قرأت ذات مرة قصة عبقرية لأجاثا كريستي تحكي عن ثلاثة أشخاص: رجل دين، ومحام، وطبيب. تقابلوا صدفة في قطار، وأخذوا يتحاكون أثناء الرحلة عن قصة فتاة شغلت الصحافة لفترة.
كانت )فيليسي) في بداية حياتها تعيش في بيت لرعاية الأيتام، وكانت فتاة بطيئة الفهم، لا تتقن فعل شيء، ثم بعد سنوات وجدوها فجأة تتقن الإيطالية والألمانية، ومولعة بالموسيقى. ثم تطور الأمر إلى شخصية ثالثة جريئة، وفاسدة الأخلاق، ورابعة متزنة وحكيمة.
وحينما اختلفوا في تفسير الأمر، استيقظ (الرجل الرابع) الذى كان يرافقهم، وبدأ في الحديث. حكى لهم أنه كان يعرف الفتاة منذ صغرها، وأن من لا يعرف صديقتها (آنا) لن يفهم قصة (فيليسي)!
كانت (آنا) يتيمة مثلها، لكن ذكية وجميلة، وذات صوت رائع. وكانت فيليسي تتبعها كظلها، رغم معاملة (آنا) الذليلة لها، ورغم أن (فيليسي) قوية كالحصان، و(آنا) هزيلة، لكن تأثير( آنا) الغريب عليها جعلها دائما تطيع أوامرها.

كبر البنتان، وظلت (فيليسي) خادمة، بينما نجحت (آنا) واشتهرت كمغنية، نالت كل ما تريد، وذات يوم أصابها مرض؛ بسبب هزالها، فعادت إلى البيت الذي كانت تخدم فيه صديقتها، وظلت تهينها بالرغم من ضعفها واحتياجها لها، ثم ماتت (آنا)، وحينئذ بدأت تظهر شخصيات (فيليسي) المزدوجة، التي كانت تتنقل بينهم بغير وعي، وبعد سنوات انتحرت (فيليسي) مخنوقة بيدها القوية التي أطبقت على رقبتها، سألهم (الرجل الرابع) في نهاية القصة: (ماذا تفعل لو وجدت لصا يسكن منزلك؟ ستقتله؟ أليس كذلك(!

دائما كلما تخيلت فكرة (الحب) يقفز إلى ذهني صور دوائر كثيرة، بعيدة وقريبة، وأشخاص واقفون عند كل دائرة يلوحون لذاتي من بعيد، كأنك تمشي طوال الوقت، تحمل مرآة، لكنها لا تعكس صورتك فحسب، بل تضيف عليها أفكار الآخرين واختلافهم.كل واحد منهم يرسم صورة معينة لك، وأنت تراها آلاف المرات، في عيون المارة بالشارع، وفي أهلك وأصحابك وعملك.


تخيل أن ترى ذاتك بكل هذا الاختلاف والتناقض، هل يمكنك أن تتصالح معها أو تفهمها؟ هل يمكنك حتى أن تقارن بين صورة وأخرى؛ كى تعرف أين الخطأ الذي يجب إصلاحه؟ حينما أسمع أحدا يتحدث عن فشله في الحب، فإنه يبدأ عادة بصب اللوم على الطرف المفقود، وتجسيد صورة الوغد الخائن الذي لم يقدر الحب، ثم أجده يتساءل بحزن، وعيناه تلمع: (لماذا تركني؟(... ويبدأ في الوصول لشعوره العميق بأنه لا يستحق الحب، وأنه لو كان إنسانا رائعا لكان جديرا بالتمسك به، دائما تبدأ القصة بذات مثالية مضحية، ثم تنتهي بذات مثيرة للشفقة، لكن السؤال: لماذا نقحم نقطة الذات ـ الشديدة الخصوصية ـ في العلاقات الإنسانية العابرة؟ ... الناس تحرص أن ترتدي ثيابا؛ كي لا يقتحم الآخرون أجسادها بعيونهم، لكن لا يكونون بذات الحذر والانتباه مع أرواحهم 






