حاولت الدخول على موقع عربى للعمل الحر .. وقد كنت استكشف معنى ان تستخدم مهارتك ومواهبك فى الربح .. فوجدت ان الموقع يطلب ملأ ملفك الشخصى ثم البحث فى المشاريع المختلفة وإرسال عروض لأصحابها .. أخدت اتصفح مشاريع الكتابة فوجدت أن أصحابها يبحثون عمن يملأ مواقعهم ومدوناتهم وأحيانا  يكتب القصص بأسمهم .. ويعرض فى مقابل ذلك مبلغا ماليا زهيدا .. وأخذت اقرأ عروض بعض الناس والتى تحاول إقناع صاحب الوظيفة بأن لها خبرة طويلة فى مجال الكتابة .. فتذكرت لقطة من فيلم عادل إمام (مرجان أحمد مرجان) والتى قال فيها الشاعر : 
(أبيع نفسى لأول مشترى آت .. فليسقط الشعر ولتنهار ابياتى .. فالشعر شعرى والمأساة مأساتى) 

شعرت فى تلك اللحظة كيف ان أى مبلغ مهما كان باهظا لا يشترى مشاعر صادقة وافكار ذكية وعلما نافعا .. وان هذه مشكلة البائع وليس المشترى .. انه تعجل قبض الثمن .. او ربما لم يؤمن يوما ما ان موهبته لها قيمة فعلا .. او ربما الحاجة إلى المال قد تجعلنا  نفرط فى اشياء غالية ونفقد معها تقديرنا لأنفسنا .. ان هذه مأساة جيل بأكمله امتهن مهنة التسويق واحترفها وزهد فى قيمة إنتاجه الحقيقى .. ولذلك اصبح يركض ركضا وراء التألق والنجاح والاسم اللامع .. اننى من تجربتى الشخصية قد توظفت فى عدة شركات كبيرة وصغيرة .. وأصدقك القول ان كثيرا منها كانت تملك من النفير العالى ما هو معاكسا لطبيعة ما يحدث بداخلها .. فهذه شركة اتصالات تفتخر ان فيها كل الاختلافات وهى عنصرية من رأسها لأخمص قدميها .. وشركة تدعى الخبرة والعمل فيها بعيد عن الإحترافية .. والغريب ان الجميع يركز على شىء واحد ويعطيه كل الصلاحيات .. التسويق.. وهذا ما جعلنى ازهد فى هذا المجال  كثيرا بعدما كنت اراه فى البداية مجالا إبداعيا .. فليس هناك إبداع فى الكذب وإدعاء ما ليس موجودا.. وقيمة الشىء ستذهب مع الريح حينما يكتشف الناس إن كل ما تريده هو امتصاص أموالهم.

تذكرت قصة زميل فى دفعة الدراسة بكلية الحاسبات والمعلومات .. هذا الرجل كان ذكيا ومعروفا ببراعته فى البرمجة .. ثم اننا حينما تخرجنا جميعا توظفنا وبقى هو بلا عمل .. تعجبت فى البداية .. انه لجدير ان يُقبل بأى شركة فى مصر .. ثم عرفت انه توظف بعدها بسنة تقريبا فى شركة Facebook وبعدها Google .. لقد اخذ يذاكر ويدخل المسابقات فى تلك الفترة حتى اصبح ماهرا .. ثم عمل فى مكان يساعده على التطور الحقيقى ... وجدت ان الانسان يمكنه ان يصنع حكايته الشخصية ولكنه بحاجة إلى الايمان والصبر والسعى .. وأن تكون معرفته لمهاراته وتقديره لها واضحة .. فأسوء شىء ان تحتقر قيمة الموهبة التى حباك الله عز وجل بها  .. الذى يجعلك كذلك انك لا تملك هدفا واضحا فى الحياة .. فإذا ما انعدم الهدف اصبحت جزء من قصة حياة الاخرين .. حتى موهبتك جزءا منهم. 

لذلك فالافضل للشباب أن يبحثوا عن قيمة يعيشون من أجلها .. وأن لا يستعجلوا الثمرة لأنهم يريدون المال فورا .. إنما يرفعون من ثمن مهارتهم بتطويرها والعمل عليها .. وبإعتبار ان ليست كل الفرص هى فرصا بالفعل .. بل هناك احجار كثيرة تُلقى فى طريقك .. فإذا ما كنت عالى الهمة واضح الرؤيا .. تريد شيئا عظيما فى الحياة .. فإنك تركلها وتكمل المسير .. لا اقول أن تجلس بلا عمل .. ولكنى اقول ان تستثمر الوقت فى تطوير مواهبك وتركز على الوصول لحلمك .. فعادة حينما نؤجل احلامنا ونتغافل عنها .. ونسمح للأخرين أن يزدروها ويشككوا فيها .. عندها يجرفنا الموج فى كل مكان .. البوصلة مهمة جدا فى السفن .. وفى الحياة ..


