(أحيانا لا يكون الطريق خاطئا بقدر ما يحتاج إلى الحلقة المفقودة)

دائما اشعر ان هناك صوت بعيد ينادي .. إلى ارض جديدة واحلام جديدة .. إننى لا ارى تلك الارض بقدر ما اتمنى الذهاب إليها .. انظر إلى حال مجتمعنا  فأحزن واشعر بالخزى .. كيف نعيش فى هذا التخلف وكيف يهزأ بنا اقوام اخرين ويتحكمون بنا على كثرتنا .. انظر إلى حضارة الغرب فأجد بها التقدم العلمى والحضارى ولكنى انفر من الإباحية والمادية والانانية والعنف والقسوة التى يعيشون فيها.. اسأل نفسى هل نحن على حق أم هم؟ ..  فأجد اننى ارتاح كثيرا  لفكرة وجود خالق عظيم .. يتناسب هذا مع كل ما اراه من إبداع وعناية ورحمة .. وأجد ان الظلم والحروب الموجودة فى العالم صنعها البشر بانانيتهم وجشعهم وقسوتهم ... أما الكون فإنه جميل ومتناغم إلى اقصى درجة ... اننى لو قارنت القمر بأجمل اضاءة صنعها الانسان لوجدت القمر اجمل .. لو قارنت مشهد امام بحر وغروب لما ساوى ذلك متعة فى الدنيا قط .. لذلك فإن حقيقة وجود الله ووحدانية الله ليس بها شك ..  الله ظاهر بأكثر مما ترى العين .. هناك امور لا نراها بأعيننا ولكن نوقن انها موجودة .. والعين ليست الدلالة الوحيدة على وجود الاشياء ..ومن فكر كذلك فهو فى الحقيقة أعمى ..  لأنه لا يرى اوسع ولا ابعد مما تلتقطه قدحة صغيرة فى جسده ... إن السمع والبصر والحس وسائل إدراك .. ولكن إدراك الانسان يفوق حواسه بكثير ... ولذلك كلمة (الله) تنطق بها الروح وتشعر بها من الصميم .. وكلمة سبحان الله او (oh my god) تخرج من افواهنا فى لحظات العجب والاحساس العالى .. فى اللحظات التى يخرج فيها الانسان من سيطرة عقله الضيق إلى جنبات روحه الواسعة .. فإنه يشعر ويهتف بعظمة الله سبحانه.


ثم يأتينى خاطر (ما الذى يجعل امة الاسلام تدعى انها على حق وهى على ما هى عليه من التخلف والاستهتار بالعلم والهمجية؟) .. فأجد دائما ردا فاحما .. القرءان الكريم .. هذا الكتاب هو الرد على هواجس النفس وشكوكها .. من الذى ألف هذا الكتاب؟ .. الذى يحوى حكمة بالغة وجمال لا متناهى .. ان الناس تتباهى بقراءة القرءان وتلحينه .. ملايين الاصوات تنافست فى تلاوته كى تقدم للدنيا قراءة جديدة .. القرءان تم قراءته مليارات المرات بأصوات الخلق ... هذا لو تحدثنا فقط عن جمال القرءاة .. اما لو تحدثنا عما يحويه حقا .. فإنه قصص حقيقية ذُكرت فى الكتب السابقة وقد كنت ابحث فى الانجيل كى اجد التشابه بينهم فوجدت الكثير .. ولكنها ذُكرت بأجمل اسلوب .. وحكمة بالغة فى امور الحياة .. ودعوة الى عبادة رب واحد وترك كل الارباب الاخرى .. وبشرى دائما  بالخير والسعادة  فى الدنيا والاخرة لكل من آمن وعمل صالحا.. وتحذير من يجرم او يظلم فى الحياة .. بل ويحدثنا عن الكون .. عن السماء وما فيها والارض وما عليها .. ويذكر لنا ادوية بعينها للشفاء من الامراض ..واطمعة مليئة بالخير .. ويذكر لنا احكام تصلح حياتنا وعلاقتنا ببعضنا  .. ويجعلنا لا نظلم ولا نجور على احد .. ويحررنا من العبودية والذل لغيرنا .. ويخبرنا اننا خلق كريم .. اكرم من المال والشهوة والمنصب .. هذا الكتاب أعز الانسان بعدما  أذلته نفسه وهواه .. وهدى الانسان بعدما تاه فى الكثير من ضلالات الفلاسفة  .. ربنا يقول عنه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلقه تنزيل من حكيم حميد) ... لذلك كلما احترت فى أمر الإسلام .. كان القرءان  هو الرد الذى لا استطيع ان أرد عليه.


