قابلت فى حياتى الكثير من المسافرين .. بعضهم كان يسافر لأول مرة والبعض الاخر كان معتاد على الترحال .. لاحظت مفارقة ممتعة تبعث على الابتسام  .. ان هولاء الذبن بلا خبرة فى السفر قد أتوا بحقائب ثقيلة للغاية وحملوا معهم ما هو ضرورى واحتياطى وما قد تظهر اهميته لاحقا .. ملابس شتوية وصيفية .. جميع كريمات الصباح والمساء وبعد الظهر .. أكثر من حذاء .. وهم يتحركون بثقل شديد ويمكثون بحجراتهم فترة طويلة كى يغيروا ملابسهم من فقرة لأخرى .. بينما الرحالة الخبراء يحملون حقيبة ظهر واحدة فقط .. معطف واحد .. كتاب .. حذاء واحد .. وبعضهم من كثرة الترحال واعتياد السفر يأتى بأدوات ذكية .. رأيت مرة أحدهم معه غلاية شاى صغيرة تكفى كوب واحد .. يعرفون أن الرحلة لا تحتاج لكل هذا الاحتياطى من المؤن .. يمكنهم الصبر عن الطعام أو أكل اشياء بسيطة .. حذاء رياضى واحد كافى جدا لتحمل مشقة الطريق .. ليس هناك داعى للتأنق الزائد .. فهم قادمون للتأمل والمغامرة والاكتشاف والتعارف .. ولا يمكن فعل كل ذلك وهم بحقائب ثقيلة.

يمكن لأصحاب التفكير الزائد أن يبدأو رحلة العلاج من هذه النقطة .. فى ادراك انهم لا يزالوا مبتدئين .. طالما انهم يحملون حقائب ثقيلة تعيقهم عن الحركة والحياة .. عن التنفس .. عن التمتع واكتشاف الجديد .. إذا هم لا يزالوا رحالة بلا خبرة .. ومعنى هذه الخبرة انك حاولت عشرات المرات أن تخطط لحياتك .. وفى كل مرة تدرك ان هذه الطريقة غير ناجحة .. أو ليست الاسلوب الامثل فى التخطيط لحياتك انت بالذات ..

جربت أن تقسم يومك بالساعات الدقيقة ففشلت .. جربت أن تضع اهدافا وتلتزم بها ففشلت .. جربت عادات يومية ومرت أيام ولم تستمر .. اصابك الاحباط والاكتئاب والقلق .. مبروك يا صديقى .. هذه بشارات انك تنتقل من رحالة مبتدىء إلى خبير .. انت تتعلم من اخطائك السابقة .. تسافر كل مرة فى رحلة لتدرك انك لا تحتاج لهذا المعطف .. ولا هذه المجموعة الكاملة من أدوات التجميل .. ستجد ان هذه الاحتياطات مع الوقت لا تستخدم ابدا .. فلا معنى لحملها حتى لو كان عقلك يظن انها مهمة ويدرس احتمالات استخدامها .. الحقيقة انها لم تستخدم ولا مرة.

هناك حقيقة لابد ان تضعها فى حسبانك اثناء التخطيط لحياتك .. ان الانسان ملول .. وفضولى ..ومتعجل .. فإذا وضعت خطة مثالية لم تشمل هذه النقاط فهى خطة غير ناجحة .. أتت لى صديقتى مرة بمفكرة ذكية اعجبتنى .. كانت المفكرة تشمل مربعات صغيرة تضع فيها (نقاط الألم) و (المحفزات) و(العوائق) .. وجدت ان الانتباه لهذه الامور اثناء التخطيط واقعى جدا .. كيف تتجنب نقاط الالم .. كيف تستخدم المحفزات فى الدفع بك حينما تقف أو تمل .. كيف تحل العوائق .. كان الأمر يبدو لى واضحا لأول مرة .. أن هناك اشياء انسانية دائما ما اهملها وهذه الاشياء فى الحقيقة هى ما تجعل خطط حياتى لا تنجح .. فإذا ما رأيتها واضحة وتعاملت معها من منطلق انى انسانة ولست آلة .. تحقق لى نوع من السلام الداخلى وجعلنى اغفر لنفسى واعيد التجربة من جديد بلا يأس.

ايضا اثناء ما كنت اشعر بالتوهان من فرط الافكار التى تكاد تخنق عقلى اقترحت صديقة لى أن استخدم تطبيق موبايل بسيط للغاية اسمه (Google Keep) .. يمكنك ان ترمى فى هذا التطبيق اى فكرة تخطر على بالك .. مثلا أتانى وخز ضمير بتقصيرى فى صلة الارحام فأضع نقطة (زيارة عمى) .. خطر على بالى فكرة مقال فأضعها فى القائمة .. اريد قص شعرى .. السفر .. أى شىء .. عملية تفريغ لكل الهواجس والافكار التى فى عقلك .. ثم من وقت لآخر تنظر إلى القائمة وترتبها .. وكلما وجدت وقت فراغ .. احساس بالملل .. بالحيرة .. افتح القائمة و(نفذ) ما فيها .. النقطة الجيدة فى هذا الأمر انك عندما تجد نقطة استمرت فترة طويلة كأسبوعين مثلا ولم تنفذ فهذا معناه انها غير مهمة فى هذا الوقت .. أو انت لا تستطيع تنفيذها حاليا أو ليست من اولوياتك .. فأشطبها وبالتالى ستجد ببساطة انك احتفظت بالامتعة المهمة .. وتخلصت من الاشياء الاحتياطية التى يحتفظ بها عقلك بلا وعى..

