ذات مرة رأيت امرأة فى الشارع جميلة جدا .. وأقول ذات مرة لأنه أصبح من النادر أن أرى امرأة لها جمال مميز .. جمال دون البودرة ورسم العيون والروج والتقاليع المختلفة فى لف الطرح .. كانت ذات خدود جميلة موردة وضحكة صافية من القلب .. ذكرتنى بجيهان نصر .. كانت محجبة حجابا عاديا لكن ألوانها مبهجة .. الغريب ان جمالها لفت انتباهى فعلا وأدركت كم افتقد رؤية (إنسانة) حقيقية وجمال حقيقى حولى.. افتقد أن أرى ضحكة رائقة غير مفتعلة .. ووجه منبسط غير مكفهر ولا منقبض .. وثياب تميز شخصية الفتاة لا طوفان مكرر من ألوان الطرح والبنطلونات والاحذية .. أغلب الفتيات تهتم بشكلها الخارجى كثيرا وتنفق من الوقت والمال فى التسوق والتدقيق.. لكن ذات الفتاة حينما تستيقظ صباحا من النوم وتنظر إلى وجهها فى المرآة .. لا يزال يجول برأسها نفس الاسئلة الحائرة .. تجول حتى وهى لا تشعر ... لماذا لا أرى نفسى أبدا جميلة .. ولماذا أحتاج إلى تأكيد الناس من حين لآخر على تلك الحقيقة التى لا أصدقها.

هذا لأن العين الكحيلة تنظر بإرتياح إلى دقة الرسم.. لكنها حين تنظر إلى عمق البؤبؤ الأسود أو الملون ترى حزنا جارفا .. تفقد نفسها فجأة وتجد خواء .. انها تبحث عن الانسانة التى تنظر إليها .. وهذا شىء غريب .. أن تكون موجود وغير موجود .. أن يكون قالبك الجسدى كاملا أمامك لكنك ببساطة تائه فى عالم آخر .. أتدرى متى سترين نفسك (جميلة) حقا .. حينما تجديها أولا .. حينما تنظرين لتلك العين دون أى ألوان وتبتسمين لها بحب .. أنا أريدك معى الآن فى رحلة قصيرة كى نجد حبيبتك وصديقتك وأقرب الناس إليك ..

بداية أول ما يستيقظ الانسان صباحا .. أول ما يفتح عينيه فأنه لا يحمل أى هم .. لقد استيقظ من سكون تام وانفجرت الحياة فيه كإنفجار الفجر .. لكن متى تبدأ لحظة هبوب الغيوم والظلام التدريجيى .. حينما يبدأ محرك التفكير فى العمل .. وكأن هناك عامل سخيف جاء قبل الجميع وقام بتشغيل المصنع على أقصى طاقته .. أليس من حق العمال أن يفطروا اولا .. أليس من حقهم ولو لدقيقة ينظروا لأشعة الشمس ويشعروا بنعمة الحياة من جديد .. أن يقولوا من قلبهم (الحمد الله الذى أحيانا بعد أن اماتنا وإليه النشور) .. فإذا ما فعلوا ذلك وهرعوا إلى الصلاة يبدأوا يومهم بالحديث مع الله عز وجل والتوكل عليه وسؤاله أن يجعل يومهم خير يوم .. فإن هذا مما يلبسك درعا قويا ضد الافكار القادمة لا محالة .. وكأنك وضعت صفا من الجند الامامى الشديد القوة كى يحميك أثناء انبعاث الحياة فيك من جديد.

ثم اننا إذا ما بدأنا فى التحرك والسعى فى الحياة .. فإن أول ما يهاجمنا قبل وجوه الناس المكفهرة هو أفكارنا اصلا .. ذكريات سيئة وتوقعات أسوء .. وشكوك حول نجاحنا فى مسعانا ومدى قبول الناس لنا .. فإننى أريدك وأريد لنفسى أن نتعلم كيف نقاتل تلك الافكار .. كيف نرد عليها .. أن يكون عندنا اجابات جاهزة لبعضها قد فكرنا فيها طويلا وكتبناها وختمنا عليها .. واجابات لازالت موضع البحث لكن بأمل وايجايبة .. وأولا وثانيا وثالثا ... هل تعرفين متى ستجدين نفسك يا صديقتى .. حينما تبحثين عنها بالاسم .. لا عن أى أنسان آخر .. حينما تصيحين بأعلى صوتك (أين انتى يا فلانة) .. وتصرين على البحث عنها أثناء المذاكرة والعمل والطبخ والتجمل .. أثناء كل شىء تفعلينه فإنك تفعلينه من أجلك فقط .. أنت تتعلمين وتقرأين الكتب كى تطورى عقلك .. وتعملين لأنك تريدين مالا تستمعين به .. وتنقصين وزنك لأنك تحبين أن تربى أهوائك ويكون لإرادتك الأمر النهائى .. عليك ان تنظرى للارادة والهوى نظرة الأم لولدها المشاغب .. فالهوى مثل موج البحر غير مستقر .. قد يجعلك اليوم تأكلين آيس كريم ثم تتناولين بعدها سبانخ ثم تقضين الليل فى قاع كيك الشيكولاتة .. يمكنه ان يجعلك تحبين هذا اليوم وتصفعينه غدا .. انه يدفعك للجنون لو تركتيه سائبا فمن مصلحتك وكمال رشدك أن تمسكي الحزام له .. تلجمينه متى شئت ومتى رأيتى انه يؤذيكى .. أريدك ان تنظرى لعملية إنقاص الوزن انها تأديب للهوى وليس تعذيبا .. وتستمتعى بالتربية فأنت أم فى النهاية .. تذكرى ذلك.

فإذا ما أصبح يومك بكل تفاصيله خاصا بك .. خاصا بنفعك فى الدنيا والآخرة فأنك حتى لو فعلتى شىء ثقيل عليك فأنت تفعلينه لسبب .. ستجدين انك تتحركين بحافز أكبر .. وتقتحمى الحياة بشجاعة .. وستحبين الناس فعلا هذه المرة .. ومعنى انك تحبينهم انك لم تعودى بحاجة إلى حبهم وإقبالهم عليك .. لم تعودى ظمآنة كل يوم لمن يؤكد لك انك جميلة وظريفة ووجودك مهم .. هناك انسانة بداخلك تخبرك بذلك كله .. هناك إشباع عاطفى كبير يمكنه أن يغدق على الكل .. نعم يا صديقتى لقد اكتشفت أن ظمأنا للحب لا يرويه سوى منبع الحب رب العالمين .. وأن بحثنا عنه فى الجدوال الضعيفة المتغيرة يزيدنا ضعفا وحيرة.. فبالله عليك توقفى عن البحث عن نفسك فى عيون الناس وابحثى عنها عند رب العالمين والذى سيقودك يقينا إلى نفسك .. حينما تلتقيان فإنكما ستلتحمان.. ستكون صديقتك التى تحرصين على إرضائها وسعادتها دون السؤال (هل تستحق؟).

.






أحيانا تبدأ الفكرة فى السطوع فجأة رغم انها موجودة منذ سنوات .. لكنها فى موقف ما .. كلمة يلقيها احدهم غير منتبه تولد هذه الفكرة وتخرج برأسها إلى الحياة لتبدأ مع صاحبها رحلة طويلة تختلف شخصيته وحياته بوجودها ..

