هل التشتت مرض؟
ظللت دهرا من الزمن افكر فى التشتت
.. اعيش بداخله .. اشعر انه يمزقنى ويشل حركتى .. كلما وضعت خطة ألتفت فأجد
اختيارات اخرى لم تكن فى الحسبان .. فأضع خطة بديلة .. ثم أكرر الأمر مرات حتى
انسى ما كتبته .. انسى من اين بدأت واين على ان اتوقف .. فيغمرنى الكثير من
الاحباط والاحساس بالعجز .. فأغلق باب التخطيط واستسلم لفكرة (انى مشتتة).
ولكن ذات يوم تنبهت انى افكر فى
الأمر كمشكلة .. كمرض .. ولكنه فى الحقيقة عكس ذلك تماما .. انت لست عاجزا بل
امامك الكثير من الخيارات .. وتشعر بقدرتك على فعلهم ... ليس هناك ما يعيقك عن
القيام بذلك والحمد لله ... فهل هذه مشكلة أم نعمة؟ .. قكرت كم ان الشيطان لعين
بحق .. قادر على تلبيس الحق بالباطل .. وعلى ان يجعلنا نرى النعمة نقمة .. وإن لم
نملك استراتيجات لمقاومة هذه الافكار السلبية فإننا نعطيه السيف الذى يقتلنا به ..
يقتل ارادتنا وحبنا للحياة ..
عندما عدت للتفكير فى مسألة
الخيارات بزواية مختلفة وجدت اننا نملك نعمة عظيمة .. وهى الاختيار ... وهى
مسئولية لذلك نشعر بالمعاناة ونحن نفعلها .. نحن نفكر فى الأفضل دائما .. الذى
يجعلنا سعداء .. والذى يجعلنا نقوم بالامثل بما لا يسبب تأنيب ضمير او ندم .. نقف
امام صف الاطعمة نريد اختيار الاشهى .. ولكن فى الحقيقة ان اى اختيار بالفعل
سيشعرنا بالامتلاء .. ولن نشعر بالندم كثيرا لو كان هدفنا فقط هو تهدئة جوعنا ..
والحقيقة ايضا اننا حينما نجرب مرة سنكون قد عرفنا الاجابة ... هذا حلو .. هذا مر
.. هذا حامض وهكذا .. يعنى لن نعرف الاجابة ابدا سوى حينما نمد ايدينا ونأكل ..
قبل ذلك سنظل جوعى حائرين .. والأهم .. سيظل السؤال بلا أجابة.
ان مشكلتنا ليست فى الخيارات إنما
فى الطمع .. الانسان الذى يريد ان يأخذ كل شىء لن يحصل على شىء .. انها حكمة قديمة
ازلية .. لا يصلح ان تفكر فى المال والشهرة والحب والثواب كل هذا فى وقت واحد ...
عليك بمعرفة ما الحافز الاساسى الذى يحركك وان تكون شديد الصدق فى ذلك ... فلو كنت
تريد القرب من رب العالمين بصدق فعليك ان تختار الأعمال الذى تقربك منه وتثق انه
سيهديك إليه لا محالة وسيرشدك لطريقه .. ولو كنت تتوق للحب والمشاعر الانسانية
فأنشطتك اليومية لابد ان تلبى هذه الحاجة .. ولو كنت فى حاجة ماسة إلى المال فلا
يعقل ان تنفق وتذهب للسينما وتسافر وانت على هذا الحال .. الأمر كله يكمن فى الحاجة
الداخلية الملحة عليك .. تأكد انها الاولوية التى يجب ان تضع لها خطة الحركة...
والتى حينما تلبيها من خلال افعالك اليومية ستجد خزان الرضا داخلك قد بدأ فى
الامتلاء .. وستجد ان توترك ومشاعرك السلبية واحباطك فى الحياة قد خف كثيرا.
ابدأ فى سؤال نفسك بضعة اسئلة تصل
من خلالها إلى الحاجة الملحة .. امسك ورقة وقلم وانفق بعضا من الوقت ليس فى
التخطيط لأهداف تبدو كقلاع وهمية بعيدة خادعة للعين .. إنما فى وضع اليد على ما تريد بالفعل ..
حينما سيصبح العقل قادرا على التركيز .. وسيتحد القلب والعقل اخيرا فى هذه المعركة
كى يساعداك بإذن الله .. التشتت يعنى صراع .. والانسان لا يستطيع ان يعمل ويبنى وهو
فى حرب .. فعليه ان يحل الصراع اولا .. ولابد ان تعرف ان هذه الحرب ضرورية جدا للوصول
للسلام النفسى ... فلولاها بعد امر الله لما تحركت فينا الارادة والرغبة الشديدة
فى الوصول للسلام .. لما حاولنا ولا تعلمنا .. فكل مرة تمر بتجربة التشتت تتعلم
امرا جديدا عن نفسك .. وعن عاداتك اليومية .. وما الوقت الذى تكون فيه اكثر نشاطا
.. وما الوقت الذى يقل فيه انجازك .. ما الذى تحتاجه ويحفزك .. وما الذى لا يحركك
من مكانك .. وهكذا .. رحلة المعاناة هذه مر بها كل الناجحون .. وكانت هى الجزء الذى
يتفاخرون به فى مذكراتهم.
No comments:
Post a Comment