هل أحسست مرة انك تريد ان تفعل شيئا للأبد؟




هل شعرت يوما انك تريد ان تمشى للأبد .. تتكلم للأبد .. تكتب للأبد  .. تملك طاقة كبيرة ووجدت اخيرا شىء تحبه فتريد ان تفرغ هذا فى ذاك .. هذا هو شعور اصحاب التفكير الزائد.

احيانا كنت اعجب من رؤية صاحب الدكان فى أن يجلس ساعات طويلة من النهار ينتظر زبائن قليلة ويتأمل فى الشارع والناس .. كنت اتسائل كيف يتحمل هذا الملل .. ثم أدركت  ان ليس كل الناس لهم قدرات ذكاء واحدة .. هناك من يفهم المشهد فى لحظة وهناك من يمكث ساعة إلى ان يفهم النكتة ويدرك انها كانت عليه .. سرعة تحليل المعلومة وابتلاعها والتفكير فى المعلومة التى بعدها تختلف من شخص لأخر .. وبالتالى فلا يصلح ابدا ان يعمل الذكى فى مهنة تتطلب الانتظار والوحدة .. انه يملك طاقة كبيرة يريد ان يفرغها سواء فى الكلام .. حل مشكلة .. الكتابة .. الرياضة .. الرقص .. ولو لم يفعل ذلك سرعان ما تتحول افكاره إلى سلاح ضده .. تلكم وتوخز كل جزء من جسده .. يمكنها أن تتحول لقلق .. وسواس .. لأنه افكاره تلف وتدور ثم تعود إليه كأنها حبل يخنقه .. لذلك فإنى لا اجد علاجا لأصحاب التفكير الزائد سوى العمل .. والرياضة .. والكتابة .. والخروج مع الاصدقاء ...

قابلت احدهم مرة كان يصعد جبل كاترين ووجدته يقول (اعتدت ان افعل ذلك كى افرغ طاقتى) .. وقد كان سبب غريب بالنسبة لى .. الناس تخوض هذه التجربة الصعبة من أجل اهداف نبيلة .. كمعرفة الخالق .. أو التواصل مع انفسهم .. او التحدى .. لكن أن يفعلها لأجل (تفريغ الطاقة) فكانت المرة الأولى التى اسمعها .. لكنى ادركت بعد سنوات أن الانسان الذكى لا يصلح ان يكون قوة فكرية فقط .. تشحذ خيالها كلها فى التفكير والتحليل ثم لا تنجز الكثير من العمل .. لا تستخدم البدن فى تنفيذ ما تعلمته واستنتجه وتحويله الى تجربة حياتية .. لقد قابلت أناسا يملكون عقولا هائلة لكن افعالهم يشوبها الجبن والتردد .. وقد كنت اظن انهم جديرون بالاعجاب لكنى حينما قابلت أحد الشخصيات التى تتباهى بعضلاتها الفكرية وجدته مثير للملل .. أريدك ان تحكى لى عن تجارب خضتها وليست نظريات استنتجها .. ان الكتاب الذى يمتلىء بالكلام النظرى دون القصص والحكايات كتاب ثقيل ولا تستطيع تذكره فى النهاية .. بينما كتابا ك(فن اللامبالاة) جدير بان تتأثر به لأن الكاتب مارك مانسون خاض تجربة ثرية مليئة بالمحاولات رغم سنوات عمره القليلة .. فهو يحكى عن تجربة حقيقية ومشاعر احسها حتى الاعماق.. لكن التفكير الزائد دون تجارب جريئة يقود إلى حلقة مفرغة ويؤدى إلى ان يعجز الانسان حقا عن العمل .. بل وربما يؤدى إلى خلل فى عقله السجين الذى لم ير الشمس والنور ويخوض الالم بشجاعة ..

كيف نبدأ العمل على علاج هذه المشكلة .. أولا علينا أن نفهم كيف بدأت .. حينما نبدأ فى خوض يومنا مثلا فإننا نفكر فيما يفترض علينا فعله .. وهذا يؤدى إلى صورة من المثالية نرسمها بصرف النظر عن احتياجاتنا واستعدادنا النفسى .. مثلا نفكر أن نقوم برحلة فنبدأ فى البحث عن افضل الرحلات والرفقة والطقس وارخص الاسعار .. هذا جيد لكنه يجب ان لا يتعدى يوما أو يومين فى البحث ثم ننفذ القرار .. لأن التأخير يؤدى إلى الغاء الفكرة لأنك ستظل تفكر إلى ان تصل الى (لست بحاجة للسفر على أية حال) .. تخيل ان يكون هذا نمط حياتك .. مجموعة من القرارات التى تفكر طويلا فى اتخاذها ثم تلغيها وتؤجلها .. انك لا تعيش اصلا وتترك الاحداث هى التى ترغمك على الفعل .. لذلك يجب أن تدرك انك لست بحاجة الى المثالية .. لانك مهما خططت فإنك لا تعرف ماذا ستقابل فى الرحلة وما الذى سيحدث .. انك مهما فعلت لا تملك أى معلومة عن لحظة فى المستقبل .. ولن يصل تفكيرك الذكى إلى تخيل ما سيحدث .. فأتخذ القرار حتى لو كان متهورا .. هذا بالنسبة لى افضل من التردد فى اتخاذه لأنك فى الحالة الأولى ستعرف ما إذا كان صحيحا أم خاطئا .. فى الحالة الثانية لن تعرف ابدا..

العلاج فى أن تفعل .. تتهور .. اننى لا احدث شخصا عاديا .. بل احدث انسان يعانى بسبب تفكيره الزائد .. وعلى هذا لابد ان يفعل ما لا يفعله الشخص العادى .. عليك أيضا ان تنشغل طوال الوقت .. حتى لو كان ذلك غير مخططا .. تنشغل بممارسة الرياضة .. الطبخ .. الكتابة .. فعل اى شىء .. أن المعادلة بسيطة جدا .. الادخال = الاخراج.. ولأن حياتنا اصبحت اسهل والاكل والدهون والمعلومة متوافرة بشكل اكبر .. فهذا معناه ان الطاقة المختزنة زائدة ولابد من تفريغها .. دعنا نتحدث عن التخطيط فى مرحلة اخرى حينما تكون قد نفذت اشياء بالفعل .. 

لكن الان فى اثناء فترة العلاج .. 
فالدواء فقط أن تنفذ .. 
وأن تتهور..



No comments:

Post a Comment