ألقت صديقتى حكاية عابرة عن والدتها التى تزجر ولدها من تجربة الغطس وتقول له (ما أهمية ذلك؟!) .. علقت صديقتى على هذه الحكاية (أحيانا يضطر الانسان لدفع نفسه كى يقوم بشىء جديد لأن النفس تميل أصلا إلى الكسل وزهد التجربة ولذلك كان دعاء النبى عليه الصلاة والسلام "اللهم انى اعوذ بك من العجز والكسل") .. والحقيقة أن هذا أخذنى إلى منعطف ثانى من التفكير .. أننا لو اتبعنا تلك الموضة الموجودة حاليا وهى (أتبع شغفك) فأنك ببساطة تقوم بتجربة (ما تحبه) فقط .. وبالتالى فأنا لن أشرب سوى البيبسى.. وأكل البانيه والبطاطس المحمرة وأمارس الرياضة فى ألعاب الموبايل ... اننى بالفعل أقوم بكل ما أحب ولكن السؤال هل نفعنى؟.. وهل فتح لى طريق جديد فى محيط الحياة المجهول؟ .. منذ زمن طويل قال لى أحدهم كلمة ترن فى أذنى من حين لآخر: (انك حين تبدأ العوم فى طريق جديد تخافه وتجهله .. فأنك فى البداية لا ترى شىء وتتعب وتشك كثيرا .. لكنك ستعرف قيمة ما تفعل حين تلتفت لمساحة النور التى ظهرت امامك وأصبحت ترى نور المحيط وغيرك يقف بالخلف يتلمس الماء المظلم ولا يجرؤ على النزول) .. لقد أحسست بكل كلمة يقولها .. أحسست بظلمة البحر وأمواجه .. أحسست بمحاولات الخوض فيه .. وبفرحة اكتشاف ارض جديدة وروح شجاعة ازدادت ثقة وسعادة .. أحسست ببساطة ان هذه هى الحياة وأن الموت هو عكس ذلك كله.

وبالتالى فحينما بدأت أقنع بفكرة (أفعل ما تحب) وجدتها لم تدفع بى إلى الامام اطلاقا .. بل بالعكس حين كنت أركز على المجهول فقط وعلى الشغف العطشان للمعرفة .. كان يدفعنى الفضول وحب العلم وليس حب شىء بذاته .. سلكت طرق كثيرة وجربت العزف والسفر والكتابة والغطس والتسلق وما إلى ذلك .. هل يا ترى كنت أحب ذلك؟.. كلا بالطبع لقد كنت أنزل مع الغواص وأنا ابكى بداخلى من الخوف .. وأنا اقبض على مقبض التنفس كأنى أقبض على روحى .. لكنى كنت أريد أن أرى .. وأن أهزم الخوف لأنى أعرف ان بعده حياة أخرى .. هكذا خلق الله عز وجل الانسان (وعلم آدم الاسماء كلها) .. عنده ملكة التعلم والفضول حتى اخر يوم فى حياته .. فلا تقتل هذه الفطرة ولا تستلم لصوت الكسل وتقدم العمر وفقد الرغبة .. كلها أصوات (العجز والكسل) .. إننى أفكر الآن فى العودة لنفسية الطفل .. الذى لا يدرى ماذا يحب بقدر ما يفرح بما يكتشفه بيده ويلمسه ويتعرف إليه .. الطفل المحتفظ بدهشته ورغبته فى دخول كل الحجرات والوقوع فى الحفرة ونزول البحر .. لا يصح للمرء أن يستكين لما يعرفه ويحبه فقط .. بل عليه أن يدفع نفسه لمقابلة من لا يعرفهم .. وممارسة عمل لا يحبه .. وقراءة كتب يخاف منها .. عليه أن يقول لنفسه العصية الكسلانة (لا) وليس لمئات الفرص التى تعبر من حوله كل يوم كى يتعلم .. لا أقول أن نفعل كل ما نبغضه .. لا ليست هذه المسألة .. بل أن نفكر فى الغاية مما نفعل .. فإذا ما وجدناها ستنفعنا فى النهاية فلا يهم ابدا كيف يكون الطريق وعر ولا نحبه ..   

كانت وصية النبى عليه الصلاة والسلام (أحرص على ما ينفعك).





ينقطع الحبل السرى بيننا وبين أمهاتنا جميعا .. الحبل الذى يربط الاجساد ببعض لكن لايزال هناك حبلا آخر يربط بين العقول لم ينقطع عند الكثير مننا .. ومنه نستقى أفكارنا ومبادئنا وثقتنا بأنفسنا .. ومنه لازلنا حينما ننظر فى المرآة نرى عيون الأم والأب وليس أرواحنا الخاصة .. نظام المبادىء لم يتم تحميله بعد ويتم إعلانك كإتسان حر مستقل التفكير يمكنه أن يتحرك فى الحياة دون الخوف من النقد والتأنيب .. دون تعليق الشماعات أن ما أنت عليه لأنك ورثت الصفة كذا .. أو لأن أمك كانت تسخر منك كثيرا فى كذا .. هذا الحبل السرى موجودا بإرادة صاحبه فقط .. لأنه هو الذى يحدد متى تم نضج عقله وأكتملت أجزائه بحيث تكون غير محتاجة للمزيد من الآخرين .. بل يصبح العقل فى هذه اللحظة شاب مفتول العضلات يمكنه أن يهدم جدارا بنفسه .. ويمكنه أن يتحكم فى تروسه ومداخله بشكل كامل .. وأن يزين بينه ويضع الورود التى يحبها ويختار الكتب والاصدقاء والطريق بنفسه .. بالطبع لابد أن يكون للماضىى أثرا .. ولكن فى تلك اللحظة التى نقرر فيها تحمل مسئولية هذا البيت الداخلى وترميمه وإصلاحه فإننا نكون قد أنفصلنا وأصبحنا قادرين على بناء أسرة بالفعل.

 للأسف فأن حقيقة الانفصال تلك لا ترفع عنك مسئولية الحساب يوم الدين ... ولا مسئولية تحمل نتيجة اخطائك .. ولا المصير الذى تذهب إليه نتيجة أختياراتك .. وبالتالى فأن هذا مما يحفزك أكثر على ضرورة قطع الحبل السرى والبدء فى تغذية نفسك .. يمكنك أن تعود إليهم مادمت ترى فيهم الحكمة والرشد .. ولكن عليك أن تبنى منظومة الفكر الخاص بك وتتحملها وتصبح من القوة بحيث تدافع عنها وتدعو إليها .. هذا هو الإيمان .. ليس بالوراثة ابدا والدليل أن هناك شعبا فى آسيا يملك من الحس الدينى ما يعادل شعوب العرب جميعا .. وهناك شخص واحد فى أوربا يمكنه أن يطيح كفة ميزان الإيمان مع مدينة كاملة فى مصر .. فلا يتهم أحد الإيمان أنه سبب تخلف تلك الامة .. بل منذ أن بدأوا فى التوارث فقط .. فى القهر وإرساء المبادىء والافكار عنوة كما يفعل الجاهل بالضبط .. ظهرت رؤؤس نباتات صغيرة ضعيفة هشة تعتمد أعتماد كلى على الأم والأب فى نظرتها لنفسها ومبادئها وتضاعف اخطأء من سبقوها .. هل هذا ما يطمح إليه الأهل .. أن تكون ذريتهم بهذا الضعف وعدم القدرة على التكيف وتحمل تحديات الحياة القادمة التى لن يروها أصلا .. أليس من الأفضل أن نعلمهم حرية الفكر والتعبير .. وأن نكف الاذى النفسى عنهم وإزدراء أفكارهم وأحلامهم .. أعلم انها سلسلة طويلة التاريخ فى الشعوب العربية .. ولكن علينا أن نقطعها .. سواء تم هذا القرار من ناحية الاهل أم الأبن.