لكي نفهم فكرة الروح وعلاقتها بالخارج، دعنا نتأمل أصغر وأحكم علاقة في العالم: العلاقة التى يتكون منها الحديد والماء والنار والهواء، ومنها تختلف درجة مرونة المادة، وقدرتها على الانسياب بين الصخور والجدران، واحتمال الصدمات القوية، علاقة مكونات الذرة، أي ذرة في العالم تحتوي على جسم متمركز (روح الذرة) ودوائر طاقة حولها، تحمل إلكترونات. الإلكترونات تدور حول الروح بشكل سريع، وتولد مجالا مغناطيسيا، تجعل الذرة بأكملها تنحرف وتتحرك وتدخل في تفاعلات مكونة مادة جديدة، أي أن وجود العلاقات الإنسانية مهم لتطوير الذات، والخروج بها إلى أراض واسعة جديدة من الفكر والجمال 


هناك من يتخيل أن الوحدة تريح النفس وتحميها من الوجع، ربما، لكنها ستظل سجينة أفكار لا تتغير، وتجارب غير ناضجة عن الحياة، أيضا تلك الإلكترونات المحيطة تتقافز بين دوائر الطاقة بحرية. يمكنها أن تبتعد وتقترب من الروح، ولكن هناك قانونا لاحظه أهل الفيزياء، وهم يراقبون تحركات الإلكترون.
كلما اقتربنا من الدوائر القريبة من الروح كلما قل عدد الإلكترونات المتحركة. مهما تغير حجم العلاقات الخارجية يظل بجوار الروح عدد قليل وثابت من الإلكترونات. وأن تلك البعيدة هي التي تجذب الذرة؛ كي تقيم روابط مع ذرات أخرى، وتتحول إلى مادة جديدة، هناك علاقة محددة جدا في ضبط تلك الدوائر وعدد من يسكنون بها، حتى لو تحولت ذرة الماء إلى بخار؛ نتيجة عاصفة ساخنة من التفاعلات، يظل عدد الإلكترونات القريب من الروح قليلا، ومشدودا جيدا 


قانون الفراق والمسافات والاستقلالية يُدرس هنا، حينما تكون العلاقات الإنسانية عشوائية، ونسمح لأي أحد أن يسكن في أي مكان، ويقترب من حدود الروح المحرمة التي فيها حريتنا واحترامنا لأنفسنا وأفكارنا، فإن الفراق يكون بخسائر مبالغ فيها، واهتزاز عنيف في بديهيات تعرفها عن نفسك 


أعرف شخصا ظل فى عمله يتنازل عن حقوقه ويسمح لرؤسائه أن يفرضوا السيطرة عليه، ويحركوه كالدمية (لمصلحة العمل)، مع الوقت بدأ يفقد إحساسه بقيمته! بدأ ينسى من هو، وماذا يملك من مواهب، بل كيف يضحك بصدق، ويثق في الناس، مر بعدها بفترة مظلمة يبحث عن ذاته المفقودة، هذا لأنه أفرط ليل نهار فب حرصه على النجاح والوصول، كان احتياج نفسي طبيعي في البداية، لكنه ظل يدفعه إلى دوائر روحه الداخلية، حتى تضخم وأصبح مرآة كبيرة، لا يرى ذاته، إلا من خلالها، هذا عبث كوننا نحول الأفكار المثالية عن الحب والعمل والإخلاص إلى أسلحة مدمرة تقتل فينا كل إحساس بالحياة، وضياع للعمر، أن لا نقف كل فترة، ونعيد ترتيب أولويات الحياة، ونجمع إيجار الحب من سكان قلبنا، وننذرهم بالإبعاد والطرد، لو تهاونوا في احترامنا أو حاولوا الاقتراب من دائرة ثقتنا بأنفسنا 


