تجربة عميقة الأثر




أريد أن احكى عن تجربة حدثت لى .. ربما كانت بسيطة لكنها أثرت فى تأثيرا بالغا .. كنت قد تعلمت السباحة منذ فترة طويلة ولكنى لم أكمل ابدا شوط واحد من أول حمام السباحة إلى اخره .. لابد أن أتوقف دوما فى المنتصف ثلاث مرات مثلا .. ولأننى تعلمت السباحة فى المنطقة الامنة لم اجرؤ على الدخول إلى المنطقة العميقة وانا على هذه الحال .. كيف سأقف على قدمى إذا توقفت عن السباحة .. كان هذا الامر يسبب لى احباطا لأننى لا استطيع ان اقاوم مخاوفى .. وانى اعتبر انه كلما استسلم الانسان لحائط من الخوف دون ان يقهره فأنه يبنى بيديه أسوار سجن يخنق قلبه وافكاره وانسانيته.

وفى أحد ايام الشتاء قررت النزول واعادة المحاولة بعد سنوات من التوقف .. كانت أكثر تركيزى على مقاومة طوفان الافكار .. وكنت ادعو الله فى سرى يارب اجعلنى انجح تلك المرة .. كنت أجد نفسى اقف فى المنتصف لأنى لم اعد استطيع ألتقاط انفاسى .. لقد كانت مجهودى الذهنى كله متركزا فى الدفاع ضد الافكار السلبية .. وفى التساؤل هل سأفعلها تلك المرة أم لا .. وهل الله سبحانه يختبر صبرى وثقتى أم أن الامر ليس مهما أن أتمه هذه المرة ... وانه سواء نجحنا أم لا فلا يعنى ان الله لا يسمعنا .. افكار كثيرة جدا كانت تجعلنى أشهق واصعد للسطح .. ولكنى قلت (أصبرى وثقى فى الله) .. ثم حدث شىء غريب للغاية .. فى اللفة الاخيرة وقد كنت حددت لنفسى ساعة لا غير أحاول فيها .. وجدت ان الامر صار بسيطا .. وان افكارى اصبحت هادئة ولا يوجد ضجيج بالداخل .. ثم وجدت اننى وصلت .. لم اشعر بنفسى سوى حينما وصلت .. كل السيناريوهات التى رسمتها فى عقلى عن نضال اللحظة .. وصعوبة اللحظة .. والحرب التى سأخوضها .. كلها تلاشت حينما وجدت الامر يحدث ببساطة .. أدركت حينها أنك حينما تصل فإنك لا تكاد تشعر بذلك .. يكون الامر وكأن هناك يد خفية تدفعك بلطف وليست تلقى بك .. تذكرت لحظة الصعود لجبل كاترين .. كانت شبيهة بذلك .. حينما تقترب من القمة فأنك لا تكون لاهثا خائر القوى ترتمى على الارض فور الوصول .. بل تصل وقلبك متلهف لرؤية غروب الشمس وقد نسيت تعبك واجهادك التى كنت تتأوه منه منذ ساعات .. فى كل مرحلة من حياتنا فإننا كنا بداخل ألم ما .. صراع ما .. نتمنى أن ينتهى .. وان نرى أنفسنا فى الاخر وقد حصلنا على ما نريد .. ننظر لهذه الصورة وكأنها لن تحدث ابدا .. لكن حينما تحدث فإننا نكون عندها فى وسط اللحظة بالفعل .. تخطينا عنق الزجاجة ونحن لا نشعر.

لماذا أقول هذا .. لأننى اريد ان نتخلص من نفاد الصبر الذى يروادنا فى كل لحظة .. يروادنا ونحن سعداء .. ونحن فى ابتلاء .. ونحن فى أفضل حال .. اننا نريد القفز دوما .. الوصول بسرعة .. لكنى اسأل تصل لماذا بالضبط؟ .. لماذا تركض اصلا .. أن الارض دائرية .. والشمس .. والقمر .. والحياة كلها دائرية .. ونحن فى سيرنا فى الحياة نحاول العودة إلى نقطة البداية .. إلى الله سبحانه .. وبالتالى فلا معنى للركض الذى يمنعك من الوقوف والتأمل والتفكير فيما يحدث لك .. إن لم تعش كل لحظة من حياتك .. إن لم تفهمها .. وتفهم لماذا تمر بهذه التجربة أو تلك.. وترى يد الله سبحانه تعمل فى كل شىء .. فلن تفهم ابدا أى شىء آخر .. يعنى مثلا من يمر بحالة من الحيرة والتوهان فى حياته .. لا يدرى إلى أين يمشى .. او ما هى الخطوة التالية .. فهو بحاجة اولا قبل أن يفكر فى الحلول أن يفكر أولا ان الله يعلم جيدا وضعه .. وقلبه ونيته وحيرته .. وانه جعله يمر بهذه الحالة كى ينتقل من حالة غيبوبة كان يعيش فيها طويلا .. غيبوبة من اتباع هواه وتهوره وغروره واحلام غير واقعية .. إلى حالة اخرى من البحث عن الاستقرار النفسى والسلام الداخلى .. عندها سيطمئن إلى ان هناك العليم به فيبدأ فى السعى والاجتهاد للخروج من ازمته .. وهو واثق انه سيصل لأرض جديدة مليئة بالنور.

الفكرة كلها فى اخلاص القلب حقا للوصول لله .. ولمعرفة الحق .. وفى ان تصبح انسانا صالحا .. وإذا لم تكن على هذه الحال فتأكد ان أمواج الحياة ستتقاذفك بين تجارب عاطفية فاشلة .. وأهداف تحققها ثم تزهد فيها .. وتخبط وصراعات لا تعرف الصح فيها من الخطأ .. والكثير الكثير من الصراخ والحروب النفسية ..  حينها ستدرك ان هناك خط أمان اخير .. خط لا يحاربك ويضطهدك ويقهرك.. بل يحبك ويجيبك بكل لطف ورحمة .. ستظل كذلك حتى تنعدل البوصلة تلقائيا فى النهاية لله رب العالمين .. فإذا انعدلت توقف الصراع .. حكت لى صديقتى مرة عن تعبير دقيق ورائع جدا وهى توصف لى كيف وصلت للسلام النفسى .. كانت تقول (كنت أشعر دوما فى حياتى وكأن هناك اثنان يتصارعان .. لكنى الان وبعد القرب من الله اشعر انهما اصبحا فى صف واحد فى مواجهة الحياة) .. قال الله عز وجل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله مع المحسنين).


No comments:

Post a Comment