هذه هى أحد المقاطع الجميلة جدا كى تتعلم كيف تنفصل تدريجيا عن هذا الحبل السرى.. أهم نقطتان جذبت انتباهى انك يجب أن تفكر فى مشاعرك جيدا وتحللها كل يوم .. المشاعر الاساسية البسيطة كالغضب والحزن .. لأنك حينما تصل لجذر الشعور فإنك وقتها ستكون قادرا على العلاج .. النقطة الثانية أكتب أحتياجاتك واعترف بها .. ولا تنظر إليها كشىء غير مهم حدوثه أو تحقيقه .. وهى لا تتحدث عن الرغبات العابرة هنا .. بل عن الاحتياجات العميقة التى تأن بداخلك .. ثم أدعو الله بها كثيرا وأسعى لتحققها.. أعتقد انه منذ اللحظة التى ترى فيها إحتياجاتك ليست بحاجة للمناقشة والإقناع .. حينما تتوقف عن لعب دور المتهم فى حياتك الذى يدافع عن نفسه أمام قضىاء الناس .. فهذه علامة جيدة لتعرف انك قد أصبحت إنسانا حرا بالفعل..

https://www.youtube.com/watch?v=HtDIFA5KhWo




هل يستطيع الجائع أن يعطى رغيفه أو يتنازل العطشان عن كوب الماء تحت أى مسمى .. يحتاج الإنسان أن يروى نفسه أولا قبل أن يفكر فى العطاء .. هذه قاعدة نفسية بسيطة ولكننا ننكرها عادة دون وعى ..

كلنا يتهافت على الحب .. يبحث عن رفيق حياته وفى مخيلته الكثير من الكلمات التى سيقولها والمواقف التى يتمنى حدوثها .. لكن هل وقفنا أمام تلك المشاعر بصدق وحددنا اتجاهها .. هل نريد أن نعطى الحب أم نأخذه .. هل سعينا الملح والبحث المستمر هذا كله لأنك تريد إعطاء الحب .. لو كان كذلك ما طال البحث لأن لا أحد يرفضه .. لن تجد مخلوق يرفض عطاء الحب ابدا .. لا القطة .. ولا الطفل .. وبالطبع ليس الإنسان الناضج .. لكن حقيقة الأمر انك لست بالساقى بل بالظمآن .. أنت من يبحث عن القبول غير المشروط .. والوعد الصادق بعدم الفراق .. وأن يحبك أحد على كافة اوضاعك وفى كل الازمان .. لو ضعفت وفقدت قوتك .. لو كبرت وشخت .. لو حزنت وغضبت .. إن الانسان ظمآن لهذا الحب اللانهائى .. ولذلك تجده يتغير ويتحول من شخص لآخر كى يتجدد عنده هذا الشعور .. فعطشه لا حدود له ولا ينتهى سوى بالموت.

يذكرنى الحب برحلة النهر .. البلاد البعيدة تخاف أن يجف النهر بينما البلاد القريبة من المنبع لا تحمل ذرة قلق .. من يسكن بجوار نبع الحب فإنه لا يبالى بمن يصل ويشرب بلهفة .. بل تجده يمد يده كى يساعده على الوصول ويشفق على المتعبين والخائفين ويلوح للمتسلق البعيد كى لا يضل الطريق .. إن الاستقرار لا يكون على ضفاف الجداول الضيقة الضعيفة المجرى .. ولا بجوار الشلالات القوية الهادرة .. كلهم ممرات يسرى فيها الحب ويمكنها أن تجف فى أى وقت .. يمكن أن يردمها الزمن .. وتتوسخ بفعل الكائنات المارة عليها .. يمكن أن تغرق فى فورانها الغير مستقر .. لكن النبع لا يوجد به سوى السكن .. والأمان .. والخير اللامحدود .. انه لا يتجدد .. انه عين التجدد .. لذلك فهو يعطى الحياة لكل من يصل إليه .. هو منتهى البحث وبداية الطريق .. كلما أبتعدت عنه عطشت وملأ قلبك الخوف .. ولم تعد واثقا انك تريد أكمال الطريق .. لذلك تبحث عن نبع يرافقك .. هل نستطيع ذلك .. لا أقول قارورة من الحب .. بل أقول نبع لا ينفذ .. أنه لا يكون سوى من عين لا تنام .. وحى لا يموت .. ورحمة وسعت كل شىء .. ومغفرة على كل ذنب.

لقد فكرت مرة فى معنى المغفرة .. وجدت انه بعدما يرتكب الانسان ذنب فأنه يشعر بشعور قاتل .. وكأن الدنيا تجثم على قلبه .. وكأن الشر له ثقل .. ولون أسود .. لكن ما أن يشعر الانسان بالندم ويستغفر الله عز وجل حتى ينقشع السحابة السوداء من قلبه فيصبح قادرا على إكمال اليوم وتجدد الأمل .. تخيلت لو كان الانسان يعيش وهو لا يعرف باب المغفرة .. لا يجد وسيلة لمحو الذنب .. تخيلت دوامة الشر والظلام التى سيحيا بها حتى الموت .. فوجدت أن رحمة الله عز وجل بعباده تفوق كل كلام .. وانه يستحق الحمد والسجود له طوال الحياة. سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

إن رحلة وصولنا لنبع الحب والأمان طويلة .. ولكن المهم ألا نفقد البوصلة ونتوه داخل أحراش الغابات .. يمكننا ان نستريح تحت ظل شجرة .. يمكننا أن ننام ونغفل .. لكن لابد أن نستيقظ ونتذكر أن أمامنا حبات رمل معدودة للوصول .. يجب أن نركز على ذلك .. وأن نستخدم حواسنا وإدراكنا فى الانتباه هل نحن قريبون أم لا.. سنعرف حينما نشرب من النهر فنشعر بصفائه .. وحينما نرى وجوهنا على صفحة الماء .. فالماء الصافى دليل اننا اقتربنا .. كلما صدق القلب كلما عرفت انك قريب .. وكلما مررت على أشواك واحجار قاسية وكائنات مرعبة .. هذا معناه ان ورائها النبع .. فلا تركض هربا ولا تفتنك الطرق وأستعن بالله فى الوصول إليه.




عندما تبدأ فى كتابة شىء ثم تمسحه .. تكتب وتمسح .. فأنت تريد قول شىء لكنك تبحث عن الطريقة المناسبة .. تبحث عن أفضل طريقة كى تصل فكرتك بطريقة ذكية .. مؤثرة .. ممتعة .. لكن حينما تزداد عملية الكتابة والمسح تبدأ فى فقد الثقة في قدرتك على الكتابة وتشعر ان الفكرة غير جاهزة او انها تافهة .. رغم انها منذ قليل كانت تسطع فى عقلك لدرجة جعلتك تقفز من مكانك كى تلحق سيل الكلمات الذى يندفع بضراوة .. كيف يحدث فجأة أن ينقطع السيل حينما تمسك القلم .. هل حينما تبحث عن الطريقة (المثالية) فأنت بالفعل تفقدها .. هل التصميم (المثالى) يرتفع كحائط أمام الثيران التى تركض بسرعة فتصطدم جميعها وتفقد الوعى .. كيف يمكن أن نحافظ على الفكرة اللامعة وفى نفس الوقت نستطيع التعبير عنها بالطريقة التى ترضينا ..