عن تجربتى الشخصية فى التخطيط فهى لازالت طور التجارب المتعددة ولا اخفى عليك انه يمر على ايام استيقظ لا املك شىء محدد لفعله وهذا يجعلنى اشعر بلا انسانيتى ويصيبنى بالقلق .. لقد اكتشفت ان القلق فى ذاته له اسباب فإذا ما حلت اسبابه ذهب .. فوجدت ان تأنيب الضمير وعدم ثبات خطة واضحة هو السبب الاساسى .. لذلك عكفت على تجنب تأنيب الضمير الزائد وتقبل حقيقة انى اسعى وانى اثق فى ان الله سبحانه يبارك فى السعى ويهدى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) .. وأما افضل الطرق التى رأيتها حتى الان عملية (التفريغ) أولا بأول عن طريق الكتابة أو التنفيذ .. وعملية (الالتزام) بعادات قليلة محددة تصل بى إلى الهدف المراد .. وتقديم الاولويات على ما سواها.

الاستسلام للتفكير الزائد والقلق يقتل العقل تدريجيا لأنه يمنعه من التركيز فيما يملك حاليا .. وفيما حوله .. وما يأكل وما يرتدى .. انه لا يستطيع الاستمتاع بأى شىء لأنه دائما يفكر فى النقطة التالية .. ويظل يحسب كل الاحتمالات الغير واردة .. لقد وجدت ان التنفيذ هو افضل حل .. انه يجيب على الاسئلة (ماذا سيحدث لو) .. ووجدت ايضا ان سنة الله سبحانه فى الكون أن ينشأ كل شىء بالتدريج .. فالوردة لا تخرج مرة واحدة .. ولا الطفل فجأة يركض على السجاد .. بل كلا من مخلوقات الله سبحانه يأخذ وقته تماما فى التسوية والنضج .. وهكذا انت ايضا .. كى تبنى أى شىء .. أو تصل لأى هدف .. لابد ان تأخذ السلم واحدة واحدة بصبر وثبات .. وخير نصيحة فى الأعمال كلها قول النبى عليه الصلاة والسلام (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).




سمعت مقولة لدكتور ابراهيم الفقى رحمه الله أعجبتنى كثيرا (حينما تجد الباب مقفول فأعلم ان الله سبحانه يفتح لك باب آخر.. الأشخاص والأماكن والأشياء موجودة فى مراحل مختلفة من حياتك وليست دائما موجودة كى تكمل معك الطريق لنهايته .. وأن خطأ الناس وتعاستها أنها تصر على طرق الابواب المغلقة رغم انها لو ألتفت وحركت مقبض الباب الجديد لوجدته أنفتح بسهولة).

كنت اتسائل متى يعرف الانسان انه يسلك الطريق الخطأ .. انه يريد مرجع قوى وصادق وحكيم .. مرجع يعرف المستقبل ويرى بين الغيوم نهاية الطريق .. لكنه حينما يلتفت لا يجد أحد حوله يملك تلك النظارة .. يتكلمون بأفواههم كلاما لا يتجاوز سمعك .. كلامهم لا يجد صدى فى قلبك ولا منطق يرضى عقلك .. لذلك فإنى لا اؤمن بنظرية التيار الجارف .. أن تمشى معه حتى تجد الامان .. فحينما التفت للسمك حولى أجده تعيسا .. ينظر بشرود وقلق للمستقبل .. وكأنه ينتظر الايام كى تأتى وتأكل عمره الباقى ... وكأن يجره قطارا.. انى اسمع كلمات السخط الملفوف بالرضا المزيف .. كلمات من الدين وهى ابعد ما تكون عنه.. وكأن الدين جاء كى يلقى الناس بمسئولية اختيارهم على شماعة القدر .. مع ان القرءان يمتلىء بكلمات الجهاد والدفع والسير والتمسك .. (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) .. (قل سيروا فى الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق) .. (ادفع بالتى هى احسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم) .. (وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) .. هل يبدو لك ولو لوهلة أن هذا دين استسلامى؟ .. يدعو لترك نفسك حتى يسحبك التيار .. أم انه يحضك على المجاهدة والمقاومة واختيار الطريق بكامل قوتك  .. فأول شىء فى عقول الناس يجب ان يتغير .. أن يعرفوا ان استسلامهم ليس تدينا إنما فى حقيقته جهل بدين الله سبحانه.. فإذا ما فهموا ذلك تحرروا من أول قيد أحسبه يلتف بقوة حول عقولهم ويطرحها أرضا .. وهو قيد التدين المزيف.