حينما أتأمل تجارب الناس أجد أن جميع الصفات الحميدة للحب من إخلاص وإحساس بالسعادة والشوق، هذه الأمور تحدث حينما يكون الحب متوازنا، كلا الطريفين يحافظ على استقلالية أفكاره وحريته وأحلامه، يكون الطرف الآخر موجود بقوة داخل حلمك كشريك حياة، وليس كسجان، لكن يبدأ الأمر يأخذ منحنى صبيانيا سخيفا، ويتحول إلى الغيرة اللامنطقية، والظن أنه غير مبال بك، والشعور باهتزاز الثقة في النفس، حينما يصبح الطرف الآخر صورتك في المرآة، لا تفكر إلا فيه، لا تسمع إلا صوته يتردد في عقلك، تنسى والديك وأهلك وأصدقاءك المقربين، ويتحولون إلى مجرد وجوه متكررة لصورته، يستسلم الإنسان لشعور الخدر هذا؛ لأنه جميل وممتع، لكن لابد أن تملك قرون استشعار منتبهة وواعية بذكاء لمدى أمان دخول هذا الشخص لمستوى أعمق بداخلك، كثير من الناس تظن أن جاذبية من نحب عنصر لا يد لنا فيه، وهذا غير صحيح؛ لأن الشهاب مثلا لا يدخل نطاق جاذبية الأرض؛ لأنه بعيد، إذا أردت أن تتحكم في جاذبية الأشخاص لك. لابد أن توجد مسافات، مسافة ذكية كتلك التي يحددها الطير حينما يبصر الناس أمامه، دائما ألاحظ عندما أقترب من حمامة أو غراب أنه منتبه جيدا، عينه مركزة، لا على الطعم، بل على موضع قدمي، فإذا ما حانت لحظة محددة، يتقافز بعيدا، ثم يفرد جناحيه للسماء ويطير، إنه لا يساوم وسع السماء وملامسة الشمس وسيادة النفس بأي متعة أخرى، ونحن أكرم من الطير.


اللهعز وجل – يقول: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى). الإنسان الذي وصل للسماء بغير أجنحة، وغاص لباطن الأرض بغير قدرات نارية، ورأى الأكوان الأخرى، ولا زال يحلل معادلات الحياة وحكمتها، هذا كله لأن الله ـ عز وجل ـ وهبه صفتين: إدراك العقل وحرية الإرادة، (فاحكم)، فلا مجال أن نجعل أية علاقة أو تجربة في الحياة تسلبنا إنسانيتنا.






اعتدت منذ زمن ان افسر العلاقات بالمقابل .. (اعطينى واعطيك) .. ولذلك لكثرة ما رأيت من انانية وقسوة العمل والصداقة والعلاقات الانسانية  عموما .. ان الناس تنظر لمن أمامها وتقيم قدر استفادتها ومصلحتها الشخصية  .. فإذا كانت العلاقة متساوية وهناك (هات وخد)  حتى ولو على الجانب المعنوى فلنكمل .. غير ذلك فلا حاجة بىى فيك .. هذا الامر جعلنى شيئا فشيئا يتزايد بداخلى شعور الخوف ... الخوف اننى حينما اقع لن يقف بجانبى احد .. فالناس ترافق وتحترم وتحوم حول القوى فقط .. اما لو ضعفت فأنت فى طيات النسيان ... ولكنى لم أجد يوما هذا الامر مع ربى وذلك ما جعلنى احبه حبا عظيما .. اننى كلما  لطمتنى الحياة وذهبت إليه وجدته موجودا .. يربت على ظهرى ويداوى جرحى ويرسل الى رسل سواء من البشر او الحياة .. يخبروننى ان اطمئن واهنأ بالا .. ثم يكشف الكرب وانساه وتمضى الحياة وكأنه لم يكن ... ولكن لأننى كنت جاهلة ظل شعور الخوف موجودا .. لإننى لم استطع ان افسر لماذا يفعل الله ذلك ... لأن تعريف العلاقات والأمان داخلى تشوه بتشوه نفسيات البشر .

ثم شاهدت مقطع فيديو لنعمان على خان يتحدث فيه عن أسم الله (الرحمن) ..  ذكر ان الرحمة اشتقت من الرحم .. حيث يمكث الطفل الصغير فى بطن أمه ترعاه وتحفظه وتطعمه .. حيث تحميه وتضحى من اجله .. وليس معنى الرحمة كما هى ترجمتها فى اللغة الانجيلزية ان شخصا ما كان متوقع منه ان يعاقبك ثم عفا عنك فنقول انه رحمك ... لا ..إنما معنى الرحمة هو الحفظ والعناية التامة بك.