عندما تبدأ فى التفكير لماذا كتبت هذه الكلمات اصلا .. وهو سؤال يرواد الكثير من الناس أثناء أو بعد الكتابة .. التفكير فى النية ضرورى بالطبع وفى رأيى هو محرك الوقود للكتابة .. فالكتابة للزهو وفرد العضلات تختلف عن الكتابة لنثر النور والجمال ونفع الناس .. أنا اتفق انه لابد من مراجعة النية من آن لآخر حتى تخلص لله ويكون للعمل قيمة تنفعنا قبل أن تنفع غيرنا .. لكن لا تجعل المسألة هاجس يؤدى بك إلى وقف العمل من الأساس .. فهذا مدخل عظيم يدخل منه مئات الشياطين كل يوم إلى صدور البشر كى يسلبوهم فعل الخير والسعادة به.

أحيانا أخرى تتداخل الأفكار .. والمشاعر .. والأحداث مع الفكرة الاساسية كى تتحرش بها وتضايقها .. تكون الفكرة جالسة أمام بحيرة تهنأ بتأمل السماء والاشجار والشعور بالسلام الداخلى .. ثم تنقض عليها أحداث الحياة اليومية كى تهرب من المكان ويبقى فقط وجه البحيرة المتعكر .. لكن يمكنك ان تدفع الغزاة عن المكان .. أن تلقى عليهم بالحجارة وتلفظهم وتصر على الخلوة فى واحة التفكير الصافى .. ان الانسان يستطيع أن يقاوم مشاعر الضجر والحيرة والشك بأن يظل مستمرا فى الكتابة .. فالعمل المستمر له قدرة كبيرة على صهر تلك المشاعر جميعا لخدمته.

وأحيانا نمسح ما كتبنا لأننا نبحث عن ما هو أفضل .. دوامة الكمال الأبدية ترهق بعض الناس حتى يستسلمون تماما لها وتجعلهم يغرقون فى قلبها .. يعيد كتابة الفكرة مرارا .. ثم انه فى كل مرة يراها غبية عن السابق .. ويراها لا قيمة لها فى النهاية فيلقى الورقة كاملا .. تموت فكرة وليدة الصدق وتموت كمدا بالشك .. فعلاج ذلك أن نترك قلبنا يسترسل فى الحكى والكلام .. لأن لغته بليغة لا يوجد أجمل منها .. ولا ندع القواعد الادبية تضع سياجا يخنق أفكارنا بل نستخدمها فى إضافة لون جديد .. قطة هنا .. شجرة هناك .. لكن العمل الأدبى كله هو وليد إرتجافة قلب وإستنارة عقل .. فلا مجال لعبث الشك به.

ما أراه كاملا فى عمل الانسان هو نية الخير فيه .. ويكتمل جهد الانسان في إتقانه .. هنالك يتوقف فعل الانسان وتبدأ قدرة الله عز وجل وبركته فى حمل هذا العمل عبر السفن والرياح وتوزيعه فى قلوب الناس بقدر إخلاصه ..










أطلق القطار صافرة الرحيل .. هرع الناس من كل مكان وتقافزوا تباعا داخل القطار .. ظل منهم القليل متشبث بأيدى أحبائه يحفظ السلامات والوجوه التى لن يراها سوى بعد أعوام ... لو أبتكر أصحاب المحطة محل يعبأ رائحة الأحبة فى زجاجات لربح الكثير .. لكنهم لا يلتفتوا سوى للحقائب الثقيلة ذات الوزن .. سكنت الفتاة فى قلب القطار تحمل حزن عميق .. تلصق جبهتها بالنافذة لعلها تسند رأسها المتعب وترسم أنفاسها همسات قلبها الذى يئن .. لقد أعتادت أن تودع وفى كل مرة تقسم أن تنسى سريعا .. وأن ترحل مهرولة .. لكن الحنين يلحق بها .. يشد كتفها ويتوسل إليها أن تبقى .. أن تعطى الفرصة لاصلاح الامر .. لتضميد الجروح .. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .. لكنها كانت لا تؤمن سوى بالبدايات .. لا تؤمن بإصلاح المكسور .. وإضاعة الوقت فى التفكير أين الخلل وكيف نرممه .. إن هذا الامر يتطلب جهدا نفسيا عظيما .. جهد للمغفرة أولا وهذه أول عقبة .. لو تجاوزتها قابلت تحمل الكسر من جديد وإحتمالية عودة الامور إلى وضع الصفر .. وهى لا تتحمل الفشل يتكرر كأنه دوامة أبدية .. ولا ترى نهاية الدائرة سوى بخرقها .. والرحيل منها فى أول قطار.

بدأ القطار فى مغادرة المحطة وتدافعت صور الاشجار والناس كأنها عصيان رفيعة ملونة .. كان القطار يسير للأمام..للأمام فقط .. يسير مع الزمن فى خط واحد .. لا يتوقف فجأة حينما يصادف وجه يعرفه .. لا يلتفت لكم الصيحات التى تنادى عليه أن ينتظر .. من لم يلحق الركوب فهذا ذنبه  .. من لم يسرع الخطى ويأتى فى الميعاد فقد فاته المستقبل .. أحبت القطار كثيرا فهو صوتها الداخلى .. صافرته ترن فى أذنها من وقت لآخر كلما تأخرت عن أحلامها .. صوت قضبانه المتقدة يشيع بداخلها الرغبة فى الحركة والسرعة .. حتى محطاته الثابتة تؤكد لها حكمة القطار وإنتظام جدوله .. يعرف كيف يتدرج فى الوصول إلى نهاية الخط .. لا يأخذ الرحلة كلها طلقة واحدة بلا توقف .. كل ما فى القطار تعشقه لكن هناك شىء واحد لم تفهمه بعد .. لماذا رغم سرعته وتقدمه للأمام تظل كابينة القطار ثابتة .. انها تستطيع أن تشرب فنجان القهوة فى استمتاع وتقرأ كتابا عميق الفكر ورغم ذلك لا تشعر بإضطراب حركته .. كيف يملك تلك القدرة على حفظ امعائه وتفكيره ومشاعره من تغير المشاهد بالخارج .. كيف لا يتأثر بتقدم الزمن .. لقد حفظت تلك القاعدة (إذا أردت أن تسير للأمام فعليك أن تلقى بالماضى) .. لكن حينما تطبقها فإن الماضى يقفز كاللص فجأة من النافذة ويعيث فسادا فى أفكارها ومشاعرها .. يجعلها غير قادرة على استكمال الرحلة رغم أنها مليئة بحماسة البدايات .. لذلك كل بداية عندها تُقمع فى لحظتها .. تصبح مجرد نقطة زمن متكررة لفشل جديد .. منذ وقت طويل لم تستمع ببداية بكر خالصة من الشوائب .. بداية لا تحُمل أعصابها وعضلاتها ثقلا يبطىء من حركتها .. كيف يمكن أن تفعل ذلك وهمسات الماضى كفحيح الافعى .. تبث السم فى طاقتها حتى تنهكها تماما .. لقد تعبت من هذا كله .. تمنت لو تستطيع فقط أن تنسى .. كمثل هذا القطار العظيم اللامبالى.

