إلى من لم يجد طريقه بعد




فى مسلسل (لن اعيش فى جلباب أبى) والذى كان يجسد قصة كثير من الشباب اليوم .. اقصد الأبن وليس الأب .. الشاب الذى يملك الكثير من الخيارات الملىء بالحيرة .. الباحث عن الاجابة الصحيحة التى تريح ضميره .. والطريق الذى يثبت اقدامه عليه بثقة وقوة .. وهو فى اثناء ذلك يخطىء كثيرا .. ويحبط اكثر .. ويستسلم بالايام وربما الشهور ليعاود المحاولة من جديد .. والاخفاق من جديد .. وأكاد اجزم انه اخفاق نفسى قبل ان يكون واقعيا ... انه يتوقف اصلا قبل ان يجنى اى ثمرة .. واهله من خلفه يجلدون ظهره .. واصدقاءه يركضون امامه تاركينه خلفهم .. هولاء الشباب غالبا ما يكونوا ميسورين الحال لأنهم يملكون رفاهية الاختيار اصلا .. رفاهية التردد والمكوث فى المنزل .. هذا الشاب (عبد الوهاب) كان متهما دائما فى المسلسل .. متهم بالخيبة والفشل ... هكذا يراه ابوه الذى لم يعش ظروفه المرفهة ... وظل يعايره ويحطم معنوياته بدلا من أن يكون مرشدا له ... فهل يا ترى كان (عبد الوهاب) جانى أم مجنى عليه؟

اولا دعنا نتفق ان ظروفنا التى وُلدنا داخلها ليس قدرا نختاره .. وبالتالى فلا يمكن أن نلوم الظروف قط على ما نحن عليه .. كونك قد خُلقت غنيا فهذه ميزة وليست عيب او اتهام  .. ولقد رأيت اناسا ولدوا اغنياء كأحمد الشقيرى مثلا ومذكراته مليئة بالانجازات والعمل والمحاولات المستمرة .. وهذا اعطانى فكرة مختلفة تماما عن حياة الاغنياء التى كنت اظنها فراغا وتيها .. لذلك الظروف عامل مساعد سواء فى حالتى الغنى والفقر .. البيت الهادىء الملىء بالحب أو البيت المتضرم بالشجارات والمشاكل .. صدق هذا أو لا تصدقه .. ولكن حينما ننظر لتاريخ الناجحين لا نستطيع ابدا ان نجد ظروف بيوتهم وعوائلهم بل وبلادهم متشابهة .. لقد نشأوا فى ظروف متباينة لا يجمع بينها خيط يمكن ان نستند عليه كمسكن لضمائرنا وحجة لأستسلامنا .. فدعنا نخُرج هذا العامل ونعتبره شىء موجود علينا ان (نتعايش) معه كما يتعايش كل الناس .. ونوقن ان الله سبحانه وعد بالتغيير إذا ما صبرنا وحاولنا نحن ايضا التغيير فيهم .. لقد رأيت بعينى اسر قد تغيرت وانصلح حال بيوتها بفضل الله عز وجل الذى ألهم اولادهم الصبر عليهم ومحاولة تغييرهم بالرفق والاحسان .. فهذا أمر عليك ان تصدقه وتؤمن به .. ان الله يجعل من كل ضيق مخرجا.. ومن كل هم فرجا.

فإذا ما تعايشنا مع هذا العامل .. سيبقى العامل الأهم هو انت .. انت ايها الغريق فى البحر .. الذى يبحث عن جزيرة يستقر عليها .. والذى تعب من العوم فى الاتجاهات الاربعة .. انت بحاجة إلى بوصلة ترشدك .. لو وجدتها فقط بإمكانك الصبر حتى الوصول ... لو تجدها فقط!!

