ذات مرة رأيت امرأة فى الشارع جميلة جدا .. وأقول ذات
مرة لأنه أصبح من النادر أن أرى امرأة لها جمال مميز .. جمال دون البودرة ورسم
العيون والروج والتقاليع المختلفة فى لف الطرح .. كانت ذات خدود جميلة موردة وضحكة
صافية من القلب .. ذكرتنى بجيهان نصر .. كانت محجبة حجابا عاديا لكن ألوانها مبهجة
.. الغريب ان جمالها لفت انتباهى فعلا وأدركت كم افتقد رؤية (إنسانة) حقيقية وجمال
حقيقى حولى.. افتقد أن أرى ضحكة رائقة غير مفتعلة .. ووجه منبسط غير مكفهر ولا
منقبض .. وثياب تميز شخصية الفتاة لا طوفان مكرر من ألوان الطرح والبنطلونات
والاحذية .. أغلب الفتيات تهتم بشكلها الخارجى كثيرا وتنفق من الوقت
والمال فى التسوق والتدقيق.. لكن ذات الفتاة حينما تستيقظ صباحا من النوم وتنظر
إلى وجهها فى المرآة .. لا يزال يجول برأسها نفس الاسئلة الحائرة .. تجول حتى وهى
لا تشعر ... لماذا لا أرى نفسى أبدا جميلة .. ولماذا أحتاج إلى تأكيد الناس من حين
لآخر على تلك الحقيقة التى لا أصدقها.
هذا لأن العين الكحيلة تنظر بإرتياح إلى دقة الرسم..
لكنها حين تنظر إلى عمق البؤبؤ الأسود أو الملون ترى حزنا جارفا .. تفقد نفسها فجأة
وتجد خواء .. انها تبحث عن الانسانة التى تنظر إليها .. وهذا شىء غريب .. أن تكون
موجود وغير موجود .. أن يكون قالبك الجسدى كاملا أمامك لكنك ببساطة تائه فى عالم آخر
.. أتدرى متى سترين نفسك (جميلة) حقا .. حينما تجديها أولا .. حينما تنظرين لتلك
العين دون أى ألوان وتبتسمين لها بحب .. أنا أريدك معى الآن فى رحلة قصيرة كى نجد
حبيبتك وصديقتك وأقرب الناس إليك ..
بداية أول ما يستيقظ الانسان صباحا .. أول ما يفتح عينيه
فأنه لا يحمل أى هم .. لقد استيقظ من سكون تام وانفجرت الحياة فيه كإنفجار الفجر
.. لكن متى تبدأ لحظة هبوب الغيوم والظلام التدريجيى .. حينما يبدأ محرك التفكير
فى العمل .. وكأن هناك عامل سخيف جاء قبل الجميع وقام بتشغيل المصنع على أقصى
طاقته .. أليس من حق العمال أن يفطروا اولا .. أليس من حقهم ولو لدقيقة ينظروا
لأشعة الشمس ويشعروا بنعمة الحياة من جديد .. أن يقولوا من قلبهم (الحمد الله الذى
أحيانا بعد أن اماتنا وإليه النشور) .. فإذا ما فعلوا ذلك وهرعوا إلى الصلاة يبدأوا
يومهم بالحديث مع الله عز وجل والتوكل عليه وسؤاله أن يجعل يومهم خير يوم .. فإن
هذا مما يلبسك درعا قويا ضد الافكار القادمة لا محالة .. وكأنك وضعت صفا من الجند
الامامى الشديد القوة كى يحميك أثناء انبعاث الحياة فيك من جديد.
ثم اننا إذا ما بدأنا فى التحرك والسعى فى الحياة .. فإن
أول ما يهاجمنا قبل وجوه الناس المكفهرة هو أفكارنا اصلا .. ذكريات سيئة وتوقعات
أسوء .. وشكوك حول نجاحنا فى مسعانا ومدى قبول الناس لنا .. فإننى أريدك وأريد
لنفسى أن نتعلم كيف نقاتل تلك الافكار .. كيف نرد عليها .. أن يكون عندنا اجابات
جاهزة لبعضها قد فكرنا فيها طويلا وكتبناها وختمنا عليها .. واجابات لازالت موضع
البحث لكن بأمل وايجايبة .. وأولا وثانيا وثالثا ... هل تعرفين متى ستجدين نفسك يا
صديقتى .. حينما تبحثين عنها بالاسم .. لا عن أى أنسان آخر .. حينما تصيحين بأعلى
صوتك (أين انتى يا فلانة) .. وتصرين على البحث عنها أثناء المذاكرة والعمل والطبخ
والتجمل .. أثناء كل شىء تفعلينه فإنك تفعلينه من أجلك فقط .. أنت تتعلمين وتقرأين
الكتب كى تطورى عقلك .. وتعملين لأنك تريدين مالا تستمعين به .. وتنقصين وزنك لأنك
تحبين أن تربى أهوائك ويكون لإرادتك الأمر النهائى .. عليك ان تنظرى للارادة
والهوى نظرة الأم لولدها المشاغب .. فالهوى مثل موج البحر غير مستقر .. قد يجعلك
اليوم تأكلين آيس كريم ثم تتناولين بعدها سبانخ ثم تقضين الليل فى قاع كيك
الشيكولاتة .. يمكنه ان يجعلك تحبين هذا اليوم وتصفعينه غدا .. انه يدفعك للجنون
لو تركتيه سائبا فمن مصلحتك وكمال رشدك أن تمسكي الحزام له .. تلجمينه متى شئت
ومتى رأيتى انه يؤذيكى .. أريدك ان تنظرى لعملية إنقاص الوزن انها تأديب للهوى
وليس تعذيبا .. وتستمتعى بالتربية فأنت أم فى النهاية .. تذكرى ذلك.
فإذا ما أصبح يومك بكل تفاصيله خاصا بك .. خاصا بنفعك فى
الدنيا والآخرة فأنك حتى لو فعلتى شىء ثقيل عليك فأنت تفعلينه لسبب .. ستجدين انك
تتحركين بحافز أكبر .. وتقتحمى الحياة بشجاعة .. وستحبين الناس فعلا هذه المرة ..
ومعنى انك تحبينهم انك لم تعودى بحاجة إلى حبهم وإقبالهم عليك .. لم تعودى ظمآنة
كل يوم لمن يؤكد لك انك جميلة وظريفة ووجودك مهم .. هناك انسانة بداخلك تخبرك بذلك
كله .. هناك إشباع عاطفى كبير يمكنه أن يغدق على الكل .. نعم يا صديقتى لقد اكتشفت
أن ظمأنا للحب لا يرويه سوى منبع الحب رب العالمين .. وأن بحثنا عنه فى الجدوال
الضعيفة المتغيرة يزيدنا ضعفا وحيرة.. فبالله عليك توقفى عن البحث عن نفسك فى عيون
الناس وابحثى عنها عند رب العالمين والذى سيقودك يقينا إلى نفسك .. حينما تلتقيان
فإنكما ستلتحمان.. ستكون صديقتك التى تحرصين على إرضائها وسعادتها دون السؤال (هل
تستحق؟).
.
اليوم الذى رأيت فيه امرأة (جميلة)
by
سارة حسن المغازى
on
1:58 AM
ذات مرة رأيت امرأة فى الشارع جميلة جدا .. وأقول ذات مرة لأنه أصبح من النادر أن أرى امرأة لها جمال مميز .. جمال دون البودرة ورسم ال...