أتى الجرسون حاملا الغداء .. رائحة الدجاج الشهي المغطى بالتوابل وصحن الأرز الأبيض .. كان هذا كافيا ليثير شهيتها فهى وقت السفر تتذوق الجمال فى كل شىء .. وتبدو لها حبات الأرز لآلىء صغيرة لامعة وطبق السلاطة زمرد وياقوت .. هدأ قلبها قليلا وتفرغ كى يهنأ بتلك المتعة .. وأثناء ما كانت تأكل اقترب منها الجرسون ثانيا يسألها عن تقييمها للخدمة .. فكرت كم مرة يفعل فيها ذلك دون ملل .. وهل يتذكر أخر تقييم سمعه أم انه مثل الألة تتكلم بلا وعى .. بالتأكيد لو كان يومه ملىء بالزبائن الراضية لبدا هذا فى صوته ووجهه.. والعكس صحيح .. سألته بدورها (ما رأيك أنتَ بحالة الغداء اليوم؟) .. ضحك مجاملا وأخبرها انه يكون سعيدا حينما يرى أطباق الزبائن فارغة .. وعدته انها ستقوم بتنظيف الصحن جيدا ثم وضعت الشوكة والسكين فى وضع متوازى دلالة على رضاها عن الطعام .. قد يفهم الجرسون أو لا يفهم تلك العلامة لكن أسعدها انه فى العالم لغات كثيرة مشوقة.. أدركت ان هذا القطار يريد أن يكلمها .. ينفرد بها على جنب كى يهمس فى قلبها شىء .. لكنها لا تفهم لغة الدوى والسكون تلك .. كشرفة موريس .. صفر .. واحد .. رغم ذلك بدأ الدفء يسرى فى أوصالها بعد وقت الغداء وأقتربت الشمس من الغروب فعرفت انه وقت الكلام .. وأن قلبها الآن مستيقظ منتبه جيدا لذلك فهو قادر على أن يفهم أى لغة حتى الصمت .. تكلم القطار فى البداية بتوقف مفاجىء قبل أحد المحطات .. 

وقف فى الظلام عدة لحظات دون سبب .. هل كان خائفا من عقبة على الطريق .. قطاع طرق .. أحدهم يحاول الانتحار .. قطار آخر على وشك الاصطدام .. أم انها لحظة سكون مع الكون حوله .. تردد صوت القطار الأجش فى قلبها .. وكأنه محمل بأطنان من الفحم وسنوات الترحال .. لم يسألها عن وجهتها .. لم يلومها أو يحاسبها .. قال لها فقط (ليلة سعيدة .. أليس كذلك؟!) .. أبتسمت ابتسامة واسعة (نعم .. كم أتمنى لو تمر الليالى كلها هنا .. فى تلك المنطقة الخالية من البشر .. والمحطات .. والأحلام .. وكل شىء إلا العشب وحشرات الليل وقرص القمر .. كم أتمنى لو يتوقف العمر عن التقدم ويعطينى الفرصة كى أكون فى اللازمن) .. قال لها: (لكنى لن أظل هنا طويلا كما تعلمين .. انها بضع دقائق وأتحرك من جديد) .. سألته (هل تحب ذلك؟) .. أخبرها (لو كنت تحملين بداخلك أشكال وألوان من الناس .. يحمل كل منهم أملا وميعادا وأطفالا يريد احتضانهم .. وأبوين يريد البقاء معهم .. ووطنا يشتاق إليه .. بالتأكيد سيدفعك هولاء جميعا للتحرك رغم أنفك) .. سألته: (ولماذا لا يتحركون وحدهم .. لماذا على أن أتحمل الآلامهم وهواجسهم الخاصة .. انهم ثقل على ظهرى .. يمنعنى من التفكير الصافى .. وحزم أمتعة الإرادة كى أصل لما أريد .. اننى اتمنى أن أكون قطارا بلا ركاب .. يقف متى شاء .. ويحيد عن المسار ثم يعود .. حر لا تحده قضبان المكان ولا الزمان).

نظر إليها نظرة طويلة ثم قال لها (تعالى .. سأريك شيئا) .. رافقها خارجا إلى ظلام الليل ثم وقفا أمام القضبان .. كان الحديد قد علاه الصدأ والعشب نما حوله .. قال لها: (تخيلى لو كنت أسير بلا قضبان حديدية ..هل يمكنك ان ترسمى طريقى؟) .. قالت بكل ثقة: (بالطبع .. أنت تعلم إلى أين تريد الذهاب .. يمكنك السير من أى مكان) .. قال لها: (وماذا لو أوقفتنى غزالة تائهة .. ثم هب إعصارا .. ثم نفذ الوقود .. هل تظنين بعد كل ذلك انى سأتذكر وجهتى) .. فكرت فى ولديها اللذين فارقتهم .. ودرجة الماجستير التى زهدت فيها فجأة .. وأبيها الذى ضجرت من أفعاله الغريبة .. بدوا أمامها قضبان حديدة خانقة .. لكنهم بشكل ما كانوا يرسمون خطا لحياتها .. خط لم تصبر عليه ففارقته جميعا .. أصبحت الأن خارج حدود القضبان تائهة .. رغم سعادتها بالحرية إلا انها فقدت معالم الطريق .. من أين تبدأ وإلى اين تنتهى .. أطرقت رأسها للحظات وقالت ( لكنى لم أختر هذا الطريق .. لم أختر أبدا نقطة البداية) .. ربت على كتفها قائلا : ( ولا أنا .. ولا أحد أختار بدايته لذلك من الصعب أن ألقى بالركاب الذين حملتهم معى منذ أول محطة .. هم سيغادرون عاجلا أم أجلا .. سينزل كل واحد فى محطته .. لكنى أسعد كثيرا أنى ساعدتهم على الوصول أثناء رحلتى .. ويحمل قلبى من أثرهم الكثير حتى بعد نزولهم .. أنظرى إلى جنبات القطار .. شمى رائحته .. ستجدين أن كل زواية من الكابينة معبئة بحبهم وسعادتهم .. إنى أفخر انى قطار ثرى يحمل بداخله الكثير من القصص والاسرار .. ورغم ذلك لم يمنعنى هذا أبدا من الوصول).

ترقرقت الذكريات من قلب الفتاة وانسابت دموعا تروى الارض .. فكرت فى الماضى .. لا تنفك تفكر فيه رغم هروبها المستمر منه .. تأكدت انه راكب أصيل لابد من استضافته.. سألت القطار :(كيف يمكنك أن تستقبل نفس الراكب كل يوم .. كيف تتحمل فوضى وجوده بداخلك) .. نظر إليها فأدركت انها بغير قصد تعنى نفسها .. وفكرت انها جزء من الفوضى داخل آخرين وربما أحدثت من الألم بداخلهم أكثر مما فعلوا .. قال لها :( إن الكبائن بداخلى متسعة .. وطاقم التنظيف يغير الملاءات والمفروشات كل يوم .. ويعملون ليل نهار لخدمة الكل .. يمكن لهذا الراكب أن يدخل أى حجرة لكن تأكدى انى أملك من العمل الكثير طوال اليوم ما يجعلنى لا انتبه لوجوده .. وأملك من المساحة الواسعة والملاءات الكثيرة والطعام الطازج ما يجعلنى أغفر فوضاه المستمرة).

