لماذا احب الشباب برنامج الدحيح؟
شاهدت منذ زمن حلقة لبرنامج(الدحيح)
.. وجذب انتباهى اسلوبه الساخر غير التقليدى فى تقديم المعلومة .. هو بارع فى اختيار
العناوين وفى الاتيان بمعلومات غريبة - وربما صادمة احيانا - بمراجع يمكن للناس الرجوع إليها ..
لكنى أعترف انى لم افتش حينها فى المراجع التى يأتى بها ولم اهتم بالبحث ورائه.
حينما شاهدت حلقة دكتور أياد
القنيبى التى أنتقد فيها (الدحيح).. ادركت انه عادة ما يأتى بمراجع غير
حيادية تتناول وجهة نظر واحدة وهم الملحدون .. وهذا لا يعتبى بحث علمى يمكن أن أصل
به إلى استنتاج مريح .. فالابحاث العلمية .. ومن يريد تقديم المعرفة دون تحيزات لا
يلجأ لكاتب واحدة .. أو مفكر واحد.. بل يجب أن يملك نهم كبير للوصول لحقيقة الأشياء
والبحث فى مصادر عدة .. هذا دفعنى للتفكير .. لماذا أحب الشباب المصرى هذا
البرنامج وتابعه بشغف؟
الحقيقة ان هناك ظاهرة اجتماعية لا
تخفى على أحد فى المجتمع المصرى خصوصا وقد اصبحت هى العرف السائد .. ظاهرة
(الفهلوة) .. ومعناها انك تريد ان تعرض شيئا مبهرا .. يجذب الانتباه .. سواء كان هذا
الشىء طعام أو ملابس او تطبيق هاتف أو حتى بحث علمى .. دون الاهتمام حقا بجودته ..
فتجد ان بنيته الداخلية هشة .. ما ان يتعرض المنتج لضغوطات معينة لا يلبث أن ينهار
.. لأننا لم ننفق الوقت اللازم لإنضاجه واتقانه .. ولأنه لم تكن النية اصلا التعلم
أو النفع .. إنما المكسب والنجاح والظهور .. لذلك تجد العلماء حقا مجهولون ..
والمفكرين اصحاب المعرفة الواسعة لا يعرفهم الكثير .. والمنتج الجيد لا تتعدى
سمعته نطاق الاقارب والاصحاب واهل المنطقة .. لكن أصحاب الكاريزما والبروباجندا
يمكنه أن يحصد الكثير من الانتباه والاعجاب.
لذلك تفسير ظاهرة (الدحيح) تشبه
ظاهرة (مسرح مصر) .. نفس النجاح الساحق .. ونفس القيمة .. لا شىء على الأطلاق ..
اشعر حينما شاهدت حلقة من البرنامج انه يأخذنى إلى اللاشىء .. الأمور غير متصلة ..
المعلومات ناقصة واحيانا شاذة .. وكأن الهدف هو أن تغرق لا ان يستنير عقلك ..
العلم الحقيقى يبنى العقل لا يشوشه ..لذلك تجد العلماء اصلا يبنون نظرياتهم على
بعض .. ويبدأون من حيث انتهى الخيط .. فتجد فى النهاية شىء منطقى .. رائع .. يأخذ
بيد البشرية إلى افاق جديدة .. لا أن يأخذها إلى ظلمات الحيرة .. ومفاجآت صادمة.
حينما كنت اشاهد العالمة الصغيرة
التى قادت فريقها لتصوير الثقب الاسود لأول مرة .. وجدت انها قد استندت فى تجميع
الصورة إلى صور من الكون .. من حياتنا اليومية .. من الكواكب والنجوم التى نراقبها
.. لقد وجدت (مجسم) متطابق فى كل ذلك على هيئة دائرة .. ومن هذا المجسم انطلقت كى
تصل ببساطة إلى صورة جرم بعيد .. بعيد للغاية.
لقد بدأت باليقين لا بالشك ...
اليقين فى ان هناك حكمة كبيرة لهذا الكون .. وهناك ادوات لو استخدمتها ستصل .. لا
يوجد عالم وصل ابدا لنتيجة دون هذا اليقين .. وهذا الذى جعله يستمر فى المحاولة
... لأن اكتشاف الكون ليس امرا سهلا ويحتاج إلى عقل منظم قادر على التفكير بذكاء
.. قادر على الغوص فى الاعماق واستنباط العلاقات .. أما ان تعتمد فى القفز بين الكتب
والمراجع كى تلتقط من هنا وهناك ما يؤيد (وجهة نظر) فهذا ليس أمانة العلم ولا هدفه
.. وليس جدير أن يُلتفت إليه اصلا.
هناك العديد من الناس وقعت فى فخ أن(الشك أساس الوصول للحقيقة)وآمنت به كمفسر لكل شىء .. تخيل انك تريد ان تبنى بنيانا وكلما رسمت تصور شككت
انه ليس مناسبا فهدمته ... هل عندها ستبنى اى شىء؟ .. هل سيكون هناك فن للعمارة
يسلم بعضه بعضا ويتطور ويكبر ... بل ستظل دائما واقفا عند نفس النقطة ... وتعتبر
الامر عبثيا بالكلية.. لا اعتقد ابدا ان احدا من العلماء ادعى انه شك فى كل النظريات الموجودة .. بل هو نظر لغير
المنطقى منها ونقدها .. وحاول النظر للأمر بزواية جديدة .. اعترف ان العقل البشرى
بغروره يريد ان يثبت انه قادر على اختراق الكون وليس اكتشافه ... قادر على ان يكتشف عيوب مفاجئة ويفضح اخطائه ..
لكنه لا يفهم ان هذا الكون كامل
وبديع ومخلوق بدقة متناهية ..
وأن دور الانسان الحقيقى هو ان
يدرك ذلك بالفعل..
No comments:
Post a Comment