حينما تجد أن هناك شىء تفتقده .. لا تفهمه .. شىء يسبب لك قلقا فعليك أن تلتفت للكون حولك لترى كيف يجرى الأمر ببساطة وسهولة .. أحد هذه الاشياء هى تنظيم الوقت.

لقد انشئت مدارس وقواعد كثيرة فى هذا الشأن .. ومارسها العديد وسببت له أحباطا شديدا .. ثم استمر فى التعلم حتى اصبح يومه افضل .. وبالتالى حياته بمجملها افضل .. ولكن ما وجدته انه لا يمكن الاتفاق على نظام واحد لكل انواع البشر .. فهناك مسطرة طويلة يقف عليها الناس .. اولها الساعة الدقيقة واخرها الفوضى العارمة .. وبين النقطتين تقع البشرية كلها .. هناك من هو فوضوى للغاية .. دماغه اعتادت التشتت والتفكير فى اشياء كثيرة فى وقت واحد .. يقضى حياته سارحا  .. وهناك من هو دقيق للغاية يحاسبك على التأخير دقائق عن ميعادك .. فهل يمكن اذا كنت تريد ان تضبط حياة الاثنين أن تلزمهم بنفس النظام .. انك بذلك تقتل الاول والثانى معا .. لذلك من يحاول محاولات كثيرة ويفشل .. هو لا يتعلم تنظيم الوقت .. بل هو يتعلم شخصيته .. نمطها .. اوقات نشاطها وكسلها .. حماسها ومللها ..  تفاعلها مع يومها ومحيطها .. وهكذا .. فلذلك لا ينفع التنظيم ابدا فى البداية لأنك تحاول ان تقنن شيئا لا تدرك عنه الكثير وهو نفسك .. وبمرور الوقت تكون قد احطت شيئا فشيئا بخلجات نفسك ولذلك ينتظم الوقت معك وتصبح لأول مرة سعيدا .. سعيدا انك اصبحت انسانا بالفعل.

ولكن كما أن الله سبحانه خلق لكل واحد فينا صفات مميزة جدا .. وفريدة عن غيرها .. وهذا من بديع صنعه .. ولكنه فى نفس الوقت اسرى قوانين كونية على البشرية جميعا .. هذه القوانين رغم اختلافنا فنحن نقع بداخلها .. واذا ما تماهينا واندمجنا معها .. مع الساعة الربانية فإننا نكون قد ألتزمنا بالكتالوج الربانى للإنسان .. والذى يضمن أن ينتج افضل ما عنده ويسعد به ايضا .. هذا الحديث عن ان الانسان يستخدم 5 % من امكانياته يشعرك بالاحباط فعلا .. لماذا لا استخدم 20% .. 60% .. من ذكائى وقدراتى وامتلىء بالنور والمعرفة واملأ الدنيا بالخير والجمال ..  كيف أكون فى شبابى وانا مشتت القوى هكذا .. لا أكاد ادفع بقوتى تجاه جهة بعينها .. نعم للأسف .. ان التشتت والفوضى يؤديان إلى اهدار قوانا كثيرا فى اللاشىء .. ومن ثم إلى احباطنا المتواصل وشعورنا بالملل وانعدام الجدوى وفقدان السعادة رغم ظروفك الجيدة .. فأولا استعن بالله وأعلم انه الهادى والموفق لما فيه الخير – كل الخير لك .. ولا تفقد الثقة فيه ابدا .. فهو لم يخلق لك تلك الامكانيات ولم يكرمك كى تتعذب .. بل كى تهتدى وتسعد.

اولا هناك ساعة ربانية كبيرة تحدث الله عز وجل عنها كثيرا فى القرءان الكريم .. وهى الليل والنهار .. نهار يمتلىء بالعمل والحركة والنشاط .. وليل ساكن يمتلىء بالهدوء والطمأنينة .. (وجعلنا الليل لباسا .. وجعلنا النهار معاشا) .. فأول شىء ألتزم بهذه الساعة التى يتحرك بها الكون .. تخيل انك تراقبها وتنظر مرتين فقط .. مرة عند شروق الشمس .. ومرة عند غروبها .. وليس ذلك فقط .. بل انك ترى ايتين تسقط امامها الكلمات وتمتلىء العيون بالجمال والرهبة .. لذلك مشاهدة تلك اللحظات ضرورى جدا .. ويا حبذا لو ذكرت الله قبلها .. عندها ستربط الاية بخالقها .. ستتجمع الخيوط ببعضها .. فتفهم .. وتدخل على النهار او الليل ونفسك صافية مستعدة لإستقبال عطايا الخالق فى اليوم والتفاعل معها.