تصاعد البخار وبدأت قضبان القطار ترتج من جديد .. صاح بها : (أصعدى الان سنبدأ بالتحرك) .. ركضت سريعا وتعلقت بالباب ولامست نسمات الليل الجميل وجهها .. فوجئت بأبتسامة واسعة على قلبها .. أثناء ما كان القطار يركض مسرعا للحاق بميعاده فى المحطة القادمة سمعت صوت حشرات الليل ونقيق الضفادع .. وكأنهم يباركون رحلته ويؤنسونه وهو يلوح لهم .. غاصت فى مقعدها تفكر فى بداية جديدة .. لكنها ليست بداية من العدم ..
 وليست بداية قائمة على خراب ما قبلها ..
 إنما بداية قطار سيحمل ركابه ويصل بهم إلى النهاية مهما تكلف الأمر..


حدثنى أن سقاية الاشجار تجعل الجذور تنمو سطحيا وتجعل الاجيال المتعاقبة من الاشجار تنمو أضعف وأضعف  ... أما الاشجار التى لا تُسقى فتضطر إلى تنمية جذورها بعمق بحثا عن المياه”.

قرأت قصة لواعظ دين كان يشتكى البطالة .. يجلس بجوار الهاتف فى لهفة منتظر مكالمة كى يخفف عن أحدهم الآلامه .. ثم حكى عن رجال الإطفاء فى مدينتهم انهم قضوا وقتا طويلا فى التدرب ثم شعروا بالاحباط لأن الحريق فى المدينة كان نادرا .. فقام أحد المواطنين الأذكياء بإشعال حريق فى حقله .. فهرع إليه رجال الاطفاء .. ومراسل الجريدة .. والمحامى لرفع دعوة لحماية المحاصيل .. وواعظ الدين للتأكد من عدم وجود خسائر بشرية .. وانتهى اليوم والجميع سعداء وقد ذهبوا إلى بيوتهم ينهكهم الشعور بالتعب والإنجاز.

لا أنسى كلام صديقة لى يوما .. كانت تقول ان اسوء كابوس لدى أن لا يستخدمنى الله لذلك ادعو كثيرا (اللهم استخدمنى ولا تستبدلنى) .. من حين لآخر ألتقى بأناس من طبقات مختلفة وخالطت منذ فترة طبقة مترفة وكنت قريبة من أحاديثهم وحياتهم .. كانوا يقضون الصباح فى الحديث والإفطار والضحك .. ثم يملون فترة العصر فينطلقون لمكان آخر يكملون به السهرة أو يعودوا إلى بيوتهم .. أغلب أحاديثهم عن الذكريات والفضائح وغيبة الاخرين .. ثم أنهم يملون وجبة قد أكلوها البارحة .. ويتنافسون فى الزهو بملابسهم وأملاكهم .. لقد شعرت أن هولاء بحاجة الى العمل كى يكونوا سعداء .. أن العمل نعمة لكنهم بسبب ترفهم لا يجدون مجالا له .. ولذلك بدأت فى التساؤل هل الترف نقمة .. وهل ذنب الاغنياء انهم يملكون المال .. وهل يمكن للانسان أن يكون عاطلا رغما عنه رغم احتياج الدنيا لجهده .. بالتأكيد لم يخلقه الله عز وجل عبثا .. لقد جعل الله عز وجل دورا للقطة والفأر والحصان .. فما بالك بالانسان الذى كرمه .. حينما أعطاه العقل والصحة والشباب وأخبره انه مسئول عنها يوم القيامة .. فهو مسئول عن توظيفها حتى لو بدا له أن لا أحد بحاجة إليها.


لذلك حينما تأملت قصة الواعظ وجدته يقول (لقد كان لى زميلان ينهاران على الفراش فيما يشعران بالسعادة لدى تذكرهما يوما مفيدا مرا بهما .. أما أنا فأمكث بجوار الهاتف أتلهف لأتصال يخرجنى من منزلى الدافىء إلى جوار فراش محتاج بائس) .. لقد انتبهت لكلمة (مكثت انتظر) .. البحث عن العمل ربما يكون فى مرحلة أصعب من العمل ذاته .. إيجاد عمل مناسب للقدرات مستوفى للاحتياجات ليس سهلا .. الكثير من الناس تصر على العمل فى مجال محدد .. مجال دراستها أو تخصصها .. وفى ظل ظروف معينة كالعمل فى شركة بالحجم الضخم المناسب لخبرتها .. لقد تعلمت ان هذا الشلل فى التفكير يؤدى لشلل القدرة .. وأن هناك الكثير من مجالات الحياة يمكن أن ينحت فيها الانسان أسمه .. وقد وجدت الكثير من الناجحون يؤدوا أعمالا لم يكن لها اسم اصلا .. أخترعوا عملا كى ينفقوا مواهبهم .. تحركوا كى لا تصاب عضلاتهم بالضمور .. قرروا أن العمل أفضل بكثير من التفكير فيه .. وانه يمتص الكثير من طاقتهم السلبية والقلق والتوتر .. وجدوه علاج فعال فصنعوا لأنفسهم حبوبا يتناولوها مع شروق الشمس.

أثبتت تجارب الحياة أن العمل يرتب الافكار ويجعلها بعدما كانت تائهة مبلبلة كل يوم بحال .. فأنه يوما بعد يوم مع الصبر تجد جهدك الضائع يتجمع ويصبح طاقة موجهة أخيرا .. كلما نجحت فى عمل واتقنته كلما بذلت جهدا أكثر .. لأن الرؤية وضحت والقلب انشرح وثمرة العمل ألتقطتها بيديك .. شعور رائع أن تلتقط تفاحة حمراء نضرة بعدما تعبت فى غرسها .. وأن ترى الماء يتدفق من بئر حفرته .. وأن تراقب إنعكاس كلمات سطرتها على وجوه الناس وقلوبهم .. الانسان هو الكائن الوحيد الذى يفرح بالعمل .. الذى لا يشعر بقيمته الانسانيه إلا من خلاله .. لذلك لا تتركوا أنفسكم نهبا للفراغ والترف .. فمن خلال ما تعملون ستجدون الطريق لمعرفة أنفسكم.

هل الترف نقمة؟

by on 10:51 PM
“ حدثنى أن سقاية الاشجار تجعل الجذور تنمو سطحيا وتجعل الاجيال المتعاقبة من الاشجار تنمو أضعف وأضعف  ... أما الاشجار التى لا تُسقى فت...

قرأت قصة عن امرأة كانت فى طفولتها تعانى من شلل الأطفال .. وقد خضعت لعلاج يمرن عضلات يديها فكانت أمها تأتى بكرة مطاطية صغيرة كى تقبض عضلات يديها وتبسطها .. حكت المرأة كيف أن هذا التمرين كان مملا وكانت كثيرا ما تترك الكرة تنزلق حيث تقف أمها فتعيدها إليها .. حاولت الأم تحفيزها لكن لا شىء كان يقاوم طاقة الملل فى البنت الصغيرة .. حتى دخل أبوها ذات يوم وهو يحمل قرد آلى صغير يمسك طبلة وفوق رأسه كرة مطاطية .. كلما ضغطت عليها قرع القرد الطبلة .. بدأت البنت فى الانتباه والتركيز على ذراعي القرد .. يتحرك الذراع ببطء ثم يعود .. ثم يزداد سرعة .. إلى أن نجحت فى قرع الطبلة أخيرا .. سعدت بهذا الانتصار وواصلت المحاولة وانتقلت من يدها اليمنى لليسرى حتى تقوت عضلات الاثنين .. كانت تقول هذه المرأة ذات الاربعين عاما فى نهاية قصتها (إن الشفاء يأتى بعد أمر الله من مثل هذه الانتصارات الصغيرة .. انفخ فى البوق –دق الطبل).