القيد الثانى يتمثل فى مقولة الفيلم (H  دبور) الشهيرة .. (اعمل الصح) .. (أيوه يعنى أعمل ايه) .. فيردد الرجل ثانية (أعمل الصح) .. فتصرخ انت: (اعمل ايه) .. تود لو كُتبت الاجابة واضحة على السبورة .. تأتيك فى الحلم مثلا ... ترتسم السحب على هيئة كلمات واضحة .. لكن هذا الانسان المادى الذى يظن ان الاجابات يجب ان تكون مكتوبة بخط عريض واضح .. انك تشبه كثيرا بنى اسرائيل الذى قالوا لموسى عليه السلام (أرنا الله جهرة) .. وكأنهم حينما يرون الله سبحانه سيؤمنوا مثلا .. انظر كيف رد الله سبحانه علي هذا النوع من الناس .. او على هذا الجزء المادى الثقيل فى الانسان فى آية اخرى (ولو فتحنا عليهم بابا إلى السماء فظلوا فيه يعرجون .. لقالوا إنما سُكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون) .. إذا الايمان لا يستدعى ابدا ان ترى بعينك .. يمكنك ان ترى الايات كلها ثم لا تؤمن .. ويمكنك ان ترى آية صغيرة جدا .. فى خنفساء سوداء .. فى غروب الشمس ويمتلىء قلبك بالايمان .. لأن الانسان ليس من الطين فقط .. الانسان يملك روح بها من الذكاء والنور ما لا يعرفه الطين .. بل ان الروح هى التى تمد هذا الطين الثقيل بالحياة اصلا .. فعليك ان تعول كثيرا على هذه الروح .. وهذا القلب .. وأن تصدق انك تملك ملكات للفهم غير السمع والبصر .. وانهما ادوات تعين على الفهم .. وإلا فهل يمكن أن نقول على الاعمى أو الاصم انه لا انسان .. وانه لا يملك اى وسيلة للفهم .. كلا بالطبع.

إذا نحن نثق ان هناك أدوات اخرى للفهم .. وأن هدى الله سبحانه وجنده يمكن ان يكون أى شىء .. ستبدأ فى الفهم حينما تؤمن اولا ان الله سبحانه هو القيوم على عباده .. والعليم بأحوالهم .. والحكيم الذى يعرف الخير لهم .. حينما تؤمن بذلك ستفهم الرسائل جيدا .. قد تجد رسالة على هيئة ألم نفسى يحدث .. أو بدنى .. أو باب مغلق بإحكام .. انها اشياء جميعا مؤلمة .. لكن ألا ترى انها منبهات تخبرك ان هناك خطأ فى حياتك .. مسار غير صحيح .. ألم يقل الاطباء أنه لولا الألم ما أدرك الانسان المرض وحاول العلاج .. إذا اخرج من فقاعة (انا اتألم) وانظر لحكمة ذلك .. حينما يشتكى انسان من الابواب المغلقة .. هل حاولت فتح باب آخر .. هل سألت نفسك إذا كان ما وراء الباب المغلق شىء تريده بالفعل وتؤمن به .. أم انك تطرقه لأن الناس جميعا تفعل .. لو كنت تؤمن به سيٌفتح الباب يقينا .. ولو كنت تصرخ امام الباب كالاطفال لمجرد انك تريد الدخول فسيظل موصدا حتى تفهم الرسالة.

تجربتى الشخصية مع الابواب المغلقة كانت طويلة الامد .. ربما تتجاوز العشر سنوات .. ما بين طرق ويأس وتفكير ومحاولة لفتح أبواب أخرى .. ما رأيته فعلا ان الباب المغلق يكون مواربا ويسمح لك بالدخول قليلا .. لكنه يرتفع للسماء فى وقت معين .. وكأنه يخبرك بكل وضوح تفضل بالرحيل .. أرحل .. ليس هذا طريقك .. سواء فهمت هذا مبكرا أو بعد سنوات .. فإنك ستتبينه تماما .. وحينما التفتت إلى الباب المفتوح .. المسار الآخر وجدته مفروشا بالورود .. لا أعنى انه سهل ابدا .. ولكنه مبشر.. ويسعدنى  .. ويتوافق مع مبادئى ورسالتى فى الحياة .. ان صعوبته تدفع بداخلك بالمزيد من الدماء الحارة كى تتحداه .. ولم يكن هذا ليحدث أمام الباب المغلق.

صعوبة أن تسلك مسار جديد هو المطبات النفسية  وليس الطريق ذاته .. لأنى أرى ان الطريق يكون بالفعل ممهد داخلك .. وتوفيق الله سبحانه وكرمه لا حد له لو أخلصت النية وجردتها من الطمع وحب الشهرة والتميز وما إلى ذلك من نوايا تافهة .. ستجد انك ترمى بذرة صغيرة فتصير شجرة وترمى بجذورها فى الأرض .. لكن المطبات النفسية من شك وخوف وتردد هى التى تؤخرك سنوات عن اتباع الطريق الصحيح .. وقد رأيت رسم معبر يصور الانسان حين يخرج من المنطقة الأمنة إلى منطقة جديدة فإنه يلاقى اهتزاز الثقة والتأثر برأى الاخرين والرغبة فى الفرار .. لكنه ما أن يثبت قدميه حتى يدخل أرض جديدة مليئة بالثقة والسعادة .. يشبه هذا الأمر الرحلات البحرية واكتشاف القارات الجديدة .. بالتأكيد تتوقع أمواج عالية وليل دامس وأصوات رعد مرعبة.. ولكن الله سبحانه يبارك وينجى اصحاب النية الصادقة والهمم العالية.





