لماذا يتعارك الانسان كالقطط؟





حينما انظر للقطط وهى تتعارك طوال الوقت .. وتنظر لبعضها فى تحفز وتختبر قوتها .. فإن حدث وكانت الاقوى فهى التى تفرض الكلمة والتى تنفرد بالطعام وينتظر الاخرون حولها فى ذل .. حينما انظر لذلك اتسائل .. ما الذى يفرقها عن الانسان؟

ان الانسان يتعارك ايضا على اتفه الاسباب .. ويستخدم القوة الصوتية والبدنية كى يزيد من نفوذه او يدافع عن حقه .. انك قد تجد اثنان يتعاركان فى الشارع لمجرد ان سيارة احدهما تسد الطريق على الاخر .. ويتجمهر الناس ويقفوا كى يشاهدوا هذه المصارعة الحرة فى وسط الشارع .. فكيف يمكن لهذا المخلوق ان يكون مكرما على بقية الخلق .. ولما سخر الله له السموات والارض بل وجعله (خليفة) بنص الاية وهو بهذه الرعونة والسفه؟!



وجدت ان هناك اية ربنا يقول فيها عن الانسان (أولئك هم خير البرية) ثم يليها ايه (أولئك هم شر البرية) .. نعم هناك اناس اسفه واشر من الكلاب والحشرات والشياطين .. وهناك كائنات تفوق الملائكة .. كيف ذلك .. تعال نقرأ الاية ثانية (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) .. من الواضح اننا لا نفهم معنى تلك الكلمات جيدا .. لأن هذه الكلمات تخبرنا كيف نكون فوق مخلوقات الله جميعا .. ماذا يعنى ذلك؟



إن الله سبحانه له ذات وأسماء علية .. انه الرحمن .. العدل .. الحكيم .. العليم .. اللطيف .. الغفور .. له الاسماء الحسنى .. معرفتنا بالله تعنى معرفتنا لتلك الاسماء جيدا .. إدراكنا لها .. لا يملك احدا من المخلوقات مثل الكلب مثلا أن يعرف معنى الرحمة .. هو يفعلها ولكنه لا يدركها .. لا يعرف الاسد معنى كلمة القوة .. هو يفعلها لكنه لا يدركها .. وهكذا .. إدراك تلك المعانى وفهمها شىء عظيم .. يعنى معرفة الله ذاته .. ولذلك فالله عز وجل خص الانسان بإن له قدرة على إدراك خالقه دون ان يراه .. ولكن كما يقول راتب النابلسى العالم العظيم – إن ادراك الله ليس كإدراك أيا من العلوم .. انه امر لا يحصل بالمذاكرة والسهر .. إنما يحصل بالعمل .. وبالتالى فإن هناك اعمالا لو فعلناها لعرفنا الله .. ولن نعرفه إلا بتلك الطريقة .. فما هى؟



هى منهج الله سبحانه .. انظر للقرءان الكريم .. ان الله عز وجل لم يترك الامر لمحاولاتنا الضعيفة الضيقة بضيق الزمان والمكان .. إنما أتت الحكمة من عنده مباشرة .. يأتى بالامر والنهى الذى لو استقمنا عليه لعرفنا الله .. أنت تسأل نفسك حينما تقابل سفيه يستفزك ويسبك ويتطاول عليك .. ماذا أفعل؟ .. هل ألكمه كى يعرف من القوى هنا .. أم اتركه ويظن فى الضعف .. يخطر على بالى هذا الخاطر وسؤالى .. ما هو الفعل الاصح هنا .. فأجد قول الله عز وجل  (أدفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم) .. هذه هى اجابته بدون رتوش .. بدون زيادة او نقصان .. قد تجادل نفسك كثيرا ولكن هذا هو الامر .. تسأل نفسك لو فعلته ماذا سأجنى .. ألم أقل لك .. ستجنى معرفة الله عز وجل .. ستعرف ما معنى الرحمة .. المغفرة .. القوة .. العفو .. ستعرف أمور اعظم بكثير من مجرد الانتقام فى لحظة غضب .. هكذا يرتقى الانسان كى يصبح خير البرية.



قد يأتيك خاطر وتقول (اننى افعل هذا عن ضعف) .. اننى لا اسرق لأنى لا اقدر .. لا اغش لأنى لا استطيع .. لا اضرب لأنى اخاف .. اقول لك هذه اوهام .. انت بالفعل تملك ارادة حرة كى تفعل كل ذلك .. لو أردت ان تسرق لتحايلت وفعلت .. لو أردت ان تنتقم لوضعت له السم او جرحته وهو نائم .. انت حينما تكف امتثالا لقول الله عز وجل فأنت تملك رقيبا داخليا عليك يؤنبك ويمسكك عن فعل الشر .. مبروك عليك فضل الله .. انك تتغير تدريجيا كى تصير من المتقين.




هذا هو معنى كلمة التقوى .. التى يقول الله سبحانه عنها (إن المتقين فى جنات ونعيم) .. (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) .. (ولقد وصينا الذين من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) ...  لقد قرأت انها من اكثر الكلمات ورودا فى القرءان الكريم (وردت 240 مرة) .. يعنى ان تخاف الله فى قلبك فتمنع نفسك عن الخوض والاسترسال فى الذنب .. حينما تملك هذا الزمام الداخلى فإنك بالفعل تقترب من خالق السموات والارض .. تقترب من معرفة عظمته وهيبته وملكوته .. هل يمكن أن يؤتى انسان فى الدنيا سعادة كمثل سعادة معرفة الله والبقاء فى جنته .. لقد قال الصالحون والاولياء (أن جنة الدنيا معرفة الله) .. لأنهم ذاقوا شىء لم يذوقه باقى الناس .. أحسوا وأدركوا اشياء لا يعرفها علماء الدنيا .. عاشوا فى بستان من النور وحضروا لحظات الشروق والغروب المهيبة .. تكلموا مع الطيور وفهموا لغة القطط .. تصالحوا مع انفسهم وعم السلام نفوسهم المضطربة اخيرا .. هذه كلها جوائز ربانية فى الدنيا لمن حاول جاهدا ان يستقيم على امر الله واخلص النية انه يريد فقط الحب والقرب من الله .. 




لابد ان تعلم انك ستحاول كثيرا وستخطىء كثيرا جدا لذلك فهو يدعوك للمغفرة طوال الوقت وعدم اليأس من المحاولة.. وهو سبحانه من سيأخذ بيدك فى الخطوة الاخيرة كى تصل إلى قمة لم تكن لتصل إليها لا بعمل ولا بنية .. ولا خيالك يمكنه ان يصل لها اصلا.

اللهم اجعلنا منهم ..


No comments:

Post a Comment