لكن هناك من الناس من يشعر ان الفراغ بينهما كبير جدا .. لدرجة انه لا يستطيع ان يملوءه تماما .. فيقضى الكثير من هذا الفراغ فى النوم لعله ينتهى .. وكأن الوقت شىء ثقيل وليس هو العمر ذاته .. هولاء بحاجة إلى ساعة اكثر تدقيقا .. وفراغا اضيق .. فوجدت ان افضلها .. الذى يعبر عن معانى اليوم الواحد .. هو الصلوات الخمس .. هذه الاوقات ينتبه فيها المؤمن إلى ربه .. يترك ما فى يده ويهرول للصلاة .. انها افضل الفواصل الزمنية .. فواصل نفسية ومكانية وجسمانية .. لقد قال أحمد الشقيرى شيئا عن الصلاة فى غاية الروعة .. شىء كان كالنور الساطع فى عقلى المظلم الذى يتعامل مع الصلاة بلا تفاعل حقيقى .. قال (لقد اعتدنا حينما نصلى ان تحاول جاهدا  ان نخرج التفكير فى الدنيا وتركز فى الصلاة .. ولكن الصلاة ليست انفصال عن الحاضر .. بل هى اندماج معه .. انك بين الصلاة والصلاة تستحضر عظمة الخالق و احداث اليوم .. فتكبره وتحمده وتستغفره وتدعوه وتطلب منه .. هكذا يصبح معنى إقامة الصلاة).

هذه الاوقات الربانية فرصة لبدء شىء جديد .. من صلاة لصلاة .. فرصة لتحديد مهام محددة يمكن ممارستها فى هذه الفترة بالذات .. لأنها فترة نشاط أو فترة كسل وفتور .. وذلك ايضا يمكنك ان تخضعه لطبيعتك انت بالذات .. فلا يوجد هناك جدول بعينه .. انما يوجد فهم لمعنى الليل والنهار فقط بما يجب ان تضبط ساعتك البيولوجية عليه...

الوقت منحة ربانية ..نعمة محاسبين عليها بنص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) .. فلنحاول جاهدين ان نسعد بها .. ونكسب بها ثوابى الدنيا والاخرة إن شاء الله.







كنت أفكر مرة (لو استطيع أن ألقى نظرة على صفحة أعمالى لأرى إن كنت انسانة صالحة أم لا) .. احيانا تشعر انك انسان رائعا ملىء بالخير .. واحيانا اخرى انك كاذب حقير تخدع نفسك .. وتتسائل من انا .. لأنك تتفاجأ بردود افعالك فى مواقف .. وتتفاجأ  ان هناك اشياء بالداخل لا تعرفها .. فى لحظات الخوف .. لحظات الغضب .. لحظات الفشل  .. وهذا يدعوك للتساؤل عن هوة أعماقك وتشعر برغبة تؤجلها دائما كى تخوض رحلة إلى عالمك الداخلى... لكن يا ترى هل نؤجلها لأننا لا نملك الوقت .. أم لاننا نخاف مما سنراه؟

الحقيقة ان رحلة الاستكشاف تحتاج إلى الاستعانة بالله وصدق النية .. لأنك لو غير صادق فى معرفة نفسك ستكذب ما تراه .. ستغير الحقائق .. ستغش وتكتب اشياء اخرى .. ولكن نحن نريد ان نرى ما بالداخل فقط ..  نراه ونكلمه ونسأله .. يوجد بالداخل وحوش خامدة منذ أمد بعيد .. وكائنات مسجونة .. وكائنات وليدة .. وجثث هامدة .. وكائنات اطلقت لها كل الحرية وهى التى تعيث على سطح دماغك معتقدا أنها أنت .. والحقيقة انك اعمق من ذلك بكثير  .. هذه الرحلة مخيفة لكنها لابد منها .. لأنك ما ان تتصالح مع نفسك ستشعر بسلام داخلى غريب .. ستجد ان هذه الانفعالات البركانية التى تجتاحك من وقت لأخر قد اختفت او قلت كثيرا .. لأنه ليس هناك حمم غاضبة بالداخل .. ليس هناك ارض معركة وصراع .. بل انت قد تفاهمت مع اطراف الصراع جميعا .. وكتبت فى كراسة نفسك بنود الصلح التى تلتزم بها.