لقد عشت زمنا تائهة .. لأنى كنت اقول ان موهبة الكتابة مضمونة فألقيتها خلف ظهرى وكنت ازورها من حين لآخر بباقة ورد معتذرة وأهتم بها شهورا ثم أهجرها بحثا عن فرص عمل ونجاح .. كنت انغمس فى الأعمال الأخرى وأشعر بالتعاسة .. ولا اجد الراحة والسكن وانطلاق النفس إلا فى الكتابة .. ولكن ما جعلنى اهجرها هو اننى شككت يوما فى قيمة القلم .. انه يُشترى كأى شىء .. الحقيقة ان العمل المخلص ايا كان نوعه لا يُشترى بثمن .. وأن تشككى فى قيمته نبع من نواياى اصلا تجاهه .. حينما أصبحت نيتى فى وقت من الاوقات هو النجاح والتميز ووهم (إثبات الذات) ذهبت لذة العمل وبقيت شقاوته .. فبدأت افهم معنى الحديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) .. ان النية هى المحرك .. هى مولد الطاقة الذى يعينك بأمر الله ان تستمر .. ولذلك الأولى أن نهتم بتعديل بوصلة السفينة كلها .. لماذا تمشى وإلى اين .. الاجابة على هذه الاسئلة سيجعلك بإذن الله قادرا ان تستعيد دفة القيادة مرة اخرى..

وتبحر إلى الارض الى طالما حلمت بها.









هناك انواع مختلفة من الكيك .. هناك من يحبها غارقة فى الشيكولاتة والكريمة وهناك من يحبها بسيطة بالبرتقال فقط .. نحب الكيك لأننا نجد فيه طعم الحلوى .. الدفء والرائحة الشهية  ..  المنظر الجميل .. ولكننا لا نقدر ان نصنعها كل يوم .. لأنها تستهلك وقتا ودقيقا وزبدا .. وترص الدهون فينا رصا .. فكيف نصنع كيكة صغيرة تعطينا طعما للسعادة يوميا ؟

هناك لحظات معينة .. لحظات حينما نمر بها فإنها تجعلنا نشعر بالاسترخاء .. ونكون اقرب ما يكون للذوبان فى الكون كورقة الشجر .. فى تلك اللحظات بالذات (ندرك) اننا جزء منه بالفعل..  تلك اللحظات قد تكون عند أحدهم هى فنجان قهوة لذيذ .. كتاب ممتع .. اللعب مع الاطفال .. نسمة بحر فى ليالى الصيف .. جلسة سمر مع الأحبة .. نشعر عندها بسعادة غامرة ورضا عن أفعال الله عز وجل .. ونؤمن وقتها انه يحبنا ويرحمنا .. والدليل انه اعطانا لحظات رائعة الجمال .. بغير ثمن .. وبغير حساب.

لكن لماذا هذه اللحظات فى حياتنا قليلة .. لماذا لا تمس هذه اللحظات حياتنا المتوترة المتسارعة بعصا سحرية فتضفى السعادة على يومنا كله .. هل يؤثر العدد فى ذلك؟ .. حينما نحسب عدد لحظات اليوم السعيدة ولحظات الشجار .. والزحام .. والحر .. والجوع .. والكلام الجارح .. والظلم والاذى ..  فنجدها أقل بكثير .. فنقرر ان يومنا سىء ككل يوم .. أم انه ظلم وجحود من الانسان الذى لا يلتفت إلى نعمة ربه المستمرة .. أتدرك ان لحظاتنا السعيدة ليست تلك التى قررناها فحسب .. ليس فنجان القهوة اللذيذ .. والصحبة الممتعة .. بل هى فى عيناك التى ترى كل الألوان .. ويداك وقدماك اللتان تتحركان أينما شئت .. وعقلك الذى يفكر بلا هوادة فى كل ما حوله .. وهو قادر على الالتفات والتركيز فى الامور العظيمة .. الامور الرائعة فى الحياة ... كما هو قادر على الالتفات للأمور التافهة والمواقف الصغيرة ... يمكنك بعدما تنتهى من خلاف سخيف فى العمل ان تقرر انه سيلتهم رأسك سائر اليوم غما ونكدا وقلقا .. أو تقرر ان الناس فيها ما فيها من الضعف الانسانى وان عليك ان تتسامح معه وتنساه .. وتسلم أمرك لله الرزاق الكريم .. ثم تمضى بقية اليوم فى التمتع بنعم الله حولك..