ولله المثل الاعلى .. تذكرت أبى رحمه الله .. ان أبى كان يقبل ان أكون فى بينه وآكل من طعام اشتراه بماله .. وأنام على سرير  يملكه .. ولم يقول لى يوما (اخرجى بره البيت) .. او يُلقى بى الى الشارع .. رغم انى لم اكن ادفع له مقابل إقامتى او طعامى .. وكنت افعل ما بدا لى دون شعور بالخوف يوما ان يطردنى ... فلماذا كان ينفق على؟.. ويقبل وجودى بل بالعكس لو تغيبت يقلق ويبحث عنى .. ما الذى يجعل انسانا يفعل ذلك؟ .. فأدركت ان هذا العالم المادى الذى غرقنا فيه جعلنى انسى ان هناك علاقات ومعانى نراها ولا نراها .. ومنها الابوين اللذين هم جزء صغير من رحمة الله التى وسعت كل شىء.

إننا فعليا لا نحتاج للعمل او للمال  كما نظن .. لأننا نملك ربنا يأوينا ويطعمنا ويحفظنا .. ربا يجعل الخلايا الموجودة فى اجسادنا تقوم بمهامها  .. وهى مهام دول العالم الان تنفق مليارات المليارات كى تحارب شىء صغير  يهاجم تلك الخلايا وتقف امامه عاجزة .. فالرحمن لا يرزقنا لأننا نستحق .. لأننا اجتهدنا .. او اننا  اذكياء واقوياء .. او اننا  فعلنا امورا طيبة .. بل يرزقنا لأنه الرحمن ... وهذا يجعلنا نطمئن تماما كإطمئنان الطفل فى بطن أمه .. هل راوده شك يوما ما ان الطعام لن يأتيه .. او انه سيموت مخنوقا .. انه يتلقى العناية اللالهية دونما تفكير .. ربنا طلب منا العمل والسعى لأنها سنته الكونية .. وليس لأنه يريد عذابنا او تكدير صفو حياتنا او اذلالنا لغيرنا .. بل لأنه يعلم ان العمل اصلا يمتعنا والمعرفة تروى ظمأنا والاحسان يسعدنا .. فكل عملنا  اصلا لنا .. وهذا الامر الثانى الذى كنت لجهلى لا استوعبه جيدا .. ان اوامره ونواهية لى وليست له .. وانه حينما يأمرنى بالحجاب او الصلاة او اتقان العمل أو الانفاق فهذا كى اصبح سعيدة وآمنة ... لأن البديل الاخر هو العيش فى بيئة مليئة بالفساد والخيانة والكذب والقلق والفقر .. وهو ما حدث بالفعل مع المجتمعات التى اختارت ان لا تثق فى رحمة الله.



من أكثر المخلوقات التى تلفت انتباهى هى القطط .. احب حركاتها الشقية الغير متوقعة .. أحب دلالها وموائها وطريقة مشيها .. شىء واحد امقته حقا فى القطط ... حينما تتشاجر .. تتحول إلى مخلوق شرس موائه قاسى ومخالبه مؤلمة .. انى اتسائل لما تتشاجر القطط كثيرا .. كلما اقتربت من بعضها تجد سببا للشجار .. حتى حينما يكون هناك طعام وفير تجد قطة قوية تريد ان تستأثر بالطعام كله .. وتتوعد من يقترب ... لا يوجد وسيلة للتفاهم بينهم سوى التخويف والترهيب .. القطة تنظر للاخرى كى تزن إن كانت قوية بما يكفى أم لا .. لا ينظرون لوفرة الطعام او وسع المكان .. بل لأحتمالة اعتداء بعضهم على بعض .. ورغم انه سلوك حيوانى طبيعى نظرا لعدم وجود عقل مدرك .. إلا اننا نجده فى تصرفات البشر.

حينما يصبح الانسان عدوانيا يزداد ضيق أفقه ونزقه .. لا يرى مساحة لفرص التفهم وحلول الوسط وكسب الود بل مساحات الاعتداء وكسب ارض جديدة  .. يلجأ للطريقة التى لا عقل فيها وهى العنف .. لأنه يؤمن انها الطريقة الوحيدة التى سيحمى بها نفسه .. لذلك تجده يتفاخر بصحته .. وصوته العالى .. وكلماته البذيئة .. ويعرف ان من حوله لن يقدرون على رد ذلك فيثق فى فعالية وسائله اكثر .. لأنها تأتى بنتائج مرضية .. هل التعامل مع هذا الانسان يكون بالعقل ام بالقوة؟ .. يكون بنفس لغته ام لغة اخرى لا يفهمها .. لو تحدثنا عن التفاهم العقلانى فهو غير موجود تماما ولا تحاول ذلك اصلا .. ولما يتفاهم وهو يحصل على ما يريد بالفعل .. لذلك غالبا ما يقهر هذا الانسان أما شىء أقوى منه ..
أو أذكى منه ..