ربما يبدو هذا غريبا جدا .. لكنى قد أستمعت يوما إلى فيديو قصير عن سبب ذكاء الأعسر .. كان يقول منذ قديم الزمان والأعسر فئة قليلة فى المجتمعات البشرية ولذلك نشأ لديهم إحساس بالرغبة فى القتال والمنافسة لأحساسهم بإنهم فئة مستضعفة .. لذلك تجد الأعسر بارعا فى الألعاب القتالية عموما ككرة القدم والسلة وغيرها .. لقد تعجبت كثيرا لهذه الحقيقة .. أن الذكاء ناشىء من وجود (تحدى) ورغبة فى الأنتصار عليه ... يمكن أن يكون هذا المنافس إنسان .. هدف .. وقت .. يمكنك ان تتحدى نفسك فى إنهاء كتاب فى خلال ساعة .. ربما يبدو التحدى لا معنى له .. لكن إختراع (تحدى) هو عين الصواب .. هو الذى يحفز الانتباه والعضلات كأنها تنتظر شىء يحدث .. التحدى يكسر صندوق الروتين وقضبان السجن التى نعيش بداخلها .. لانك تتحدى نفسك بطرق شتى .. كإنهاء شىء فى وقت معين .. او فعل شىء بطريقة جديدة .. أو تجربة شىء لم تفعله من قبل .. ربما يبدو الأمر فى البداية سيان.. وتبدو قمة الجبل كقاعه .. لكن هيهات ما بين شعور الذى يصل لفوق بعد الجهد والتعب وشعور من يكتفى بالفرجة .. عبور أى تحدى كأنك تقفز من طرف الجسر إلى طرفه الثانى .. تصل إلى أرض جديدة وتترك أرضا أعتدت عليها ومللت دروبها .. هكذا الانسان دوما عطشان للاكتشاف والسعى ولا يروى ظمأه للوصول إلا للموت ..




لذلك كلما هتف بداخلك صوت التحدى فلا تقتله .. لإنك قادر به بعد أمر الله على النهوض من كبوات كبيرة .. وقادر على التغير .. وقادر على التعلم .. التحدى أمر ربانى (وفى ذلك فليتنافس المتنافسون) .. الله عز وجل يريد لنا المنافسة المثمرة (ألا أن سلعة الله غالية .. ألا أن سلعة الله الجنة) .. وبالتالى فحينما تضع نصب عينيك الخلود فأنك تظل فى حالة من (التحدى) المستديم .. تحدى يحدث كل إشراق شمس .. فى أن تكون إنسانا صالحا يقاوم شر نفسه ويدفعها للخير ويحثها على الصبر .. لم يخلق الله عز وجل حب المنافسة والتحدى فينا عبثا .. بل من رحمته أنه جعلها فينا كى نتحرك للوصول إليه.




منذ زمن طويل أفكر فى هذا السؤال.. ما علاقة الأدب بالبرمجة .. ربما ما دفعنى إليه هو أن البرمجة عملى منذ 8 سنوات .. عملى الذى اخترته بكامل أرادتى وليس رغبتى .. ظللت تاريخا طويلا أحاول ايجاد علاقة .. أو فك العلاقة .. المهم انهما ظلا متلازمين فى عقلى أحدهما يصارع الاخر كى يحتل العقل بالكامل .. لكن لحكمة يعلمها الله عز وجل لم ينتهى هذا الصراع لذلك ظل السؤال قائما .. اليوم فقط بدأت أرى من وراء الغمام سرب طيور آتى من بعيد .. سرب يحمل الاجابة التى ارهقنى ايجادها ..

أمضيت زمنا فى تعلم لغة (السى شارب) ثم (الجافا) .. لكنى منذ أن بدأت اتعلم لغة البرمجة التفاعلية (Reactive programming) شعرت بمتعة عقلية .. وبدأت أحب ولأول مرة ما أكتب .. لغات البرمجة القديمة يمكن القول عنها انها غبية .. بسيطة بقدر تاريخها القصير وبالتالى فأن تعبيراتها الادبية فقيرة لا تحمل أى جمال .. بدأت تتطور مع الوقت لوجود فنانين .. أكتشفت ان الفن هو مزيج من العقلية والحب .. إذا ما حمل قلبك حب لشىء ما فأن عقلك يتوسع خياله حتى يعطى الشىء ابعادا جديدة .. حتى ان هناك أدب (كرة القدم) وهو شىء لم اكن أتخيل وجوده اصلا .. لذلك تطور لغات البرمجة فى السنوات الاخيرة وكونها متاحة للكل للتطوير والابداع انتج لغة جديدة بليغة .. حينما بدأت تعلم البرمجة الحديثة (RX,Kotlin) وجدت أنك يمكنك التفكير فى فكرة ما .. ثم كتابتها بسهولة دون حتى العلم الكامل بمفرداتها .. لأنها شبيهة بتفكير البشر (المتطور) .. يمكنك ان تكتب تعبيرات برمجة موجزة .. قصيرة ولكنها تؤدى المعنى تماما بدلا من السطور الطويلة .. لقد أستطاع الناس أن يصلوا بهذه اللغة إلى الايجاز وطالما بدأ يظهر بوادره فأعلم انها دخلت إلى قاموس لغات الفكر... أيضا هى لم تعد أوامر بقدر ما هى تفاعل ومشاركة .. تستجيب لما يحدث بالخارج وتتفاعل معه .. وبالتالى فهى أشبه بالسلوك الانسانى الذى لا يكتفى بالتفكير فيما يريد .. بل لابد له من التعامل مع الواقع والاخطاء والمفاجآت بذكاء.

أن أكثر ما يمتعنى فى البرمجة قراءة أكواد بليغة .. كأنى اقرأ كتاب لأديب محترف .. تهز رأسك طربا وأنت تنظر لعمل فنان ويضجرك الكود المنسوخ المتكرر الممل .. لذلك فأن من إتقان الكتابة هو القرءاة الكثيرة .. ومن إتقانها ايضا التجربة المستمرة وأخذ الرأى من أصحاب الخبرة .. لذلك فهناك فى عمل الفريق ما يعرف بـ( Code review) وهو من الانشطة الممتعة جدا للتعلم .. لكن ما أعيبه على لغات البرمجة حتى الان والذى لم أستطع بعد استنباطه ولا إحساسه .. هو أختفاء المشاعر منها .. لا يشعر الكاتب بدموعه تنهمر مثلا وهو يكتب برنامج .. لا يشعر بالحنين لشىء .. انه يفكر فى الحل فقط .. كيف يصل لحل هذه المسألة المتأزمة .. انه عملى جدا .. وقاسى .. لذلك فلابد من وجود الأدب ووجود الفن كى يرفه قليلا عن قلوب الناس .. وحتى نصل للغة برمجة مشابهة للغات الأدب والموسيقى فنحن بحاجة إلى الانفصال عنها من وقت لآخر حتى لا تتحجر قلوبنا.