إن أزمة الكورونا قد اثبتت لنا أن الحياة قصيرة لا تحتمل أن نستغرق فى الحزن و القلق .. أن علينا الاحساس بنعمة اليوم ونحرص على لحظات السعادة فيه .. أن نسرقها من وسط الخوف .. وسط الاخبار المقلقة .. وسط مشاعرنا السلبية التى زرعنا جذورها بأيدينا فى السابق . علينا أن نبدأ بالتفكير فى النعمة من جديد بشكل مختلف .. وربما بشكل صحيح .. انها ليست تلك الامور التى نركض ورائها .. بل هى تلك الاشياء التى رُزقنا بها بالفعل .. ان السعادة يمكنها ان تكون بعدد الانفاس التى نتنفسها لو شعرنا مع كل نفس بالامتنان للخالق .. وبثقتنا فيه ... واننا عبادا تجرى علينا أقداره الحكيمة الرحيمة ..  فينفك عنا أغلال الخوف التى منعتنا من التنفس عمرنا كله ..

وهذه أحدى الوصفات المجربة فى الإحساس بالسعادة .. 



1-      استيقظ من النوم فيكون اول كلمة تنطق بها (الحمد لله الذى أحيانا بعد ان أماتنا وإليه النشور) .. حينما يكون أول احساس لك مع الحياة ان تشعر بالامتنان .. فإنها فرصة كبيرة أن يظل هذا الاحساس ممتدا معك طوال اليوم بإذن الله

2-      قبل ممارسة أى مهام فى المنزل أو الوظيفة .. مارس روتين صباحى خاص جدا بك .. كأذكار الصباح  فى شرفة المنزل  .. قراءة فقرات من كتاب ممتع .. كتابة مذكراتك .. الافطار .. اجعله روتين صباحى تمارس فيه ما تحب ... اجعله الشىء الذى تنتظره بشغف .. كلنا يحب انتظار اللحظات الحلوة .. فأصنعها.

3-      كن عند لحظة الغروب حاضرا .. بجسدك وعقلك وقلبك .. اخرج للشرفة أو اصعد سطح المنزل وانظر لغروب الشمس .. تأمل كيف تحلق الطيور فى دوائر وتغرد .. كيف ترحل الشمس مودعة  بدون صخب .. كيف يتم تبدل صورة الكون امامك فى بطء وتناسق عجيب .. وانت تجلس كى تشاهد هذا كله  فى أمان تام .. ألا يستحق عندها ان نسبح بحمد الله.

4-      بعد العمل المجهد أو المذاكرة .. لابد ايضا ان تقوم بشىء تحب عمله .. أى شىء .. كاللعب مع القطة أو الرسم أو القراءة .. المهم ان تجعل وظيفتك أو مذاكرتك كعكة بثلاث طبقات .. محاطة من فوق بكراميل الروتين الصباحى ومن تحت ببسكويت الروتين المسائى..

كل ذلك كى يذوب هذا اليوم داخل ألبوم ذكرياتك.










ربما تشعر بحيرة ورغبة فى سؤال (لماذا) .. لماذا الدنيا ظالمة؟ .. لماذا الذى يسرق ويفسد ويقتل هم الاقوياء والرؤساء والذى يحب الخير والاحسان مجهولون فى الأرض .. لماذا تمتلىء الدنيا بالفقراء والمشردين والجوعى ... لماذا  لا ينتقم الله من الطواغيت بل قد يمد فى اعمارهم ويرزقهم قوة فوق القوة .. وصحة فوق الصحة .. والناس تأن من ظلمهم .. هل يرضى الله عز وجل بالظلم - حاشاه - أم ماذا؟


هذا السؤال حينما لم يجد اجابته بعض الناس كفروا بالله وانكروا وجوده .. لأن الاله لابد ان يكون عادلا ورحيما وقادرا عليهم .. لابد ان تتدخل يد لتمنع الظلم فورا .. ان هولاء الناس بشرا يؤمنون من اعماق قلوبهم بالعدل .. وربما كان الدافع اصلا لكفرهم هو إيمانهم بتلك القيمة العالية .. ولكن هولاء ببساطة لا يسألون سؤالا اكثر اهمية .. لماذا خلق الله الحياة الدنيا اصلا؟ .. لماذا جعل تلك الارض بما عليها من حدائق وانهار وجبال .. وهذه السماء والنجوم .. والحيوانات بمختلف انواعها .. والليل والنهار .. ثم أتى بالانسان كى يحيا بين ذلك كله .. ما أهمية وجوده اصلا إن لم يكن له دور فى إصلاح الدنيا .. هل خلق الله عز وجل كل ذلك كى نأكل ونشرب ونتزوج ونرتاح  .. هل تظن للحظة ان ربنا خلق كل ذلك كى لا نفعل شيئا قط .. كى نرفع ايدينا عاجزين نقول لربنا (اللهم انصر المظلومين وانتقم من الظالمين) .. ثم ننتظر فى كل مرة انتقام السماء؟!