ما هو التفكير الزائد ولماذا يحدث ..هل يحدث لأننا نفكر فى النتيجة كثيرا .. نبنى القصور قبل أن نملك الرمل أو نخلط الاسمنت أو نقيس المسافات .. هل نستعجل الوصول للغاية .. لماذا .. لأن العمر قصير .. ماذا سيحدث لو لم نصل بسرعة .. أن يسبقنا الاخرون مثلا .. أو نكبر سريعا فلا نملك القوة ولا الشباب لفعل ما نريد .. اننا بالتفكير الزائد نفقد قوتنا فعلا .. ننهش عظامنا وعقلنا وأعصابنا حتى يتبقى حطامها فقط فلا تستطيع العمل .. تخيل أن تستيقظ صباحا لتجد انك فقدت 25% من طاقتك قبل الفطور .. ثم على رأس الساعة تكون قد استنفدتها تماما .. فى ماذا .. التفكير الزائد.

اننى احاول معك الوصول لمكبح الفرامل .. الذى يوقف هذه التروس الرهيبة ويجعلها تهدأ .. تستمع باللحظة الحالية .. تسجلها فى الذاكرة وتضع بجانبها علامة السعادة .. كيف يمكن أن نحتفظ بلحظة لم نعشها .. لم نعيشها بمشاعرنا ونندمج فيها تماما .. لم نراها كاملة بأعيننا ونسمع الاصوات المحيطة .. أتعرف ان الذاكرة تخزن فقط تلك اللحظات التى يكون فيها وعيك حاضرا تماما .. انك لا تتذكر لحظات التوتر وما أكثرها .. لا تتذكر لحظات الضيق أو الملل .. تتذكر فقط تلك اللحظة التى شعرت بها بخرز الشاى ورائحته الشهية لأول مرة .. رغم انك شربته مئات المرات .. لكن فى مرة كنت راضيا .. ساكنا .. منتبها .. فأدركت حواسك جمال قطعة صغيرة من الكون المحيط .. ألتهمت ذاكرتك تلك القطعة ونمت عظامك وأعصابك .. بعد أمر الله ثم بفضل تلك اللحظات .. أنت قادر على أن تكمل الحياة.

كيف يمكن أن نحصل على لحظات مماثلة كثيرة .. أن نتوقف عن ضغط زر التالى فى ريموت حياتنا .. أحيانا أشعر وكأن عقل الانسان القلق يقفز للخانة التالية .. لا يستقر على مربع حتى يكون قد قفز لما بعده .. ولأن قفزاته سريعة فلا يستطيع أن يقرر تحديدا أى مربع هو التالى .. اليمين أم الشمال أم الامام .. فيضطرب ويحتار وينتقل إلى مرحلة القلق .. حيث يفقد العقل السيطرة ويصبح ورقة فى مهب الريح .. تستقر حينما تهدأ الزوابع الداخلية .. ليجد انه فى نهاية اليوم كالخرقة البالية التى أنفقت معظم قوتها فى التفكير لا فى العمل.

كيف السبيل إلى حل ذلك .. ربما كان الأمر يحتاج منا إلى التواضع .. الشعور بقيمتنا كمخلوقين .. لا يملكون أجندة لمعرفة القدر .. ولا المستقبل .. مهما بلغ ذكائك فى الحساب والاحتياط لن تستطيع أن تستنج لحظة واحدة قادمة .. هل فيها صحة أم مرض أم خبر حلو أم خطر .. احيانا أجد أناس ينقصهم أن يخُرجوا الالة الحاسبة حتى يعدوا ما تبقى من عمر .. وما سيأتيهم من المال .. انهم لا يدركون أسم الله الواسع .. فضله أوسع من خيالهم .. رحمته أوسع مما يظنون .. حكى أحمد الأعور مرة عن تجربته فى هذا المعنى قائلا (أن سعى واحد صغير جدا يقابله عطاء عظيم .. لذلك تعلمت أن السعى لا علاقة له بالعطاء اطلاقا) .. لذلك أقول لنفسى .. على أن اتوقف عن التفكير فى النتائج .. أن أفكر فى الخطوات البسيطة فقط وأن أفعلها ..ربما 3 خطوات يومية كافية ..  أليس هذا سهل جدا .. نعم يمكنك فعله .. إنى لأذكر فى فترة أخذت أبحث عن شقة وأخذ الامر منى شهرين تقريبا من البحث المتعب فى الحر والشمس .. حتى إذا شعرنا باليأس وقلت لأمى تعالى نجرب أخر مرة .. وقعت أيدينا على شقة أفضل من كل ما رأيناه واستقر أختيارنا فى لحظتها دون تردد .. وكأن الله سبحانه يرسل رسالة صريحة وواضحة .. (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ .. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ .. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ)... فاللهم لك الحمد.

