كيف تكتب بطاقة تعريفك؟



هناك صراع رهيب ما بين فريقين بالتحديد .. فريق (أتبع شغفك) وفريق (أبق فى عملك) .. هذا الصراع تطور كثيرا لأن الانسان انفتح على احتمالات كثيرة تغريه بالتجربة والنجاح .. وتطور لأنه يقضى ساعات كثيرة بشكل مبالغ فى العمل راضخا لمديره فى العمل أو احتياج الشركة التى (لا تستحق مجهوده) .. أصبح من يقفز متخطيا حاجز الوظيفة الثابتة أعلى بكثير من الجيل القديم الذى عاش على البيروقراطية والوظيفة الحكومية يؤمن بها كأنها ضمانه فى حياة مستقرة .. ومع تلاشى هذه الوظائف وسوء رواتبها أصبح الجمهور العام يشكك فى صلاحية هذه الاحلام البائسة ويقارنون بينها وبين العالم الرأسمالى المتقدم الذى يركض وراء التميز الفردى .. أيضا زهد الناس فى الالقاب القديمة .. دكتور .. مهندس .. صيدلى .. اصبحت هذه الكلمات كوابيس خصوصا لمن عاشها بالفعل وأُرغم على دراسة مجالات لا يحبها .. فأصبح يُرجع احباطه فى الحياة لهذا السبب الوحيد حتى لو كان هناك أسباب اخرى لا ينتبه لها أو يعيرها تركيزه الكافى كالمشاكل الاسرية واخلاقه النفسية التى فى أمس الحاجة إلى التغيير والاصلاح .. فكرة اننا نركز مشكلة الحياة كلها فى سبب واحد أمر خاطىء وغير حكيم .. لأنك لو ذهبت إلى مهنة اخرى .. حياة أخرى بنفس الاخلاق النفسية من قلة الصبر والانانية وعدم الاتزان العاطفى وعدم تحمل المسئولية لواجهت مشاكل اخرى .. فالبداية تكمن فى إصلاح النفس وليس فى المهنة التى نعمل بها أيا كانت ..

بداية الأمر أن تعرف انك لست وظيفتك اصلا .. وان بطاقة التعريف تلك تشرح اخلاقك وليس ترتيبك الوظيفى .. لأن الانسان بتغير مراحل حياته يغير عمله وهذا ليس شيئا صعبا فى ذاته .. هو صعب حينما لا يكون الانسان متوازنا من الداخل .. حينما تكون انفعالاته نارية .. وصبره نافذ .. واماله كلها تتوجه إلى شخصه .. حينها يصبح لوم الاخرين فعلا طعنات نافذة لأنها تصيب كبد الحقيقة .. حينما تتهمك اسرتك انك لا تبالى بهم .. لا تجالسهم .. لا تشارك فى حل مشاكلهم وهمومهم .. فلا أتصور أن اى نجاح خارجى سيرضيك .. بل ربما يخرج احد اولادك او احفادك أو امك كى تخبر العالم كم كنت انسانا مريعا انانيا .. وبذلك يفقد نجاحك كل مصداقية وتهبط إلى القاع وانت على القمة بالفعل .. لقد سمعت قصصا كثيرة عن أدباء وفنانون بل ومدربى تنمية ذاتية وعلاقات عاطفية وخرج ذويهم المقربين كى يخبروا العالم انهم بيوتهم خربة .. فما النجاح فى ذلك .. واى فرحة تشعر بها وانت تكذب على نفسك وتقنعها انها غيرت العالم.

الفكرة كلها فى أن الشغف هذا يعنى ملكات وهبها الله لكل انسان .. وهو حينما يحب الادب والموسيقى والفكر لا يستطيع أن ينصهر فى عالم الارقام والحسابات .. وهو حين يحب الناس والصداقة والكلام فهو لا يستطيع أن يتحمل الجلوس ساعات طويلة فى مهنة تتطلب التركيز والانعزال .. لذلك فنحن نكره ما هو عكس طبيعتنا وهذا مفهوم تماما ولا استطيع أن اشعر بالسعادة ابدا وأنا امارس كل ما هو ضد طبيعتى .. لذلك فالبحث عن عمل يناسب قدراتك التى تدركها يوما بعد يوم أمر ضرورى .. ولكن الذى يجعل الكثير من الناس يفشل اثناء بحثه ويعود راضخا إلى عمله الذى لا يحبه .. هو انه لا يلتزم .. لم يقل أحد ان النجاح يعنى وظيفة محددة .. ولكن اتفقوا الناجحون جميعا أن النجاح يعنى الالتزام .. ألتزم بفعل أى شىء كل يوم لمدة قصيرة ستجد انه بعد فترة يتطور ويكبر وتظهر معالمه .. ألتزم بتربية قطة .. بزراعة وردة .. بالكتابة .. بالمذاكرة .. بمراقبة النجوم .. ستجد ان النتيجة مرضية للغاية .. هذا يحتاج لكثير من الصبر والفرامل لأهوائك الكثيرة وإلى تقليل مصادر التشتت .. كوسائل التواصل الاجتماعى الذى أراها السبب الرئيسى فى تشتت عقل الانسان وتفرق جهوده .. انت بحاجة إلى الصبر والالتزام لفترة طويلة على عمل تراه مبشرا لك .. ونصيحة منى عن تجربة أو لأقل عن معاناة فكرية .. لا تفكر فى النتائج .. أستمر فى العمل وسترى الافكار الصحيحة تأتى إلى عقلك كما قال مارك مانسون فى كتابه الرائع (فن الامبالاة).

كما انى اضمن لك الاحباط المستمر لو أن غايتك هى السعادة فقط لأن الانسان خلقه الله سبحانه بتكوين لا نهائى .. لا يروى ظمآه سوى معرفة الله والقرب منه .. أى تعريف اخر للسعادة مؤقت يزول ليس بوصوله فقط .. بل بمجرد الاقتراب منه .. هكذا خلق الله سبحانه الانسان .. خلق عقله المعجز الذى يظل يفكر ويتمنى ويأمل إلى ما لا نهاية .. فإذا أراد السقف الذى يرضيه فلن يجد سوى حب الله واخلاص العمل له أيا كان.. أخلاصه صدقا ورغبة فى التقرب وفى نفع الناس وليس فى تحقيق الذات وتعظيمها ..  حينها تنتظم اعماله حقيقة وتصبح كلها لوجهة واحدة فلا يعانى التشتت ولا اليأس ولا موجات الاحباط .. قال الله عز وجل (وأن هذا صراطى مستقيما فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).

No comments:

Post a Comment