رحلة للعودة إلى الآن
ما هو التفكير الزائد ولماذا يحدث
..هل يحدث لأننا نفكر فى النتيجة كثيرا .. نبنى القصور قبل أن نملك الرمل أو نخلط
الاسمنت أو نقيس المسافات .. هل نستعجل الوصول للغاية .. لماذا .. لأن العمر قصير
.. ماذا سيحدث لو لم نصل بسرعة .. أن يسبقنا الاخرون مثلا .. أو نكبر سريعا فلا
نملك القوة ولا الشباب لفعل ما نريد .. اننا بالتفكير الزائد نفقد قوتنا فعلا ..
ننهش عظامنا وعقلنا وأعصابنا حتى يتبقى حطامها فقط فلا تستطيع العمل .. تخيل أن
تستيقظ صباحا لتجد انك فقدت 25% من طاقتك قبل الفطور .. ثم على رأس الساعة تكون قد
استنفدتها تماما .. فى ماذا .. التفكير الزائد.
اننى احاول معك الوصول لمكبح
الفرامل .. الذى يوقف هذه التروس الرهيبة ويجعلها تهدأ .. تستمع باللحظة الحالية
.. تسجلها فى الذاكرة وتضع بجانبها علامة السعادة .. كيف يمكن أن نحتفظ بلحظة لم
نعشها .. لم نعيشها بمشاعرنا ونندمج فيها تماما .. لم نراها كاملة بأعيننا ونسمع
الاصوات المحيطة .. أتعرف ان الذاكرة تخزن فقط تلك اللحظات التى يكون فيها وعيك
حاضرا تماما .. انك لا تتذكر لحظات التوتر وما أكثرها .. لا تتذكر لحظات الضيق أو
الملل .. تتذكر فقط تلك اللحظة التى شعرت بها بخرز الشاى ورائحته الشهية لأول مرة
.. رغم انك شربته مئات المرات .. لكن فى مرة كنت راضيا .. ساكنا .. منتبها ..
فأدركت حواسك جمال قطعة صغيرة من الكون المحيط .. ألتهمت ذاكرتك تلك القطعة ونمت
عظامك وأعصابك .. بعد أمر الله ثم بفضل تلك اللحظات .. أنت قادر على أن تكمل
الحياة.
كيف يمكن أن نحصل على لحظات مماثلة
كثيرة .. أن نتوقف عن ضغط زر التالى فى ريموت حياتنا .. أحيانا أشعر وكأن عقل
الانسان القلق يقفز للخانة التالية .. لا يستقر على مربع حتى يكون قد قفز لما بعده
.. ولأن قفزاته سريعة فلا يستطيع أن يقرر تحديدا أى مربع هو التالى .. اليمين أم الشمال
أم الامام .. فيضطرب ويحتار وينتقل إلى مرحلة القلق .. حيث يفقد العقل السيطرة
ويصبح ورقة فى مهب الريح .. تستقر حينما تهدأ الزوابع الداخلية .. ليجد انه فى
نهاية اليوم كالخرقة البالية التى أنفقت معظم قوتها فى التفكير لا فى العمل.
كيف السبيل إلى حل ذلك .. ربما كان
الأمر يحتاج منا إلى التواضع .. الشعور بقيمتنا كمخلوقين .. لا يملكون أجندة
لمعرفة القدر .. ولا المستقبل .. مهما بلغ ذكائك فى الحساب والاحتياط لن تستطيع أن
تستنج لحظة واحدة قادمة .. هل فيها صحة أم مرض أم خبر حلو أم خطر .. احيانا أجد
أناس ينقصهم أن يخُرجوا الالة الحاسبة حتى يعدوا ما تبقى من عمر .. وما سيأتيهم من
المال .. انهم لا يدركون أسم الله الواسع .. فضله أوسع من خيالهم .. رحمته أوسع
مما يظنون .. حكى أحمد الأعور مرة عن تجربته فى هذا المعنى قائلا (أن سعى واحد
صغير جدا يقابله عطاء عظيم .. لذلك تعلمت أن السعى لا علاقة له بالعطاء اطلاقا) ..
لذلك أقول لنفسى .. على أن اتوقف عن التفكير فى النتائج .. أن أفكر فى الخطوات
البسيطة فقط وأن أفعلها ..ربما 3 خطوات يومية كافية .. أليس هذا سهل جدا .. نعم يمكنك فعله .. إنى لأذكر
فى فترة أخذت أبحث عن شقة وأخذ الامر منى شهرين تقريبا من البحث المتعب فى الحر
والشمس .. حتى إذا شعرنا باليأس وقلت لأمى تعالى نجرب أخر مرة .. وقعت أيدينا على
شقة أفضل من كل ما رأيناه واستقر أختيارنا فى لحظتها دون تردد .. وكأن الله سبحانه
يرسل رسالة صريحة وواضحة .. (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ..
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ .. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ)...
فاللهم لك الحمد.
لقد قطعت وقطع غيرى أشواط فى
التخطيط لحياتهم .. غير انى اجد من أفلح فى ذلك هم الصابرون .. الذين جربوا وفشلوا
.. ثم تعلموا فجربوا ثانية وفشلوا .. وهكذا حتى تعلموا كيف يفكر عقلهم .. وما
قدراتهم .. وشكل يومهم .. فوضعوا خطة موضوعية تناسب كل ذلك .. واثناء ذلك عبروا
الكثير من الامواج .. امواج الاحباط والتخبط والشك .. حتى وصلوا لشكل حياة يرضون
عنه بشكل كبير .. أحيانا أشعر بالغرق .. وكثرة المسارات والخوف من المستقبل .. لكن
ما ينقذنى فى كل ذلك التشبث بخشبة فى عرض البحر والنظر للسماء .. وإنى لأثق انه لا
يشقى ابدا احدا بالدعاء ..
No comments:
Post a Comment