كيف يتعامل الاذكياء مع ذكرياتهم؟




هناك أناس تتعامل مع صدماتهم العاطفية بأن تضيف لها المزيد من الوقت .. والمزيد من البهارات والتوابل .. حتى تختمر القصة تماما فى عقل صاحبها ويصبح من الصعب عليه أن يتخلص من أثرها .. هولاء الذين ينكبون على الاغانى العاطفية .. وتصفح بروفايل من تركهم من حين لآخر للاطمئنان على نتيجة الغدر .. وفى تقليب الصور والسهر كى تلازمهم الذكرى ليل نهار .. لذلك فهى تبقى معهم بالسنوات .. بحزنها وألمها .. وكأن للألم لذة مثلا .. وكأنه لا يسحب انفاس العمر والقوة والتركيز .. ويمتص السعادة من قلب صاحبه ... من يفعل ذلك يقول واثقا (لا أستطيع أن أنسى) .. والحقيقة انه لا يريد النسيان .. خائف منه .. وكأنه لو نسى فقد تخلى عن جزء منه .. يعتبر انه تركيب من تجارب الماضى .. فلو نسى التجارب الاكثر قسوة فهذا معناه انه يفقد نفسه .. والحقيقة التى يجب أن يدركها .. ان أى بناء إذا لم يتم ترميمه من حين لآخر .. وأصلاح الاسانسير .. وإسكان سكان جدد .. فأنه محكوم عليه بالهدم لا محالة.

لكنى رأيت أناسا فى الحقيقة اذكياء جدا .. يفرون من الماضى فرا .. لا يمنحون فرصة لألتقاط انفاسهم والالتفات للوراء .. هم فقط فى لحظة الفراق يركضون .. يمسحون الرسائل.. يوقفون المتابعة ورغم يقوموا بحظر الدخول لهذا الشخص .. يدخلوا فى حلم جديد .. وصداقة جديدة .. لا يسمحون للألم ان يستشرى بداخلهم .. ربما هم أضعف من أن يتحملوه .. ربما هم ينظرون بأمل إلى المستقبل الذى يحمل لهم العوض عن كل ما فات .. ربما يعرفون أن الحياة قصيرة جدا .. لدرجة انه لا يستحق ان نقف سنوات كاملة حدادا على اناس نسونا أو سينسونا حتما .. ربما هم يحبون انفسهم لدرجة ان يبعدوا عنها كل ما يؤذى .. الذكرى السيئة .. الطعام الضار .. انى احترم هولاء جدا رغم ما يبدوا من قسوتهم .. ربما بعضا منهم قساة وانانيون فعلا .. ويسحقون الماضى بأقدامهم كى لا يبقى أثر لعاطفة أو حب .. لكنى اتحدث عن هولاء الذين يحبون أنفسهم .. ويحبون الخير لها .. ويرون انها لن تستطيع أن تعطى لو كانت غير سعيدة .. لن تستطيع أن تحيا وتتحرك وسط الألم .. والحقيقة أن هذا من الدين .. أن لا يمكث الانسان طويلا فى الحزن .. يقول الله سبحانه (فأبدلكم غما بغم كى لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ) .. أن يدرك الانسان ان هذه الدنيا مراحل وأيام تتقلب .. يوم لك ويوم عليك .. وانها قصيرة جدا والهدف منها هو إعمار الاخرة .. فهل نضيع العمر الذى نغفل عن سرعة تسربه بسنوات فى الحزن .. هل نعرف كم سنعيش أصلا .. ضمنا أن نصل للستون جميعا .. وأن نكون على قوتنا وصحتنا كى نعبد ونستزيد من الحسنات .. أم اننا زاهدون فيها ولا يفرق ما إن كنا فى اسفل درجة من الجنة أو الاقرب لله .. يقول الله سبحانه (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض) .. اننى حينما افكر فى الحسرة او الندم يوم القيامة حينما ينظر الانسان فيجد نفسه بعيدا عن الله سبحانه – والعياذ بالله .. بعيدا عن مناجاته .. عن النظر إليه .. عن الفردوس .. يقول الله سبحانه (فإما إن كان من المقربين .. فروح وريحان وجنة نعيم) .. ألا تسأل نفسك وتتمنى ان تعرف ما هى الروح .. ان الشيطان يفعل بنا الافاعيل كى لا ندرك جنة الله سبحانه .. يدخل لنا من جميع الابواب حتى قالوا انه يدخل من 99 بابا للخير حتى يقودك إلى باب واحد من الشر .. يوهمك بطهارة الحب .. وعذاب الشوق .. ومتاهات لا حصر لها طوال حياتك .. لذلك نبهنا الله دائما فى القرءان (ونادهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) .. (إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا) .. (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).

ما اطلبه منك لا أن تصبح بلا ذكريات .. ولكن ان تنتقى الذكريات .. وترى الدروس والعبر بعيون مفتوحة جدا .. يمكن لك ان تسأل عن اخبار من ظلمك فقد لكى تتأكد انه لم يتهنى بظلمه (ودعنى اخبرك انك لست بحاجة للتقصى .. فخبره سيأتى إليك دون سؤال) .. يمكن لك ان تغفر وتسامح كى تلقى عن كاهلك الألم فإنى اجد ان 100% من الألم سببه انك لم تسامحه بعد .. فيكون التفكير الذكى هو انك الاهم .. تسامح فيزول الالم تماما بل وربما تدعو له .. فسبحان الله الذى جعل الحب فى العطاء .. وجعل السعادة فى المغفرة .. يقول الله سبحانه (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) ..

انى اجد الانسان الذكى هو الذى يتخلص من الاعشاب الضارة باكرا .. كى يفسح المكان لزرع ورود جديدة ..هناك ورود عليك ان تسقيها كل يوم .. هى من الماضى لكن وجودها مهم كى تصبح انسانا أفضل .. كذكرى أبيك وأمك .. كذكرى عزيز لديك .. سقايتك لها هو أن تدعو لهم .. كلما سقطت من عينك دمعة فأجعلها ثقل فى ميزانهم .. حينها ستصبح دموعك انهارا حقيقية تفيض بالخير على الاحياء والاموات.

No comments:

Post a Comment