لقد قطعت وقطع غيرى أشواط فى التخطيط لحياتهم .. غير انى اجد من أفلح فى ذلك هم الصابرون .. الذين جربوا وفشلوا .. ثم تعلموا فجربوا ثانية وفشلوا .. وهكذا حتى تعلموا كيف يفكر عقلهم .. وما قدراتهم .. وشكل يومهم .. فوضعوا خطة موضوعية تناسب كل ذلك .. واثناء ذلك عبروا الكثير من الامواج .. امواج الاحباط والتخبط والشك .. حتى وصلوا لشكل حياة يرضون عنه بشكل كبير .. أحيانا أشعر بالغرق .. وكثرة المسارات والخوف من المستقبل .. لكن ما ينقذنى فى كل ذلك التشبث بخشبة فى عرض البحر والنظر للسماء .. وإنى لأثق انه لا يشقى ابدا احدا بالدعاء ..







لو تركت النفس لهواها لفعلت كل شىء خطأ .. لأكلت الحلويات بدلا من الفاكهة .. لأستسلمت للنوم بدلا من العمل أو المذاكرة .. لفضلت الجلوس والثرثرة الفارغة على القيام للمشى وضبط الصحة ... ستفتح التلفزيون بدلا من قراءة كتاب .. ستأكل كثيرا بدلا من أن تشرب .. اننى استغرب هل تريد هلاكى .. أليست هى بضع منى وسعادتها فى سعادتى .. فلماذا هى حمقاء .. عمياء .. لا ترى أثر ذلك كله على المستقبل .. انها لو امتلكت بعض من الحكمة لرأت انسان ممتلىء ثقيل الحركة ملىء بالترهلات .. وحيد منبوذ بسبب ما أحدثته ثورات غضبه وانفعالاته من خسارة الناس .. ضيق أفقه وتفكيره وحتى إحساسه بسبب قلة القراءة .. ألا تعرف أن محصلة هذه العادات السيئة التى تحاول دوما ان تقنعنى (خليها بس المرة دى) .. أن محصلتها ستؤدى حتما إلى هذا المصير .. وانها لا تكف عن الزن .. وعن الاستسلام للكسل والرغبة ... تبدو لى كطفل صعب المراس .. طفل لابد من تربيته وإلا شب وهو يقرعنى بالعصا ويصرخ فى وجهى.

لقد أدركت النفس لابد لها من مجاهدة .. بل أن الجهاد الاكبر فيها.. قد تقول ولكنها أنا فلما أعذبها؟ .. هل توجد أم تكره أولادها .. أو تريد بهم الشر .. هل يمكننا أن نتهم أم تعاقب أبنها انها قاسية .. بل انها لو لم تفعل ذلك لقلنا عليها مهملة .. وانها تفرغت للنوم بينما أولادها يشبوا على سوء الخلق .. لذلك فإن حرمان النفس أحيانا يجعلها تنتبه إلى وجود سلطة عالية تتحكم بها .. هذه السلطة ستربيها وتجعلها تعتاد بل وتحب كل ما ينفعها .. سيجعلها تشرب الشاى بلا سكر .. تمشى فى اليوم ساعة ... تستيقظ بنشاط فى الصباح وهى تخطط ليومها .. جعل الله سبحانه النفس كقطعة الصلصال تتشكل بأمر صاحبها .. قال الله سبحانه (ونفس وما سواها .. فألهمها فجورها وتقواها .. قد أفلح من زكاها .. وقد خاب من داسها) .. والتربية أمر ممتع .. أن ترى شىء ليس له هوية ثم تكون أنت سبب تشكله وتكون هويته .. أنك قمت بدور عظيم وربيت ابن غالى عليك ..  فكيف يمكن التعليم والتربية؟

هل يكون بقرع العصا .. بالدايت القاسى .. أو العمل حتى الثلث الاخير من الليل .. أو ملء خانات اليوم بخطة تسد مسامه تماما وتصيبك بالاختناق .. لقد فشل كل هذا فشلا ذريعا .. والنماذج التى نجحت بهذه الطريقة لم يستمر نجاحها .. لأنها كانت تريد نجاح وقتى فحصلت عليه .. ولو كانت تريد الإصلاح التام لحصلت عليه ايضا .. لقد سمعت مقولة ووجدتها حقيقية تماما (ان الانسان يحصل على ما يريد بالضبط .. لو أراد الشر سيصل إليه .. ولو أراد الخير لهُدى إليه .. لو أراد الحب سيحصل عليه .. وانها مسألة صبر حتى يرى بعد عمر طويل نتيجة ما اختاره) .. ربما لأننا داخل الفقاعة لا نرى .. حينما تكون فى شبابك تغتر بالقوة .. والصحة .. والاحتمالات الكثيرة التى تجعلنا لا نرى نهاية كل طريق اختارناه .. لكن الحقيقة الكونية الواضحة فى كل شىء .. أن المبنى الذى بُنى على اساس ضعيف .. ومبعثر .. وبأيدى عمال غير مخلصين ولا جادين .. فإن عمره قصير وسكانه خائفين.. وأن المبنى الذى بُنى على عجل وفى وقت قصير عرضة لأكتشاف أخطاء بناء قاتلة فيه .. أو اكتشاف تصميم مشوه .. فالصحيح ان المبنى بحاجة إلى تخطيط جيد فى البداية .. وإلى وقت كافى لوضع الحديد والطوب والارتفاع بالادوار .. لذلك فإن أفضل طريقة لتربية النفس هى التعود البطىء .. والتركيز على هذه العادات البسيطة واعتبارها نجاحا حقيقيا .. نجاح يفوق بكثير أى منصب عالى تطمح إليه .. أو شكل تود أن تكون عليه .. لأنه يمثل نجاحك فى التربية .. وفى إستمرارية هذا الابن على ما عودته عليه من عمل صالح ينفعه ..