نحتاج فى هذه الرحلة إلى ورقة وقلم .. وشجاعة .. ولا اقول الشجاعة التى تعنى لا خوف .. إنما الشجاعة التى تعنى الاستمرار رغم الخوف ... لابد ان تعرف انك انسان فيك الخير والشر .. فعندما ترى الشر فلا تذهل وتشعر بأنك اسوء من على الارض .. بل تقبل بشريتك وان هناك الها عظيما هو الذى لا يخطىء .. وهو الذى خلق عباده فيهم من الضعف حتى يعرفوا قوته ويرجون رحمته .. ان الشيطان يرفع راية عند هذه النقطة بل ويقيم مستعمرة هناك .. أن يجعلك دائما تظن ان الله لن يسامحك او يغفر لك .. او انه عرف فساد داخلك فحكم عليك بالطرد .. هذه النقطة امحيها من قلبك تماما لأنها غير حقيقية .. سبحانه دائما يذكرنا انه (الغفور الرحيم) .. وانه يحب التوابين ويحب المتطهرين .. الانسان الذى يداوم على التوبة والندم الحقيقى.. هو كريم عند الله .. وقريب منه.. قال الله عز وجل (نعم العبد إنه أواب).

لو اننا نريد الصدق بالفعل فإن طريق الصدق دائما يهدى إلى الخير .. وأول مراحل الصدق هو ان يكون الظاهر كالباطن .. يعنى أن لا تخفى شيئا عن نفسك .. ان تكون منسجما مع مبادئك .. فلو كل البنات غير محجبات فأنت لا تشعرين بأى غصة من حجابك .. لو كل الشباب يجلسون على القهاوى فأنت لا تشعر انك تفتقد شيئا وانت فى مجالس العلم .. لكن المشكلة تكون حينما تفعل شيئا وقلبك يريد شيئا اخر .. هنا منطقة النفاق .. تلك المنطقة المشوشة .. الغير واضحة ولا ثابتة .. التى يبغضها الله ولا يرضى بها لعبده .. لأنه كرمه واراده حرا  فى اختياراته .. يذهب إليه وهو بكامل رغبته.

هذه الرحلة ليست ككتابة الاهداف .. بل هى النبع الذى ينفجر منه الاهداف .. وطالما لم نصل لمكان هذا النبع بعد ستظل اهدافنا لا وجهة لها .. سعى كثير وتشتت أكثر .. ولا نرضى الا بكلمات المديح او الرضا من الاخرين .. وهى دماء فاسدة معكرة تسرى فى اجسادنا وتسبب امراضا نفسية وبدنية ..  إنما الدماء السليمة لابد ان تنبع من مصدر صافى ..

لا أقول انها رحلة سهلة ولا مجرد جلسة بالليل مع كوب من النسكافيه .. بل هى رحلة حياة بالفعل .. نحتاج فيها إلى الثقة بالله  عز وجل أولا  والنية الصادقة .. ثم السعى فى تجارب حياتية مختلفة كالسفر والعلاقات الانسانية  وتعلم مهارات جديدة ..  وإلى العلم .. قالت لى أمى ذات يوم (انك تكتبين اكثر مما تقرأين .. فلو انك قرأتى لكان خيرا لك) .. والحقيقة انها كانت نصيحة رائعة لأن دائرة افكارى دائرة ضيقة تتسع بأمر الله بما اضيفه إليها من علوم نافعة ...
















كان الجو صحوا جميلا حتى لو كان مشبعا بالخوف من فيروس الكورونا .. نظرت إلى السحب التى ترتسم فى السماء على هيئة خديدات قطنية ناعمة .. تعجبت كيف يمكن للهواء وهو شىء لا نستطيع امساكه يمكنه ان يتجسد إلى اشكال جميلة .. بل ويتحول إلى رياح شديدة وعواصف تدفع الناس إلى الاختباء فى بيوتها  .. كيف يمكن لشىء لطيف جدا .. ورقيق ان يملك قوة كبيرة تجعل الانسان ينقلب مزاجه ويومه وخططه اللانهائية للمستقبل .. بل ان هذه السحب تحمل الماء الغزير ... لأراض عطشى وقلوب يائسة .. كل هذا اودعه العلى العظيم فى الهواء 



لذلك نحن البشر قد نظن ان الطين والتراب والجبال سطح اقوى نستند عليهم .. ونخاف ونحن على صفحة البحر أو المحيط والرياح تطيح بنا .. من اين اكتسبنا هذه الثقة .. لماذا وثقنا ان مادية الاشياء تجعلنا قادرين على التحكم بها وإخضاعها .. لكن كلما تفكك الشىء واقترب من طبيعة الماء والهواء كلما فقدنا السيطرة فتملكنا الفزع .. كيف يمكن للشىء المفكك ان يهزم الشىء المتماسك .. ان يحيط به .. ويخيفه .. لا اقول سوى انها قدرة الله عز وجل الذى يريد ان يعلمنا اننا بلا قوة امام قوته .. وانه يقدر على كل شىء .. وعلى ان يجعل تلك المخلوقات الصغيرة .. والغير مرئية .. والمفككة وحوشا ضارية ... ان هذا يتعارض تماما مع افكار الافلام التى اعتدنا عليها من تصوير وحوش خيالية كجودزيلا ومازنجر والخارقون الذى يملكون قدرات جبارة .. ان هذه المخلوقات فى الحقيقة غير موجودة إلا فى خيالنا .. بينما يمكن للانسان فى الحقيقة ان تهزمه اضعف الكائنات... ومن هذه الكائنات حتما .. أفكاره.