نعم ان الله قادر على الانتقام فى لحظة ولكنه يؤخره لأجل ان يتحرك الانسان  ويغيره ويزيله (ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض) .. فإذا وُجد أناس يؤمنون بالله ويعرفون منهجه .. يؤمنون ان القوة للحق .. وان العدل والرحمة هما من اسماء الله الحسنى .. فإنهم يتحركون بقوتهم الانسانية مؤمنون بقوة الله التى ستنصرهم .. لذلك يقول الله عز وجل فيهم (ألا أن حزب الله هم الغالبون) ..  هولاء لا يمكن أن يغلبهم احد ابدا ولو قرأت التاريخ ستجد ان هذه الفئة دائما  - دائما - منتصرة .. ولقد قرات قصة الملك قطز الذى كان حكمه سنة واحدة سحق فيها جيوش التتار التى ملأت الارض دما وفزع الناس منهم كل الفزع .. كان صادق النية لدرجة ان قال للمماليك وهم مختلفون حول من يمسك الحكم (انا اريد فقط ان أحكم لنهزم التتار ثم ادع الامر لكم) فرضوا وسلموا وقاتلوا معه .. بعدما أتم مهمته قتلوه .. هو لم يكن يريد اكثر من ذلك .. كان يريد من كل قلبه أن ينتصر للحق فجعل الله عز وجل على يده هزيمة أعظم جيوش الأرض شرا فى ذلك الوقت.. وقد قالوا عنه انه شاب طويل اللحية .. كان كثير الصلاة والصيام.. احبه الناس كثيرا ودعوا له بالخير ... لو قرأت التاريخ ستجد ان هناك ملوكا عظيمة ملأت الارض عدلا وشهد لهم الناس بالصلاح والخير.. وهناك فرسان ومصلحون وثائرون غيروا وجه العالم وانقذوا اقوامهم.


ولكن أغلب التاريخ إما فئات ضعيفة قد غلبها حب الدنيا والتعلق بها حتى جعلها ترضى بحياة الفئران .. وتؤمن ان نصيبها من الدنيا ان تحيا عبيدا لغيرهم .. وفئات قد تمكنت بأسباب الدنيا من الوصول للقمة واستعبدت الناس .. هاتين الفئتين لا يقعان تحت قول الله (عبادا لنا) .. ورغم ذلك عدل الله لا يتركهم .. فإنه يظل يمهل للظالم .. يزيده قوة .. ومالا .. وسلطانا .. حتى لا يكون له عند الله حجة يوم القيامة .. لقد اخذ نصيبه من الدنيا فى كل شىء .. فإذا اخذه سبحانه .. فإنه لا يفلته.


وقد رأينا .. ونرى .. وسنرى دائما نهاية هولاء .. لا يمكن لأحد ان ينسى مصير هتلر ... وإيفان الرهيب .. وشارون ... وغيرهم الالاف من الطواغيت القديمة والحديثة ماتوا بكل ذل .. وليس ذلك فقط .. (وفى الاخرة عذاب شديد).


إن هولاء الذين يتسائلون (أين الله) وسط هذا الظلم .. لهم اكثر الناس الذين يجب ان يؤمنون بالاخرة .. لأنهم اكثر الناس الذين تؤمن قلوبهم بالعدل .. فكيف ينكرون حقيقة ونور فى قلوبهم لمجرد انه لا تراه أعينهم .. كيف لا يؤمنون ان هذا الذى يدفعهم من الداخل شىء قوى للغاية .. لدرجة ان يصدقوا بحدوثه يوما ما .. فلذلك لابد لهولاء أن يؤمنوا ان هناك يوما اسمه (يوم الدين) الذى سيقتص فيه كل ظلم .. وستهدأ قلوبهم الثائرة راضية بما فعل الله .. ما عليهم فى هذه الدنيا إلا العمل ..والجزاء والقصاص سيكون حتما من عند رب العالمين.. هذا لمن يقرأ التاريخ جيدا ..

ولمن يرى .. ويفهم.