النجاحات الخارجية لها طعم يزول فى لحظات .. ربما يزول بعد قطع التورتة وفك البلالين .. لكن النجاح الداخلى لا يعرف كم سعادته سوى الله ثم أنت .. نجاحك فى ترويض نفسك على الاكل القليل .. أو كظم الغضب .. أو العطاء بعد إعتياد البخل ..ليس هناك كم من التصفيق والثناء كافى كى يكافئك على ما فعلت.. وليس هناك من يهمه اصلا ..  لكنه رب العالمين الذى يريدك افضل نسخة من نفسك .. ومكافائته بالبركة والثواب وإمدادك بالسعادة والحكمة لهى كافية جدا.




هناك أناس تتعامل مع صدماتهم العاطفية بأن تضيف لها المزيد من الوقت .. والمزيد من البهارات والتوابل .. حتى تختمر القصة تماما فى عقل صاحبها ويصبح من الصعب عليه أن يتخلص من أثرها .. هولاء الذين ينكبون على الاغانى العاطفية .. وتصفح بروفايل من تركهم من حين لآخر للاطمئنان على نتيجة الغدر .. وفى تقليب الصور والسهر كى تلازمهم الذكرى ليل نهار .. لذلك فهى تبقى معهم بالسنوات .. بحزنها وألمها .. وكأن للألم لذة مثلا .. وكأنه لا يسحب انفاس العمر والقوة والتركيز .. ويمتص السعادة من قلب صاحبه ... من يفعل ذلك يقول واثقا (لا أستطيع أن أنسى) .. والحقيقة انه لا يريد النسيان .. خائف منه .. وكأنه لو نسى فقد تخلى عن جزء منه .. يعتبر انه تركيب من تجارب الماضى .. فلو نسى التجارب الاكثر قسوة فهذا معناه انه يفقد نفسه .. والحقيقة التى يجب أن يدركها .. ان أى بناء إذا لم يتم ترميمه من حين لآخر .. وأصلاح الاسانسير .. وإسكان سكان جدد .. فأنه محكوم عليه بالهدم لا محالة.

لكنى رأيت أناسا فى الحقيقة اذكياء جدا .. يفرون من الماضى فرا .. لا يمنحون فرصة لألتقاط انفاسهم والالتفات للوراء .. هم فقط فى لحظة الفراق يركضون .. يمسحون الرسائل.. يوقفون المتابعة ورغم يقوموا بحظر الدخول لهذا الشخص .. يدخلوا فى حلم جديد .. وصداقة جديدة .. لا يسمحون للألم ان يستشرى بداخلهم .. ربما هم أضعف من أن يتحملوه .. ربما هم ينظرون بأمل إلى المستقبل الذى يحمل لهم العوض عن كل ما فات .. ربما يعرفون أن الحياة قصيرة جدا .. لدرجة انه لا يستحق ان نقف سنوات كاملة حدادا على اناس نسونا أو سينسونا حتما .. ربما هم يحبون انفسهم لدرجة ان يبعدوا عنها كل ما يؤذى .. الذكرى السيئة .. الطعام الضار .. انى احترم هولاء جدا رغم ما يبدوا من قسوتهم .. ربما بعضا منهم قساة وانانيون فعلا .. ويسحقون الماضى بأقدامهم كى لا يبقى أثر لعاطفة أو حب .. لكنى اتحدث عن هولاء الذين يحبون أنفسهم .. ويحبون الخير لها .. ويرون انها لن تستطيع أن تعطى لو كانت غير سعيدة .. لن تستطيع أن تحيا وتتحرك وسط الألم .. والحقيقة أن هذا من الدين .. أن لا يمكث الانسان طويلا فى الحزن .. يقول الله سبحانه (فأبدلكم غما بغم كى لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ) .. أن يدرك الانسان ان هذه الدنيا مراحل وأيام تتقلب .. يوم لك ويوم عليك .. وانها قصيرة جدا والهدف منها هو إعمار الاخرة .. فهل نضيع العمر الذى نغفل عن سرعة تسربه بسنوات فى الحزن .. هل نعرف كم سنعيش أصلا .. ضمنا أن نصل للستون جميعا .. وأن نكون على قوتنا وصحتنا كى نعبد ونستزيد من الحسنات .. أم اننا زاهدون فيها ولا يفرق ما إن كنا فى اسفل درجة من الجنة أو الاقرب لله .. يقول الله سبحانه (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض) .. اننى حينما افكر فى الحسرة او الندم يوم القيامة حينما ينظر الانسان فيجد نفسه بعيدا عن الله سبحانه – والعياذ بالله .. بعيدا عن مناجاته .. عن النظر إليه .. عن الفردوس .. يقول الله سبحانه (فإما إن كان من المقربين .. فروح وريحان وجنة نعيم) .. ألا تسأل نفسك وتتمنى ان تعرف ما هى الروح .. ان الشيطان يفعل بنا الافاعيل كى لا ندرك جنة الله سبحانه .. يدخل لنا من جميع الابواب حتى قالوا انه يدخل من 99 بابا للخير حتى يقودك إلى باب واحد من الشر .. يوهمك بطهارة الحب .. وعذاب الشوق .. ومتاهات لا حصر لها طوال حياتك .. لذلك نبهنا الله دائما فى القرءان (ونادهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) .. (إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا) .. (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).