ولكن هناك شىء لا ترتاح اليه نفسى .. ما هى مشكلة أمة الاسلام؟ .. ادركت أن هناك حلقة مفقودة .. حلقة تصل الخيوط ببعضها .. أمة الاسلام  فعليا تركت الاسلام منذ زمن .. الاسلام المتمثل فى العلم بالله وبكتابه وبمنهجه الربانى .. التى تركت العمل وطلب العلم وانشغلت بإرضاء شهوات النفس  واللهث وراء المال كالغرب تماما .. أمة الاسلام حطت من قدر نفسها حينما فعلت ذلك .. وتتعلل بالعلم والحضارة .. اعتقد ان الفيروس التاجى الذى ضرب الارض ومن عليها .. ضرب اقوى دول العالم قد أظهر ضعفها بالفعل .. ضعف بنيانها الأخلاقى والعقائدى .. إن هناك علما فوق علوم الدنيا .. لو عرفناه لأصبح فهم علوم الدنيا أسهل  .. لماذا .. لأنك الان تعرف لماذا تتعلم .. انت لا تتعلم لتجنى مالا وشهرة ونجاحا واعتزازا  وكبرا .. انت تتعلم لتعرف الله اكثر ولتصلح الدنيا ..عقل الاول ضيق بضيق غايته .. وعقل الثانى واسع بوسع غايته .. لذلك لا استغرب علماء المسلمين الذى عرف عنهم الموسوعية فى العلم.. اى انك تجده يعرف فى الطب والفلك والفيزياء  والادب .. وذلك لأنه يمضى فى الحياة كمستشكف لآلاء الله وليس كماكنة جمع مال ... 


فارق كبير بين حضارة الغرب وحضارة الاسلام .. والحلقة المفقودة هو اننا بحاجة إلى تعلم دين الله اولا وفهمه جيدا .. كى نستطيع ان نعرف قيمتنا الانسانية ونكف عن اتباع من لا يُتبع .. كى نكتشف انفسنا من جديد ونرد لها كرامتها المهدرة وظمآها للحب والراحة النفسية والسلام الداخلى .. حينها سنصبح اقوياء للغاية .. اقوى من خوفنا .. ومن قلة ثقتنا وترددنا .. ومن حيرتنا فى الحياة..


سمعت عبارة (العمر مجرد رقم) فى أكثر من مناسبة .. وكان صاحبها يقصد ان الانسان يمكنه ان يحقق احلامه فى أى وقت من حياته .. ويمكنه ان يكون شابا فى عمر الشيخوخة ... والحقيقة انها جملة خادعة .. لأن العمر هو الانسان كله .. الانسان ما هو إلا ايامه التى تمر سواء احس بها ام لا .. وحينما يصبح فى عمر الاربعون فهو بالتأكيد ليس بمقدروه ان يفكر كما يفكر الشاب العشرينى الذى مازال فى مقتبل الحياة .. فلا مشاعره نفسها ولا أفكاره ولا قدراته .. والصحيح فى الامر ان يعيش الانسان عمره كما يجب .. مرحلته العمرية بما يناسبها من نضج عقلى وعاطفى .. لا أن يصمم على الارتداد إلى سن المراهقة او الطفولة والذى حرم نفسه فيها من ان يعيشها كما هى ..

صحيح ان الشباب هو زهرة الحياة .. يكون الانسان فيه فى كامل قوته وتركيزه .. وتأجج عاطفته وذكاء أفكاره .. واحلامه الكثيرة الامتناهية وأمله فى مستقبل جميل يتمناه ...كل هذا فى فترة الشباب .. بقدر ما ضيعت الوقت فيها بقدر ما ندمت كلما كبرت .. والحقيقة انها كارثة انى اجد شباب يقتربون من الاربعين ولا يزال غير مدرك لذلك ويقضى جل وقته على صفحات السوشيال ميديا .. تاركا العالم من حوله ينبض بالحياة والتغييرات وهو فى ركن صغير من العالم لا يكثرت بشىء .. غالبا هو محبط ومتخبط ولكن ليست هذه المشكلة .. المشكلة انه لا يشعر بمرور الوقت .. ينظر للسنوات انها ساعات .. وينظر للعمر انه (رقم) .. فإذا ما أفاق فى سن الخمسون اصطدم بحقيقة انه عاش حياة تعيسة للغاية .. لا حلم فيها ولا احب ولا عرف حقيقة الحياة ..

لنا الحق ان نتوه قليلا .. وربما كثيرا .. ولكن ليس لنا الحق ان نستسلم .. او ننظر لنعمة الله عز وجل علينا وكأنها شىء عادى .. بل هى غير عادية .. لقد اودع الله سبحانه فى قلوب وأجساد الشباب من القوة ما يجعلهم يستطيعون تغيير اشياء كثيرة جدا .. تغيير انفسهم واهلهم ومجتعمه.. ولا يعنينى كون المجتمع سلبى غير قابل للاصلاح .. لانها خرافة .. الله عز وجل يقول (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مُصلحون) .. أى يحاولون ويحاولون دائما الاصلاح فى كل شىء حولهم .. لأن هذا هو جمال الشباب الحقيقى.

