سحب الكورونا
كان الجو صحوا جميلا حتى لو كان مشبعا بالخوف من فيروس الكورونا .. نظرت إلى السحب التى ترتسم فى السماء على هيئة خديدات قطنية ناعمة .. تعجبت كيف يمكن للهواء وهو شىء لا نستطيع امساكه يمكنه ان يتجسد إلى اشكال جميلة .. بل ويتحول إلى رياح شديدة وعواصف تدفع الناس إلى الاختباء فى بيوتها .. كيف يمكن لشىء لطيف جدا .. ورقيق ان يملك قوة كبيرة تجعل الانسان ينقلب مزاجه ويومه وخططه اللانهائية للمستقبل .. بل ان هذه السحب تحمل الماء الغزير ... لأراض عطشى وقلوب يائسة .. كل هذا اودعه العلى العظيم فى الهواء
لذلك نحن البشر قد نظن ان الطين والتراب والجبال سطح اقوى نستند عليهم ..
ونخاف ونحن على صفحة البحر أو المحيط والرياح تطيح بنا .. من اين اكتسبنا هذه
الثقة .. لماذا وثقنا ان مادية الاشياء تجعلنا قادرين على التحكم بها وإخضاعها ..
لكن كلما تفكك الشىء واقترب من طبيعة الماء والهواء كلما فقدنا السيطرة فتملكنا
الفزع .. كيف يمكن للشىء المفكك ان يهزم الشىء المتماسك .. ان يحيط به .. ويخيفه
.. لا اقول سوى انها قدرة الله عز وجل الذى يريد ان يعلمنا اننا بلا قوة امام قوته
.. وانه يقدر على كل شىء .. وعلى ان يجعل تلك المخلوقات الصغيرة .. والغير مرئية
.. والمفككة وحوشا ضارية ... ان هذا يتعارض تماما مع افكار الافلام التى اعتدنا
عليها من تصوير وحوش خيالية كجودزيلا ومازنجر والخارقون الذى يملكون قدرات جبارة
.. ان هذه المخلوقات فى الحقيقة غير موجودة إلا فى خيالنا .. بينما يمكن للانسان
فى الحقيقة ان تهزمه اضعف الكائنات... ومن هذه الكائنات حتما .. أفكاره.
ان هذا يعلمنا اننا بلا قوة ذاتية فى مواجهة هذا الكون الواسع المهيب .. الملىء
بالاسرار والجمال والخطر ... وأن هناك نقطة فى قلب الانسان .. لو كانت تلك النقطة متلألئة
فإن طاقة حركته المتقدة كلها تنبعث من هناك .. نقطة الامل فى الله .. وانى لا اعرف
احدا يمتلك طاقة متجددة وروحا فياضة بالخير وابتسامة مشرقة إلا وكان الايمان بالله
ركنا اساسيا فى تركيبه النفسى .. ما عدا ذلك نفوس تحاول الوقوف وتقع سريعا ..
وتحاول الاستمرار وتيأس .. وتعيش يومها بلامبالاة وكأنها لا تملك شكلا واضحا
لمستقبلها .. او دعنى اقول أملا فى ان يتغير.
من المهم ان نملك سببا مقنعا لسؤال (لماذ يجب أن أستمر) ... لأن هولاء
الذين يستمرون فقط بسبب تعاقب الأيام لا يحملون رغبة الحياة اصلا .. بل الخوف من
الموت .. أى انهم يعيشون بالخوف وليس بالحب .. وهى حياة لا طعم لها وسيدركون فى
لحظة الموت الحقيقية انهم لم يكونوا سعداء يوما .. وانهم استسلموا لأفكارهم
الخاطئة ولم يحاولوا اقتلاعها وزرع أفكار
جديدة تحببهم وتسعدهم فى الحياة ... علينا ان ننتبه للوقت .. لا اقول هذا الانتباه
المقلق الفارغ الذى نفعله كل يوم ... بل ان نملأ تلك الايام بالتفاؤل والأمل
والثقة فى الله عز وجل .. فسبحانه كريم إلى درجة لا يمكن تخيلها .. ولكنك يريد منك
ان تصدق ذلك .. وحينما تصدق ستبدأ فى العمل بطمأنينة .. كمثل صفحة الماء الرائقة
التى سكنت امواجها فأصبحت الرؤية بداخلها واضحة وسليمة .. حينما تجعل الهموم هما
واحدا وهو حب الله سبحانه وتعالى ستجد ان جميع الاهداف اصبحت له .. فأنت تريد ان
تكون غنيا كى تتصدق وتملأ الدنيا بالاحسان .. وتريد ان تتزوج كى تعف نفسك وتنجب
ذرية طيبة .. وتريد ان تتعلم كى تنشر العلم فى اهلك وبلدك .. وتريد ان تسافر كى تراه سبحانه أكثر .. حينها
ستعيش فى معيته .. وكم هو محظوظ من رأى بنور الله ..
يارب تمر هذه المحنة على بلادنا حاملة الحكمة .. وبدلا من أن تمرض اجسادنا
بالفيروس تنتعش عقولنا وقلوبنا بالعودة لله والثقة به وحمده وشكره على كل شىء ..
فقد أعطانا الكثير ونحن نعلم ذلك .. ولازالت الخزائن الالهية مملئوة بالعطايا لا
تنفذ .. وسبحانه لا يعطينا لاننا نستحق .. إنما لأنه الكريم .. ربما لو كففنا عن
معاملة الله عز وجل بالقوانين البشرية .. هو سيعطينى لاننى ذكى .. لأننى طيب ..
لأننى تقى .. ونكتشف فى النهاية انه اعطى ايضا الغبى .. الشرير .. الفاجر .. سندرك
ان خزائنه مليئة لنا جميعا .. وانه سبحانه يوزعها بحكمته توزيعا لا نفهمه بعقولنا
القاصرة .. ولكن الحب والقرب وهو اعظم كنز لا يكون سوى لمن احبه حقا.
No comments:
Post a Comment