ما اطلبه منك لا أن تصبح بلا ذكريات .. ولكن ان تنتقى الذكريات .. وترى الدروس والعبر بعيون مفتوحة جدا .. يمكن لك ان تسأل عن اخبار من ظلمك فقد لكى تتأكد انه لم يتهنى بظلمه (ودعنى اخبرك انك لست بحاجة للتقصى .. فخبره سيأتى إليك دون سؤال) .. يمكن لك ان تغفر وتسامح كى تلقى عن كاهلك الألم فإنى اجد ان 100% من الألم سببه انك لم تسامحه بعد .. فيكون التفكير الذكى هو انك الاهم .. تسامح فيزول الالم تماما بل وربما تدعو له .. فسبحان الله الذى جعل الحب فى العطاء .. وجعل السعادة فى المغفرة .. يقول الله سبحانه (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) ..

انى اجد الانسان الذكى هو الذى يتخلص من الاعشاب الضارة باكرا .. كى يفسح المكان لزرع ورود جديدة ..هناك ورود عليك ان تسقيها كل يوم .. هى من الماضى لكن وجودها مهم كى تصبح انسانا أفضل .. كذكرى أبيك وأمك .. كذكرى عزيز لديك .. سقايتك لها هو أن تدعو لهم .. كلما سقطت من عينك دمعة فأجعلها ثقل فى ميزانهم .. حينها ستصبح دموعك انهارا حقيقية تفيض بالخير على الاحياء والاموات.




أحيانا أشعر ان الحيرة تقيدنى وتجعلنى مشلولة .. أقف امام اختيارات كثيرة لا أعرف بمن ابدء بها أولا .. يخُيل لى أنى أستطيع فعل ذلك كله فى وقت واحد .. نفس واحد .. ثم أجد محصلة هذا التشتت صفر .. لا نتيجة سوى التوتر الذى يصل أحيانا ان يجعل انفاسى تتلاحق .. وكأنى اركض وراء قطار سريع .. وفجأة اقرر انى لم اعد اريد اللحاق به .. فليذهب حيث يذهب .. فليركض ويبتعد .. كل ما أريده هو لحظات من السلام .. محصلة هذه الاهداف جميعا أن اجد الحب والسعادة .. فإذا كانت القطار يذهب لجهة مختلفة فلا أريده .. أعترف انى ركضت فى حياتى كثيرا .. وهو ليس بشىء ألومه على نفسى ابدا فأنا احب العمل والاجتهاد .. لكنى ألوم عليها انها ركضت بلا هدف حقيقى .. بلا حلم نابع من القلب فعلا .. ربما الكتابة والسفر هما ما كانا نابعان من القلب لذلك احتفظ بذكريات كثيرة لهم .. وحب جارف .. وتمسك بهم حتى اخر العمر إن شاء الله .. أما ما عدا ذلك فقد تمسكت بعمل لا احبه .. والحقيقة اننى تمسكت بالنجاح والمال ورضا الرؤساء الذين كنت اعاملهم وصراع فى داخلى ما بين عزة نفسى وانى لا اقبل ان اتودد لأحد كى يرضى عنى .. وبين حقيقة انه مدير فى الشركة عليك ان تحسب له حساب .. فكانت النتيجة انى كنت اعاملهم بجفاء وعداء .. ربما لو كانوا اناسا عادية ما عاديتهم هكذا .. لكن الصراع الذى فى داخلى جعلنى لا اطيقهم .. وخصوصا ان المدير فى بلادنا تلك يلعب دور الاب أو الام ولا يتقبل حقيقة انه مثل غيره .. يحُترم لأجل كفاءته وليس مركزه .. هذه السنوات الطويلة من العمر داخل شركات مبهرة من الخارج لكنها كالتفاحة المتعفنة .. ربما وجدت أكثر راحتى فى الشركات الصغيرة حيث لا يزال الشباب الصغير يضحك من قلبه ويحبون بعضهم بحق .. حصيلة هذه السنوات انى لم اعد اطيق العمل داخل تلك المعلبات التى تخنق الافكار والمشاعر .. تسائلت فى نفسى هل هى مشكلة عملى ذاته ام أماكن العمل .. هل عملى الذى يتطلب ان اجلس بالساعات الطويلة أمام جهاز لا يشعر .. لا يتكلم .. لا يربت عليك .. لا يحفزك ..لا يفعل شىء سوى الرد بطريقة باردة .. هل كرهت غبائه لأن كان على أن أكتب سطور طويلة كى يفعل شىء صغير .. أم كرهت الوحدة التى اعانيها وانا معه .. هكذا ظللت أفكر سنوات ثم حاولت الدخول فى مجال آخر أحب الى قلبى وهو علم النفس فوجدت انى استمتع كثيرا .. واقرأ فيه يشغف .. واحضر محاضرات دون دعوة .. واراقب سلوك الناس لساعات دون ملل .. وجدت انى حينما ألقى محاضرة عن موضوع فى العلوم الانسانية اكون متوهجة بالحماس .. والايمان بما أقول وبإن هذا الكلام سيجعل حياة الناس أفضل .. أحببت هذا العلم لكنى كى اخرج من منطقة الامان الى منطقة جديدة فإنك تواجه الكثير من الخوف وانعدام الثقة وربما تفر عائدا إلى احضان زوجك الذى تكرهينه .. لكن سنوات طويلة من تجاهل القلب وأنينه وندائه جعلتنى أفكر انى اريد قطرات من السعادة الحقيقية.. وانى متمسكة بهذه القطرات كما لم أفعل من قبل..