أتعرفون أين المشكلة .. اننا انانيون جدا .. ننظر للشباب انها وسيلة استمتاع بالحياة فقط .. نأكل ما نريد .. نسافر كى نمتع اعيننا .. نجلس لمشاهدة الافلام ونحب المقاهى للقاء الاحباب .. كل هذا جميل وربنا خلق لنا الارض وما عليها نستمتع بها .. ولكن هذه امور جانبية .. الجمال الحقيقى للشباب فى العمل وخدمة المجتمع والتعلم .. ولذلك الذى لا يعمل او عدد ساعاته قليلة ووقت فراغه اكبر .. تجده نزق الخلق.. سريع العصبية .. كثير الملل .. وتجده يفعل اشياء غريبة .. وربما جاذبة للانتباه .. لأنه يريد ان يملأ عالمه الخاوى .. ولن يسعده حقا سوى العمل .. الكثير منه.


الشىء الذى نحتاجه فى مرحلة الشباب هو التوجه لله عز وجل لأنه هو الذى سيرشدنا اين نسير .. طالما انت بعيد عنه فكأنك تمشى فى الظلمات .. ودائما حائر هل امشى صح ام خطأ .. لأن الذى مع الله لا يضيع ابدا .. انظر لفتيان الكهف حينما دعوا ربهم (ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا) .. كيف غير الله عز وجل نواميس الكون من اجلهم .. هذه اول خطوة واهم خطوة .. حينما يستقر الايمان والاخلاص فى القلب ستجد ان هناك قوة فى بدنك .. وصفاء فى افكارك .. ستنظر للحياة على حقيقتها .. وستعرف كيف توازن بين العبادة والعمل والعلاقات الانسانية فى تناغم جميل ..  ان المؤمن بالله المتوكل عليه الملتزم بمنهجه .. هو الوحيد القادر على العيش بلا خوف وبثقة كبيرة فى الله لأنه لا يركض وراء الماديات ولا ينغمس فى العلاقات حتى الثمالة .. ولا يخاف انقطاع رزق او فقدان حبيب او زوال منصب ..  ولذلك فهو يملك حرية فى التفكير اعظم بكثير ممن ابتلى قلبه بالتعلق بالمال والنجاح والشهرة والعلاقات العاطفية.

هى منازل وخطوات وليست انتقال من مرحلة الصفر الى الواحد .. إنما هى رحلة وعمر حقيقى .. عمر يستحق ان تسعد به .. عمر لن يأتى عليك اليوم الذى تندم..

انك عشته يوما ما..







لقد كنت اعانى معاناة بالغة فى تخطيط الحياة   ... كنت اكتب الخطط واتفنن فى ألا أفعلها .. وانظر لصديقتى المنظمة التى اعتادت الانضباط  وكيف تنجح فى الوصول لأهدافها وانا افشل فى تحقيق ابسط الاهداف ولو حتى انهاء كتاب .. شكل هذا الأمر اضطراب نفسى لفترة من الزمن لدرجة وصلت احيانا الى ان اتشنج من التوتر وألقى بالجدول وأقرر أن لا افعل شىء .. وأعيش هائمة على وجهى .. هذا أفضل من عذاب تأنيب الضمير والاحباط المستمر.

لكنى كنت آمل فى الله عز وجل كثيرا .. واردد الدعاء (رب هب لى من لدنك رحمة وهيىء لى من امرى رشدا) ... كان الامر صعبا على .. اننى اريد تحقيق اهداف بعينها  .. ولكن اجدها كثيرة ولا اعرف كيف ارتبها .. ثم تأتى ظروف فى الاسرة تهدم كل شىء .. افتقدت معنى ترتيب الأولويات فوجدت دورة تعليمية ساعدتنى كثيرا فى ذلك .. تعلمت منها انك احيانا تظن ان الاهداف متباعدة .. غير صالحة للاندماج .. بينما هى فى الحقيقة يمكنها ان تندمج .. وان تتكاتف لتحقق بعضها البعض ... وانك كلما تكاسلت عن الفعل فيمكنك ان تعد من واحد لخمسة ثم تنهض فجأة .. وان بداية اليوم الناجح هو ان ترتب سريرك .. تعلمت منها اشياء جيدة .. وكانت سلمة صغيرة لكنها لم تكن كافية.
استمرت الحرب النفسية مع تنظيم الوقت فترة طويلة .. لأننى اصلا شخص لم يعتاد ذلك .. اعتدت ان اركز فى هدف واحد بعينه فى الوقت الواحد وان اهمل جميع الامور الباقية .. ولأن هذا لم يكن مرضيا ابدا وجعلنى  اقصر فى حق نفسى وحق اسرتى .. كما انه لم يجعلنى سعيدة .. فعدت لفكرة انك يجب ان تملأ وقتك بأولويات مختلفة كلا منها يخدم وجه بعينه .. وليست كلها منصبة على النجاح فى العمل او الحصول على جسد رشيق .. إنما هناك الروح والفكر والعلاقات وهذه كلها جزء منك يتعب لو اهملته .. فتناسيت فكرة النجاح المادى وحاولت بناء اعمدة البيت الضعيفة الاخرى  .. لأنى وجدت ان بيتى لم يكن قويا بالقدر الكافى وكان يتعرض لأهتزازت نفسية عنيفة فى مواجهة الحياة.

