عيادات الموت الرحيم



شاهدت فيديو قصير لعيادات الموت الرحيم فى سويسرا .. جلس رجل كبير فى السن وزوجته بجانبه تمسك يده ومجموعة من النساء والرجال حوله .. كان يجلسون فى هدوء وإذا بأمرأة بجانبه تعطيه كوب صغير من سائل ابيض وتسأله (هل أنت متأكد انك تريد شرب هذا الدواء؟).. قال (نعم) .. سألته (هل انت متأكد انك تريد مغادرة الحياة؟) .. فأكد نعم .. ثم تناول الدواء وأخذ يقول لمن حوله كلمات وداع ثم بدأ يغرغر ويقول أريد ماء .. أريد ماء .. والسيدة بجانبه تواسيه وتقول هل تريد قطعة شيكولاتة .. ثم اننى لم استطع تكملة هذا الفيديو أو هذه الجريمة الهادئة التى تحدث أمام عينى .. ادركت وقتها كى هى مقدسة روح الانسان .. انه لا يحق لأحد سوى الله عز وجل الذى خلقها ان يعطيها ويأخذها وقتها شاء .. من نحن كى نعبث بها ونقرر أمرها .. هل يدرك هذا الرجل فعلا ما يفعله .. هل وهو يقول (انا فى وعى تام لما أفعله) كان فى وعيه فعلا ؟.. أم انه حين دخل سكرات الموت لم يستطع العودة .. ولم يملك احدا ممن بجواره أن يردها أو يسحبها ثانية .. انها دخلت الانسان فى لحظة معجزة .. لحظة لو اجتمع الانس جميعا ما استطاعوا ان يعطوها لأحد .. حيث نفخت الحياة والحرارة والفكر والحب فى اعضاء باردة جامدة .. كيف يمكن ألا يدرك هولاء ذلك .. ألا يعقلوه .. اننى ما كنت أنظر سوى لمجموعة من القتلة ورجل جاهل بما هو مقدم عليه .. وبالجرم الذى فعله .. أدركت عندها نعمة الله الكبرى انه علمنا الكتاب وجعلنا مسلمون .. وان هذا العلم حمى عقولنا من أن تشطح فيما لا تملك ولا تعرف .. وان تعقل الامور أى تملك زمامها (يقول الشيخ الشعراوى فى معنى كلمة العقل انها مأخوذة من عقل الناقة أى ربطها ومنعها من أن تشرد وتتوه) ... فالعقل تحكمه ارادة الانسان قبل أن يتحكم هو بها .. وإرادة الانسان تأتى من الطريق الذى اختاره .. والاعتقاد الذى أختار الايمان به .. فكلما ازداد الاعتقاد زادت قدرة الارادة والتحكم في العقل والقلب معا .. فلا يذهب الانسان الى مواطن هلاكه حتى لو بلغ من الحزن مبلغه .. ويظل يملك قبس عظيم من الأمل والنور بداخله بموجب إيمانه بالله ورحمته وقدرته.


أدركت اننا كمسلمون لا ندرك عظم المسئولية التى نحملها .. مسئولية ان نمنع مثل تلك الجرائم وأن ندعو الناس لله ولدينه ومنهجه .. رغم اننا نملك العلم فإننا نبخل به .. او ربما لا نؤمن به ايمانا حقيقيا يجعلنا نخاف على غيرنا من البشر من مصير الكفر بالله .. اننا متأثرون جدا بنظرية (كل واحد فى حاله) .. نعم كل واحد يملك حرية تامة فى الاعتقاد لكنك لم تخبره اصلا بشىء .. لم تدعوه إلى شىء .. ربما جالسناهم سنين وهم على جهلهم بالله وطعمنا وشربنا واحببنا واستلطفنا ولكن كل هذه المشاعر الحلوة لم تدفعنا إلى الخوف عليهم ولا إنقاذهم .. منعنا الجبن مرة .. الانانية مرة .. الشك فى الحق والباطل .. لانه لا يوجد مبرر غير ذلك .. لقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يحاول بما يملك من قوة أن يدعو كل من يراه من الخلق .. يدعوه مرة واثنان وثلاثة .. لا يتلفت لإستهزاء الناس واذاهم ونظراتهم المستنكرة .. لا يلتفت لأى شىء سوى انه يخاف عليهم .. وان قلبه امتلأ اولا بالرحمة دفعته إلى الحزن عليهم حين لا يؤمنوا وليس الحزن منهم .. وقد وساه الله عز وجل اكثر من مرة (ولعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) .. اى مهلك نفسك من حزنك وحرصك عليهم .. ثم ان الله عز وجل اخبره (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) .. وذلك بعدما قام بالمهمة على أتم وجه .. فلا يوجد مجال هنا سوى للتسليم لارادة الله ..


اننا نستنكر ان نرى رجلا يضرب حصانا .. أو يخنق قطة .. منا من ينفعل ويثور ومنا من لا يبالى .. انا لا افهم نفسية اللامبالى سوى انه ملك حظا عظيما من الجبن أو الانانية والقسوة .. لكنى اتحدث عن هولاء الذين يملكون احساسا بإنسانيتهم ومسئوليتهم عن هذه الارض ومن عليها .. عن منع الفساد فيها .. وزرع الخير والنور والجمال .. ان من اهم الصدقات نثر بذور النور والايمان قى قلوب الناس ... لأن لو قلوبهم لمسها هذا النور فهى قادرة على الحياة بسعادة واكمال مهمتها .. أن ترشد ضالا وجاهلا يعنى انك انقذته من العطش .. وانقذته من الندم .. وانقذته من التيه .. لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لأن يهدى بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) .. لقد اعطيت افضل الصدقات وافضل الافعال والكلام ... يقول الله عز وجل (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال اننى من المسلمين) .. لقد تأثرت كثيرا بهذا الفيلم القصير وأدركت ان هناك ملايين حول العالم غير مدركين لأهمية دورهم .. ومستسلمين لتوافه ومشاغل من الحياة تنشغل بها البهائم وليس الادميين .. وانى لا اقول نعمل بقدر ما اقول تنشغل قلوبنا بالهموم والتكدير ومن فعل ومن سوى .. نضيع اياما طويلة فى الحزن على ما لا يستحق .. وفى استعجال ما لا نعرف متى قدومه .. ونضيع الوقت وكأنه مال موروث لا يدرك قيمته الورثة فاخذوا يبعثروه كالورق الملون .. حتى إذا استنفد تماما نظروا إلى حالهم فى ذهول وقالوا (لماذا لم نكن اكثر عقلا وحكمة) .. هذا هو الوقت والعمر .. فلنجعله خيرا ونورا بحق نعمة الله علينا والقدرة والصحة والشباب الذى اعطانا .. ونشكره عبادة ودعوة وعمل بقدر ما نستطيع .. لا يوجد للمسلم بطاقة تعريف .. لا يوجد مسلم هو طبيب فقط .. او مهندس فقط .. إنه انسان بما يعنى يبذل الخير فى أكثر اوقاته .. بما يملك من قدرة .. وموهبة .. التى لم نأخذها عن حق وفخر بقدر ما نأخذها عن مسئولية سنسأل عنها .. وذلك يجعل صاحب الموهبة أشد الناس حرصا على استخدامها.


No comments:

Post a Comment