ان قلبى لم يعد يحتمل المزيد من القسوة .. والجفاء .. لأن هذا يؤدى تدريجيا للمرض النفسى .. للندم .. للابتعاد عن السعادة بقارات حتى لم يعد بإمكانك العودة إليها .. اننى لا اصدق مقولة (يمكنك ان تفعل اى شىء فى أى وقت) فكل عمر له جماله وله احتياجته التى إذا لم تلبيها .. ثم حاولت تحقيقها فى الكبر لم تجدها بنفس الطعم ابدا .. ولربما أعراض المراهقة المتأخرة التى تحدث لكثير من كبار السن نتيجة لأنهم قسوا على أنفسهم فى الشباب..


 اننى افكر جيدا الان كيف بدأ الطريق .. لقد بدأ بإتباع الموجة الموجودة .. موجة الجامعات الكبيرة والالقاب وبريق المال .. ثم انك حينما تركب تلك الموجة تظل تتحرك فيها بقوة لأنك لا ترضى بالفشل .. ثم انك تجد نفسك عالقا فى المسئوليات والاحتياج للعمل لأنك اصبحت مسئولا عن نفسك .. وهذا لا خلاف عليه .. لكن الخلاف ظنك ان المال يأتى من مكان واحد .. وانه لا سبيل له سوى بالخنق والتعذيب .. بينما الحقيقة انك لو استخدمت مواهبك الفطرية ونميتها فى اتجاهها الصحيح .. لكنت أكثر نفعا لنفسك ولمن حولك ولجنيت مالا طيبا مباركا .. لأنك حينها ستعطى العمل قوتك وقلبك وإخلاصك .. لإنك حينها لن تنفق ساعات مملة تحاول ان تملأها بعشرات من اكواب القهوة .. والممازحة مع زملائك .. وفعل أى شىء يقتل الوقت .. اننا نريد إحياء عمرنا وليس قتله .. ولن يكون ذلك سوى حينما يُوضع كل شىء فى محله ..


كيف السبيل إلى ذلك .. أولا التوكل على الله والإيمان انه سيهديك إن شاء الله .. ربنا عز وجل قال (الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى) .. ستجد ان جميع المخلوقات الغير عاقلة تفعل مهمتها فقط .. الكلب يحرس والنحل يخرج العسل والحمار يحمل .. حتى فقمة البحر والتمساح كلهم يقومون بأدوراهم دونما تفكير .. ما سمعنا عن نحلة قررت التخصص فى حراسة البيوت مثلا .. هكذا الكون يسير بحكمة خالقه سبحانه .. فعندما تتوكل على الله سبحانه وتقول (اللهم هيىء لى من أمرى رشدا) .. فتأكد انه سيوفقك لما يجعلك افضل نسخة من نفسك .. ثم عليك بالاخذ بالاسباب ومنها اجراء اختبارات الشخصية ك 16 personalities  والتحدث إلى متخصص فى مجال ادارة الحياة .. والكتابة كل يوم .. الكتابة ستساعدك فى اخراج مكنون نفسك .. فى التعرف إليها وقرائتها .. شيئا فشيئا سيتضح الطريق ويكون عليك القرار .. أن تبدأ طريق جديد يلائم مواهبك الفطرية ويجعلك أسعد حالا واهنأ بالا .. وهذا القرار سهل جدا لو اخذته تدريجيا بخطوات ثابتة إن شاء الله.