لقد اكتشفت ان طريقة الوصول حينما تكون مرهقة وصعبة لا تستمر ابدا .... انما الذى يستمر هو العادة اليومية الصغيرة .. وعليك ان تصدق قوة العادة فى تغييرك بشكل جذرى وليس شكلى .. تغيير افكارك ونظرتك للحياة .. يمكنك ان تنقص فى شهر 10 كيلو .. ولكنك ستكسبهم فى الشهر التالى .. فلماذا العذاب ولما الاستعجال .. هل تظن انك قد اكتسبت وزنك الحالى فى لحظة .. بل انت استمررت سنوات فى تناول الاكل الدسم وعدم الحركة .. وعليه وبنفس المعدل عليك تغيير عاداتك السيئة إلى عادات تستمع بها .. إلى ان تحب الفاكهة اكثر من السكر .. ولا تتحمل ان يمر يوم بلا مشى .. وهكذا .. ان هذا له متعة خاصة .. أتدرك ما هى؟ .. انها اصبحت جزء منك ... جزء من شخصيتك .. وليس مجرد اداء مرهق تريد ان تتخلص منه فى اقرب وقت.

لكن كيفية اكتساب العادات هى الاخرى مرهقة .. لماذا ... لأن الانسان عجول ... متعجل فى تحقيق كل الاهداف فى نفس الوقت .. متعجل فى الحصول على النتيجة .. وانى اقول لك .. اهدأ واستمتع .. حينما نظرت لعاداتى الكثيرة واستمررت فترة اخرى من الاحباط المستمر وجدت انى احققها بنسبة 40% .. وهذه 50% .. وهكذا .. يعنى كلما فشلت وبدأت من جديد وجدت ان الامر اسهل لأننى بالفعل حققت نجاحا بسيطا قبل ذلك .. وهذا هو الفارق الجوهرى بين نظام العادات والانظمة الاخرى .. هو انك تشعر بقدر من السعادة .. وبقليل من الاجهاد .. وبكثير من الأمل.

ايضا حينما تراقب عاداتك ستجد ان لها اوقات مناسبة .. وستعرفها بالممارسة .. كل واحد له وقته المناسب فلا تقارن نفسك بأحد .. اننى اجزم ان النظام اليومى هو شىء خاص جدا لكل انسان .. يرسمه شخصيته وظروفه .. لذلك توقفت عن مقارنة نفسى بصديقتى لأننى اختلف عنها فى الطبع واتفق معها فى رغبة الوصول .. فأصبح كلا منها يحقق اهدافه بطريقته الخاصة التى يحبها ويراها انسب له.

اننى اقول لك لا تستسلم .. لان الله هو الكريم .. وقد قلت لنفسى قبل وقت قصير اننى لن انجح .. وسأظل مشتتة طوال حياتى .. ولكن اؤكد لك ان الله سميع مجيب .. وانه سبحانه لا يترك عباده حينما يدعونه .. ولكننا بحاجة إلى الصبر كى نرى رحمته  (سأوريكم آياتى فلا تستعجلون) ... سترى انك تتغير ببطء ولكن بثبات .. وانك اصبحت اصلب عودا واكثر فهما لطبيعتك وتصالحا معها .. وستوقن اننا جميعا من حقنا ان نحلم .. نحلم ان نصبح أفضل حالا فى كل جوانب الحياة ... فنحن صنعة الله عز وجل التى خلقها فى احسن تقويم .. والتى اكرمها واعطاها من مقومات النجاح الكثير .. فلما نهدر نعمة الله عز وجل بتصديقنا لوسوسة الشيطان الذى لا يعدنا الا بالفقر والمرض والفشل ثم العذاب فى النهاية .. فلنتركه يحترق ونتوكل على رب العالمين.