا يدعو ربه بالذرية الصالحة .. فجاءت الملائكة تبشره (يا زكريا انا نبشرك بغلام أسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا .. قال رب انى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا .. قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا .. قال ربى اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) .. لقد ظن انه يحلم فسأل ربه آيه يعرف بها .. فجعله الله عز وجل لا يتكلم ثلاث ليال .. لا يقدر على الكلام.

قلت لنفسى ان نبيا من أنبياء الله من فرط جمال هذا الحلم الذى تمناه أحتار.. لكن الله عز وجل أكد له انه حقيقة .. فإن الجمال والروح وتحقق الامال لحظة عالية جدا حينما يكون الانسان فيها فإنه لا يصدق .. لكن الله يخبره .. نعم صدق.

أهكذا ستكون الجنة .. نعم صدق .. صدق ما كنت تحاول الوصول إليه وانت لا تدرى ما صورته .. وانت لا تستطيع ان تتخيله اصلا .. لكنك حاولت أن تتمسك بهذا الشىء الغير مادى الذى لا تستطيع أن تمسك به .. حاولت ان تتشبث بعالم الارواح وتؤمن به .. تؤمن بالحب والرحمة والصدق والنور والسلام.. انهم صفات الكون الازلية التى خُلق بها هذا الكون .. انها ما يحتضنه وما يوجد فى تفاصيله .. ما يوجد فى الشمس والفجر والبحار والقطط الصغيرة والأم .. وفى اللقمة الحلوة وهناء النوم .. لقد صدقت لأنك كنت صادقا .. وكنت تبحث عن الصدق دائما .. يقول الله عز وجل (والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون .. ليكفر الله عنهم اسوء الذى عملوا ويجزيهم اجرهم بأحسن الذى كانوا يعملون) ..

انك لم تكن تحب الوهم والخزعبلات التى تسبب الخوف وتغرقك فى الظلمات .. بل كنت تبحث عن نور عظيم تؤمن به وتجده فى أعماق قلبك ..لقد جعلك الصدق قريبا من قلبك ..  انت لم تكن عابثا وتتخذ الحياة حبات رمل تضيع هباء .. تضيع بلا أى احساس بقيمتها كما لو كانت الحياة ومعجزتها لا تساوى شىء يستحق الاحساس به .. بل كنت دوما حريص على فهم واكتشاف تلك الجوهرة .. لذلك يا اصحاب الجنة .. يا متسلقى الجبال ومحبى ان يصلوا لأعلى نقطة .. كما رأيتم ان مشقة الصعود جزاؤه الشمس فإن مشقة صعود الحياة جزاؤه رؤية رب الشمس .. يستحق الامر ألا تعود للوراء وان تملك العزم لأكمال الصعود.

كيف نصل .. أول قاعدة ان تنظر لموضع قدميك .. لأن النظر لفوق مرهق اثناء التسلق .. لابد من وقت لآخر أن ننظر لقمة الجبل ونرى كم هى جميلة وعالية .. لكن الثبات على الطريق وإدراك الانجازات الصغيرة وما تحدثه فى النفس يساعد كثيرا فى الوصول .. الاستراحة من وقت لآخر ضرورى جدا .. المشى بتمهل وثبات .. الرفقة القوية العزم مثلك على الوصول .. الصبر وأن تقول لنفسك أن هذه اللحظة من التعب أو السعادة لن تدوم .. اننى حينما اتسلق الجبل لسبع ساعات فإنى اشعر بفصول السنة جميعا .. وبمشاعر الانسان المتناقضة من ساعة لأخرى .. لكن هذا لا يثنيك عن الصعود .. لأنه فى الساعة القادمة سيتغير المشهد كله .. وتتحول مشاعرك إلى عكس الذى كنت تشعر به منذ ساعة .. وحينما تقترب كثيرا وتصبح قاب قوسين أو أدنى ستشعر بسعادة غامرة وطاقة رهيبة .. لأن الجبل معظمه ورائك وما تمنيت رؤيته أصبح شديد القرب .. حينها يأتى الموت فهو يشد بيدك لتلك اللحظة الاخيرة .. لأنك لن تملك القدرة على الدخول بقدرات جسدك الضعيفة التى تتعب من مجرد التحديق للشمس دقائق .. لذلك تتحول إلى روح تعود لربها .. فيارب اجعلنا ممن يلقاك وتتغمده فى نورك ورحمتك حيث السلام الابدى والحب الذى لا فراق فيه والامن الذى لا خوف فيه .. حيث نورك العظيم يحتضن أرواحنا الظمآنة إليك والتى لا يشبعها غيرك.

No comments:

Post a Comment