ان هذا يعلمنا اننا بلا قوة ذاتية فى مواجهة هذا الكون الواسع المهيب .. الملىء بالاسرار والجمال والخطر ... وأن هناك نقطة فى قلب الانسان .. لو كانت تلك النقطة متلألئة فإن طاقة حركته المتقدة كلها تنبعث من هناك .. نقطة الامل فى الله .. وانى لا اعرف احدا يمتلك طاقة متجددة وروحا فياضة بالخير وابتسامة مشرقة إلا وكان الايمان بالله ركنا اساسيا فى تركيبه النفسى .. ما عدا ذلك نفوس تحاول الوقوف وتقع سريعا .. وتحاول الاستمرار وتيأس .. وتعيش يومها بلامبالاة وكأنها لا تملك شكلا واضحا لمستقبلها .. او دعنى اقول أملا فى ان يتغير.



من المهم ان نملك سببا مقنعا لسؤال (لماذ يجب أن أستمر) ... لأن هولاء الذين يستمرون فقط بسبب تعاقب الأيام لا يحملون رغبة الحياة اصلا .. بل الخوف من الموت .. أى انهم يعيشون بالخوف وليس بالحب .. وهى حياة لا طعم لها وسيدركون فى لحظة الموت الحقيقية انهم لم يكونوا سعداء يوما .. وانهم استسلموا لأفكارهم الخاطئة ولم يحاولوا اقتلاعها  وزرع أفكار جديدة تحببهم وتسعدهم فى الحياة ... علينا ان ننتبه للوقت .. لا اقول هذا الانتباه المقلق الفارغ الذى نفعله كل يوم ... بل ان نملأ تلك الايام بالتفاؤل والأمل والثقة فى الله عز وجل .. فسبحانه كريم إلى درجة لا يمكن تخيلها .. ولكنك يريد منك ان تصدق ذلك .. وحينما تصدق ستبدأ فى العمل بطمأنينة .. كمثل صفحة الماء الرائقة التى سكنت امواجها فأصبحت الرؤية بداخلها واضحة وسليمة .. حينما تجعل الهموم هما واحدا وهو حب الله سبحانه وتعالى ستجد ان جميع الاهداف اصبحت له .. فأنت تريد ان تكون غنيا كى تتصدق وتملأ الدنيا بالاحسان .. وتريد ان تتزوج كى تعف نفسك وتنجب ذرية طيبة .. وتريد ان تتعلم كى تنشر العلم فى اهلك وبلدك ..  وتريد ان تسافر كى تراه سبحانه أكثر .. حينها ستعيش فى معيته .. وكم هو محظوظ من رأى بنور الله .. 


يارب تمر هذه المحنة على بلادنا حاملة الحكمة .. وبدلا من أن تمرض اجسادنا بالفيروس تنتعش عقولنا وقلوبنا بالعودة لله والثقة به وحمده وشكره على كل شىء .. فقد أعطانا الكثير ونحن نعلم ذلك .. ولازالت الخزائن الالهية مملئوة بالعطايا لا تنفذ .. وسبحانه لا يعطينا لاننا نستحق .. إنما لأنه الكريم .. ربما لو كففنا عن معاملة الله عز وجل بالقوانين البشرية .. هو سيعطينى لاننى ذكى .. لأننى طيب .. لأننى تقى .. ونكتشف فى النهاية انه اعطى ايضا الغبى .. الشرير .. الفاجر .. سندرك ان خزائنه مليئة لنا جميعا .. وانه سبحانه يوزعها بحكمته توزيعا لا نفهمه بعقولنا القاصرة .. ولكن الحب والقرب وهو اعظم كنز لا يكون سوى لمن احبه حقا.







سحب الكورونا

by on 4:36 AM
كان الجو صحوا جميلا حتى لو كان مشبعا بالخوف من فيروس الكورونا .. نظرت إلى السحب التى ترتسم فى السماء على هيئة خديدات قطنية ن...