(ملحوظة .. ربما هناك من عشاقها من يرى فيها الجمال والحب أكثر من ذلك .. فليشاركنا بعلمه فنحن بحاجة إليه)




ماذا تفعل حينما يكون الهواء متوقفا تماما .. لقد اعتدت أن تشعر بنسمات الهواء تلامس وجهك بلطف حتى انك لا تكاد تشعر بوجودها سوى حينما تختفى فعلا .. لقد جربت الجلوس أمام شاطىء (لينكاوى) فى ماليزيا مرة وقد كنت أظن ان الهواء سيكون رائعا .. فالجزر والجبال الخضراء متناثرة فى البحر والشمس تختبىء تحت كم هائل من السحب .. لكن فى خلال دقائق وجدت انى لا اطيق الجلوس على الشاطىء ووجدت القليل من الناس يجلسون بينما ذهب معظمهم يمارس ألعاب البحر من التزلج إلى الطيران .. أدركت أن نسيم الهواء فى مصر لا مثيل له .. يكفى أن تجلس على شاطىء البحر المتوسط كى يطير الورق والطعام ويطير قلبك إلى نهاية البحر .. لذلك فعذاب توقف نسيم الهواء يجعل المرء يشعر بوطأة الساعات ويفكر ماذا يمكن أن يفعل للتحمل.


هل يمكن أن يكون هذا شبيه بتوقف الافكار عن التدفق .. والقلب عن الحب .. انك لا تحتمل توقف الاشياء عن الحركة .. وتتمنى ولو نسمة صغيرة عابرة غازلتك .. الانسان يحب التفاعل دائما لذلك تجده يسعى للتعارف والذوبان والصداقة.. وتجد ان المنعزل إنسان غريب لأنه يمنع وصول الناس إليه .. يمنع قلبه من الاهتزاز سواء حبا أو غضبا أو غيرة أو رحمة .. ربما يكون فى منأى عن أذى البشر كما يظن .. لكنه يفقد الكثير من فرص التشكل والتغير لنسخ أخرى منه لا يعرفها .. حينما أدخل صومعة العزلة أشعر انى أفضل الناس .. وأعلاهم اخلاقا وأكثرهم حكمة .. لكن حينما تمل الوحدة وتبدأ فى الاحتكاك المباشر ترى صورا أخرى لك .. صورة تحبها وصورة تمقتها وتتعجب كيف يمكن أن يكون بداخلك كل هذا التناقض .. ويجعلك تكتشف الشر وتعالجه .. وتكتشف الخير وتحبه .. لذلك بعد سنوات من تجربة هذا وذاك تبين لى أن عذاب الناس أفضل بكثير من العزلة .. وأن ما أعانيه أحيانا من فقر أفكار وسجن داخلى وحكمة قاصرة هى ناتج العزلة .. لأنك حينها لا تسمع قصص حقيقية من الحياة بقدر ما ينسج خيالك أوهاما تصدقها.


كل هذا جعلنى حينما أرى فتاة تضع سماعات الاذن وهى تسير فى الطريق .. وفتى منكب على شاشة الموبايل فإنى أريد أن أنتزعهم بيدى وأشير إلى الطبيعة من حولهم .. حتى صوت الصخب والهمجية هى أصوات طبيعية .. صوت ضجيج السيارات ونباح الكلب هى أصوات طبيعية تزيد من إدراكنا للواقع حولنا .. إدراكنا انه آن الاوان لتغيير ذلك بقدر استطاعتنا .. لو كرهت الواقع فلا تفر منه .. بل حاول أن تضع فيه نقطة جمال صغيرة .. الفرار يجعل القبح مستمرا بلا نهاية ويزداد سوءا .. لكن مواجهة القبح بشجاعة يجعل الامر معركة بالتاكيد ستدخلها رغما عنك .. لأن الانسان لا يحتمل الهزيمة طوال الوقت .. أعتقد أن أثر وسائل التواصل الاجتماعى فى بلادنا بالذات قاتلا .. لانه بوابة للفرار إلى عالم نظيف .. لطيف .. مضحك .. هذه هى الخدعة النفسية التى أرتكز عليها أصحاب تلك المواقع ..أصنع للناس منفذا وهميا ستجدهم جميعا هناك فى تلك الارض .. ثم ابنى حولهم مستعمرة وأشغلهم بالنظر إلى بعضهم والزهو بأنفسهم حتى يصبح عالما حقيقيا يودون البقاء فيه للابد .. عالم بلا وجوه نضرة .. ولا مشاعر صادقة .. وقلوب جائعة للمسة حقيقية من صديق أو أبن أو حبيب .. إن هذا يبدو بالنسبة لى ثمنا جيدا لاختيار العزلة .. واختيار عدم التفاعل مع الواقع.


اننى الآن أجد كفة مساوىء شبكات التواصل الاجتماعى تتثاقل كلما أمضى الناس وقتا أطول فيها .. الكآبة تعلو وجوههم .. وصبرهم نافذ .. وعمرهم يمضى بلا أحساس بعدد ذرات الرمل المتبقية .. كل هذا لأنهم توقفوا عن حركة الحياة اليومية.. يمكننا التفاعل مع وجبة طعام غير صحية.. وعمل شاق .. وأهل متعبون ببعض الصبر ومحاولة إصلاح الوضع بكل طريقة ممكنة .. يمكنك ان توقن بتلك القاعدة .. لا شىء يبقى على حاله أبدا وبالتالى فإن شعرت بمحدودية قدرتك على إصلاح القبح فتأكد انه يوما ما سيتغير .. ولكن ما ستتذكره جيدا وتسعد به انك حاولت.

كنت أمشى منذ أيام وكان الهواء ثقيلا ثم مررت بحديقة ورد .. شممت رائحة ألوان الورد الزكية وخصوبة التربة رغم وجود نسمات ضعيفة فى الهواء .. تأكدت انه حتى فى وسط المعاناة .. يمكنك ان تشعر برحمة الله بمخلوقاته اللانهائية وتستمتع بها .. يمكنك ان تعرف انه خلق كونا رائعا ملىء بالجمال .. وأن الحر والبرد لهما سحرهما .. بعدما تكون قد أكتويت بنار شهر يوليو فإنك تشتاق لشهر نوفمبر .. ثم يأتى يناير كى تشتاق ليوليو مرة أخرى .. لكنى اتسائل ماذا لو حاولنا الاستمتاع بالآن دون الاشتياق للغد .. لو حاولنا تركيز حواسنا قليلا .. وربما كثيرا على اصطياد لحظات السعادة من الهواء المحيط .. ربما كنا بحاجة إلى فقط أن نفتح مسام الجسد والقلب إلى أقصى اتساعها.. وأن نرش أجسادنا بالماء ونأكل المزيد من الايس كريم ونرتدى الالوان المبهجة .. وبالتالى فأن ممارسة طقوس الصيف أفضل بكثير من صب اللعنات عليه.


وأنا أكتب الان أشعر بنسمات الهواء الحلوة تتحرك حولى .. وقد كانت فى بداية المقال واقفة فوقفت أفكارى .. حاولت جاهدة أن أقاوم ثقل الهواء وأكتب شىء حتى لو كنت أستمده مما حولى فوجدت أن الافكار تنساب وتتحرك .. هكذا يتغير حال الكلمات وحال الهواء .. وهكذا أؤمن انه يتغير حال ما نسعى ونصبر على تغييره.