رحلة إلى مركز النفس
كنت أفكر مرة (لو استطيع
أن ألقى نظرة على صفحة أعمالى لأرى إن كنت انسانة صالحة أم لا) .. احيانا تشعر انك
انسان رائعا ملىء بالخير .. واحيانا اخرى انك كاذب حقير تخدع نفسك .. وتتسائل من
انا .. لأنك تتفاجأ بردود افعالك فى مواقف .. وتتفاجأ ان هناك اشياء بالداخل لا تعرفها .. فى لحظات
الخوف .. لحظات الغضب .. لحظات الفشل ..
وهذا يدعوك للتساؤل عن هوة أعماقك وتشعر برغبة تؤجلها دائما كى تخوض رحلة إلى
عالمك الداخلى... لكن يا ترى هل نؤجلها لأننا لا نملك الوقت .. أم لاننا نخاف مما
سنراه؟
الحقيقة ان رحلة
الاستكشاف تحتاج إلى الاستعانة بالله وصدق النية .. لأنك لو غير صادق فى معرفة
نفسك ستكذب ما تراه .. ستغير الحقائق .. ستغش وتكتب اشياء اخرى .. ولكن نحن نريد
ان نرى ما بالداخل فقط .. نراه ونكلمه
ونسأله .. يوجد بالداخل وحوش خامدة منذ أمد بعيد .. وكائنات مسجونة .. وكائنات
وليدة .. وجثث هامدة .. وكائنات اطلقت لها كل الحرية وهى التى تعيث على سطح دماغك
معتقدا أنها أنت .. والحقيقة انك اعمق من ذلك بكثير .. هذه الرحلة مخيفة لكنها لابد منها .. لأنك ما
ان تتصالح مع نفسك ستشعر بسلام داخلى غريب .. ستجد ان هذه الانفعالات البركانية
التى تجتاحك من وقت لأخر قد اختفت او قلت كثيرا .. لأنه ليس هناك حمم غاضبة
بالداخل .. ليس هناك ارض معركة وصراع .. بل انت قد تفاهمت مع اطراف الصراع جميعا
.. وكتبت فى كراسة نفسك بنود الصلح التى تلتزم بها.
نحتاج فى هذه
الرحلة إلى ورقة وقلم .. وشجاعة .. ولا اقول الشجاعة التى تعنى لا خوف .. إنما
الشجاعة التى تعنى الاستمرار رغم الخوف ... لابد ان تعرف انك انسان فيك الخير
والشر .. فعندما ترى الشر فلا تذهل وتشعر بأنك اسوء من على الارض .. بل تقبل
بشريتك وان هناك الها عظيما هو الذى لا يخطىء .. وهو الذى خلق عباده فيهم من الضعف
حتى يعرفوا قوته ويرجون رحمته .. ان الشيطان يرفع راية عند هذه النقطة بل ويقيم
مستعمرة هناك .. أن يجعلك دائما تظن ان الله لن يسامحك او يغفر لك .. او انه عرف
فساد داخلك فحكم عليك بالطرد ..
هذه النقطة امحيها من قلبك تماما لأنها غير حقيقية .. سبحانه دائما يذكرنا انه
(الغفور الرحيم) .. وانه يحب التوابين ويحب المتطهرين .. الانسان الذى يداوم على
التوبة والندم الحقيقى.. هو كريم عند الله .. وقريب منه.. قال الله عز وجل (نعم
العبد إنه أواب).
لو اننا نريد
الصدق بالفعل فإن طريق الصدق دائما يهدى إلى الخير .. وأول مراحل الصدق هو ان يكون
الظاهر كالباطن .. يعنى أن لا تخفى شيئا عن نفسك .. ان تكون منسجما مع مبادئك ..
فلو كل البنات غير محجبات فأنت لا تشعرين بأى غصة من حجابك .. لو كل الشباب يجلسون
على القهاوى فأنت لا تشعر انك تفتقد شيئا وانت فى مجالس العلم .. لكن المشكلة تكون
حينما تفعل شيئا وقلبك يريد شيئا اخر .. هنا منطقة النفاق .. تلك المنطقة المشوشة
.. الغير واضحة ولا ثابتة .. التى يبغضها الله ولا يرضى بها لعبده .. لأنه كرمه
واراده حرا فى اختياراته .. يذهب إليه وهو
بكامل رغبته.
هذه الرحلة ليست
ككتابة الاهداف .. بل هى النبع الذى ينفجر منه الاهداف .. وطالما لم نصل لمكان هذا
النبع بعد ستظل اهدافنا لا وجهة لها .. سعى كثير وتشتت أكثر .. ولا نرضى الا بكلمات
المديح او الرضا من الاخرين .. وهى دماء فاسدة معكرة تسرى فى اجسادنا وتسبب امراضا
نفسية وبدنية .. إنما الدماء السليمة لابد
ان تنبع من مصدر صافى ..
لا أقول انها رحلة
سهلة ولا مجرد جلسة بالليل مع كوب من النسكافيه .. بل هى رحلة حياة بالفعل ..
نحتاج فيها إلى الثقة بالله عز وجل أولا والنية الصادقة .. ثم السعى فى تجارب حياتية
مختلفة كالسفر والعلاقات الانسانية وتعلم
مهارات جديدة .. وإلى العلم .. قالت لى
أمى ذات يوم (انك تكتبين اكثر مما تقرأين .. فلو انك قرأتى لكان خيرا لك) .. والحقيقة
انها كانت نصيحة رائعة لأن دائرة افكارى دائرة ضيقة تتسع بأمر الله بما اضيفه
إليها من علوم نافعة ...
No comments:
Post a Comment