العمر الذى لن تندم عليه
سمعت
عبارة (العمر مجرد رقم) فى أكثر من مناسبة .. وكان صاحبها يقصد ان الانسان يمكنه
ان يحقق احلامه فى أى وقت من حياته .. ويمكنه ان يكون شابا فى عمر الشيخوخة ...
والحقيقة انها جملة خادعة .. لأن العمر هو الانسان كله .. الانسان ما هو إلا ايامه
التى تمر سواء احس بها ام لا .. وحينما يصبح فى عمر الاربعون فهو بالتأكيد ليس
بمقدروه ان يفكر كما يفكر الشاب العشرينى الذى مازال فى مقتبل الحياة .. فلا
مشاعره نفسها ولا أفكاره ولا قدراته .. والصحيح فى الامر ان يعيش الانسان عمره كما
يجب .. مرحلته العمرية بما يناسبها من نضج عقلى وعاطفى .. لا أن يصمم على الارتداد
إلى سن المراهقة او الطفولة والذى حرم نفسه فيها من ان يعيشها كما هى ..
صحيح ان
الشباب هو زهرة الحياة .. يكون الانسان فيه فى كامل قوته وتركيزه .. وتأجج
عاطفته وذكاء أفكاره .. واحلامه الكثيرة الامتناهية وأمله فى مستقبل جميل يتمناه ...كل هذا فى فترة الشباب .. بقدر ما ضيعت الوقت فيها
بقدر ما ندمت كلما كبرت .. والحقيقة انها كارثة انى اجد شباب يقتربون من الاربعين
ولا يزال غير مدرك لذلك ويقضى جل وقته على صفحات السوشيال ميديا .. تاركا العالم
من حوله ينبض بالحياة والتغييرات وهو فى ركن صغير من العالم لا يكثرت بشىء ..
غالبا هو محبط ومتخبط ولكن ليست هذه المشكلة .. المشكلة انه لا يشعر بمرور الوقت
.. ينظر للسنوات انها ساعات .. وينظر للعمر انه (رقم) .. فإذا ما أفاق فى سن
الخمسون اصطدم بحقيقة انه عاش حياة تعيسة للغاية .. لا حلم فيها ولا احب ولا عرف
حقيقة الحياة ..
لنا الحق
ان نتوه قليلا .. وربما كثيرا .. ولكن ليس لنا الحق ان نستسلم .. او ننظر لنعمة
الله عز وجل علينا وكأنها شىء عادى .. بل هى غير عادية .. لقد اودع الله سبحانه فى
قلوب وأجساد الشباب من القوة ما يجعلهم يستطيعون تغيير اشياء كثيرة جدا .. تغيير
انفسهم واهلهم ومجتعمه.. ولا يعنينى كون المجتمع سلبى غير قابل للاصلاح .. لانها
خرافة .. الله عز وجل يقول (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مُصلحون) ..
أى يحاولون ويحاولون دائما الاصلاح فى كل شىء حولهم .. لأن هذا هو جمال الشباب
الحقيقى.
أتعرفون
أين المشكلة .. اننا انانيون جدا .. ننظر للشباب انها وسيلة استمتاع بالحياة فقط
.. نأكل ما نريد .. نسافر كى نمتع اعيننا .. نجلس لمشاهدة الافلام ونحب المقاهى
للقاء الاحباب .. كل هذا جميل وربنا خلق لنا الارض وما عليها نستمتع بها .. ولكن
هذه امور جانبية .. الجمال الحقيقى للشباب فى العمل وخدمة المجتمع والتعلم .. ولذلك الذى لا يعمل او عدد ساعاته قليلة ووقت فراغه اكبر .. تجده نزق الخلق.. سريع العصبية .. كثير الملل .. وتجده يفعل اشياء غريبة .. وربما جاذبة للانتباه .. لأنه يريد ان يملأ عالمه الخاوى .. ولن يسعده حقا سوى العمل .. الكثير منه.
الشىء الذى نحتاجه فى مرحلة الشباب هو التوجه لله عز وجل لأنه هو الذى سيرشدنا اين نسير .. طالما انت بعيد عنه فكأنك تمشى فى الظلمات .. ودائما حائر هل امشى صح ام خطأ .. لأن الذى مع الله لا يضيع ابدا .. انظر لفتيان الكهف حينما دعوا ربهم (ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا) .. كيف غير الله عز وجل نواميس الكون من اجلهم .. هذه اول خطوة واهم خطوة .. حينما يستقر الايمان والاخلاص فى القلب ستجد ان هناك قوة فى بدنك .. وصفاء فى افكارك .. ستنظر للحياة على حقيقتها .. وستعرف كيف توازن بين العبادة والعمل والعلاقات الانسانية فى تناغم جميل .. ان المؤمن بالله المتوكل عليه الملتزم بمنهجه .. هو الوحيد القادر على العيش بلا خوف وبثقة كبيرة فى الله لأنه لا يركض وراء الماديات ولا ينغمس فى العلاقات حتى الثمالة .. ولا يخاف انقطاع رزق او فقدان حبيب او زوال منصب .. ولذلك فهو يملك حرية فى التفكير اعظم بكثير ممن ابتلى قلبه بالتعلق بالمال والنجاح والشهرة والعلاقات العاطفية.
هى منازل وخطوات وليست انتقال من مرحلة الصفر الى الواحد .. إنما هى رحلة وعمر حقيقى .. عمر يستحق ان تسعد به .. عمر لن يأتى عليك اليوم الذى تندم..
انك عشته يوما ما..
No comments:
Post a Comment