كنت اسمع حلقة لمصطفى حسنى بدأت بتلك الاية (فلو انهم فعلوا ما يُوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا .. وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما .. ولهديناهم صراطا مستقيما) ... لقد شعرت كأنها تتوجه إلى مكان الألم مباشرة .. تذكرت ذلك المشهد فى المسلسل بعدما فشل عبد الوهاب فى كل محاولاته للوصول لهدف .. وبعدما تركته زوجته وتخلت عنه لأنها وجدته بلا قيمة .. دخل عليه ابوه وقال كلمة رائعة (يا بنى انا سبتك طول السنين اللى فاتت تمشى بدماغك وتعمل اللى انت عاوزه ووقعت .. ايه رأيك لما تجرب مرة واحدة تمشى ورايا وتعمل اللى بأقولك عليه؟) ... ولله المثل الأعلى .. ربنا خير هادى .. فلماذا لا نجرب ولو مرة ان نمشى على مراد الله سبحانه .. كان مصطفى حسنى يقول (لو انت قلقان .. تايه .. خايف .. اذكر ربنا كثيرا .. وصدقه لما يقولك (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ... اكبر مشكلة تواجهها هى افكارك السلبية .. المخاوف التى يبثها الشيطان بداخلك طوال الوقت .. لذلك لن تستطيع ان تفكر بصفاء ذهن طالما عقلك ممتلىء بالخوف والهواجس .. فأذكر ربنا كثيرا وانت مصدق ان ده هيشفى مخاوفك بإذن الله) .. واقصد بالذكر ليس ذكر اللسان فقط إنما ذكر المعرفة .. ان تعرفه سبحانه من خلال اسمائه الحسنى وكتابه الكريم .. حينها سيمتلأ قلبك بحبه والثقة فيه .. تلك الثقة التى ستبنى الأرض الثابتة التى تقف عليها..

حينما تقف على ارض ثابتة سيبدو كل شىء هينا بعد ذلك .. مسألة وقت حتى تجد الجزيرة المناسبة لك .. انت الأن تطفو .. الرياح توجهك فى الاتجاه الصحيح والبوصلة مستقرة تلك المرة .. ستواجه العواصف بالتأكيد ولكنك لا تغرق .. وربما هذا هو المقصود بالاية (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) كما فسرها نعمان على خان .. ليس انك لن تخاف ولكنك ستكون دائما فى امان بالفعل .. ولن يبلغ بك الحزن ابدا مبلغا يجعلك يائسا .. بل سيكون بالنسبة لك فترة من الراحة .. ومن الضعف الذى تستشعر فيه قوة الله عز وجل وقدرته .. وانك لا تستطيع ان تفعل كل شىء وهو يقدر .. ولذلك تطلب منه الحول والقوة .. قل لى كيف انسان بهذه النفسية .. وهذه الثقة ان يتدمر او يضيع ... لا يمكن... الضياع الوحيد اذا ان تفقد الامل فى الله عز وجل .. ما دون ذلك هى محاولات محمودة كلما زادت صعوبتها كان الدرس افضل .. وياليتها تكون محاولات خالصة لوجه الله وترجو بها الرضا والقرب .. عندها ستكون الفرحة فرحة الدنيا والاخرة ..

الأمر الثانى هو ان نلتفت للأبواب القريبة .. الأبواب المفتوحة بالفعل والتى مكننا الله فيها .. النفس دائما تحب الهروب لأشياء بعيدة .. تماما كما فعل عبد الوهاب حينما أراد ان يسافر إلى أمريكا .. الأبواب القريبة من السهل فتحها .. وهى مؤدية للابواب البعيدة بإذن الله .. انظر ماذا تتقن الأن واستعمله ولو بشكل مختلف .. المهم أن لا تخرج ممن دائرة تتقنها إلا اذا كنت قد تعلمت وخضت داخل الدائرة الثانية امدا من الوقت .. لقد سألت اكثر من شخص غير مجال تخصصه ما هى افضل طريقة لذلك؟ .. اخبرنى ان الانتقال الفجائى ليس افضل حل .. ويجعلك غالبا تعود مكسورا إلى دائرتك الامنة .. لأنك لم تأخذ فى اعتبارك عوامل اخرى كالمال والمجتمع الجديد الذى تدخله وغيرها من العوامل التى تحتاج درعا من العلم والخبرة قبل الخوض فيها .. أنظر لنفسك فى الدائرة الجديدة انك زائر .. مسكتشف وليس صاحب أرض .. وتوغل بالداخل وانت تعلم جيدا ان لك بيتا يأويك تعود إليه .. فإذا ما فعلت ذلك بصبر استطعت ان تبنى لك بيتا جديدا هناك .. فى وطنك الجديد.. وتهاجر وانت مطمئن بإذن الله.

المسألة تحتاج لصبر وطول بال .. وتقبل لفكرة انك ممكن ان تعود خائبا من طريق ظننته مبشرا ورائعا .. وتقبل حقيقة انك يجب ان تعمل اكثر مما تفكر .. لأن التفكير الزائد يؤدى للقلق .. بينما العمل يجيب على الاسئلة بالفعل .. لذلك يطول وقت التجربة بقلة السعى ويقصر بفعله .. عندها ستصل لنقطة تدرك انه طريق خاطىء فتعود .. او طريق يتناغم مع ملكاتك النفسية التى خلقك الله سبحانه بها فتكمل .. وكلما تناغم الخارج مع الداخل فغالبا أنت تمشى فى الاتجاه الصحيح.



No comments:

Post a Comment