هل التجاهل فى حالته هو الفعل الصحيح .. ربما .. ولكن التجاهل الذكى .. التجاهل الذى يجعله لا يؤذيك ظانا منه انه انتصر عليك .. التجاهل الذى يجعله يفهم ان العنف ليست وسيلتك للتفاهم .. فى البداية سيحاول ان يستفزك بكافة الوسائل كى يأتى بك إلى ساحة المعركة .. تظل انت ممسكا بأعصابك حتى حين .. فإذا ما أفلتت منك لاح على وجهه ابتسامة واسعة ... لقد استطاع ان يسحبك إلى حظيرته .. فالبداية فى ضبط النفس وهذا يكون فى تجاهل وجوده اصلا .. تجاهل كلماته الجارحة وافعاله العدوانية والرد عليها بالهزار والضحك .. عندها سيكسر جوء الكآبة والعدوانية شيئا فشيئا .. ستنفرط حبات الغضب وسط جو من المرح (هذا الأمر يفلح كثيرا جدا بالمناسبة) .. وإذا وجدت انك نفسيا غير قادر على ذلك فالاعتزال أسلم حل .. لأنك فى النهاية لا تريد ان تضيع وقتك وطاقتك فى مواجهات فارغة .. والافضل ان توجهها فيما ينفعك.

هذا لو كنا نتحدث عنك وعن حمايتك.. لكن لو اننا نتحدث عنه فهذا الشخص العدوانى اعتاد ان يكون غاضبا متوترا .. انه لا يشعر بالأمان .. لذلك فمفاتحه الشعور بالامان .. ان تعطيه الثقة بأنه شخص مقبول وناجح .. شخص يمكنه ان يضيف لهذه الحياة وان يحقق اهدافه .. لأنه اعتاد ان يشعر بغير ذلك .. اعتاد ان يشعر انه فاشل .. مطرود .. غير مرغوب فيه .. سواء كان فى تربيته او تجاربه .. هو يقول انه لا يهتم بالناس وهذا لأن الناس اذوه نفسيا كثيرا ... فأصبح يحب الوحدة والانعزال .. لذلك فحاول ان  لا توجه النقد والكلام السىء .. ولا ترد كلامه بكلام  .. لأن هذا ابعد وسيلة للتفاهم معه .. وابدء فى حقن ثقته بنفسه .. وافعل ذلك كى تساعده ان يعود انسانا سويا .. وان تضع فى الحياة بذرة جديدة مستعدة ان تكون صالحة .. واجعلها لوجه الله

هذا الانسان يمكنك ان تكسب قلبه وتجعله يشعر بالامان معك .. لو اعطيته ما يريد.





احب ان اشاهد مسلسل (لن اعيش فى جلباب أبى)  من حين لآخر ... انه مثال للحب الصافى والاخلاق والاخلاص فى الحب .. تمثل لى اجمل قصة حب شاهدتها فى حياتى .. ربما ليست قصة حارة فائرة المشاعر ولكنها مخلصة .. ليست تحمل الكثير من المراهقة فى الحب والحيرة التى نستمتع بها .. ولكنها على العكس تحمل الكثير من الشعور بالامان والاخلاص والصبر عبر رحلة الحياة ... هكذا هو الحب بالنسبة لى .. حينما افتقد الامان فى الحب لا احبه .. ولا أريده .. لأنى ارى نهايته .. فالانسان الذى اعتاد ان يكون انانيا .. مراوغا .. لا تتوقع أن تكون الحياة معه مريحة وسعيدة .. على العكس لحظات الألم فى القصة أكثر .. والجرح فى القلب بعد الفراق عميقا بلا سبب .. لأنه جرح كرامة وليس جرح فقد.

قصة (عبد الغفور البرعى) تمثل الأسرة البسيطة التى رغم ثراءها فهى لا تشعر به .. انها لاتقيم للمال وزنا .. بل للحب والعلاقات الانسانية ... لذلك حينما تتأمل عائلة الوزير تجد دائما اجتماعاتهم حادة .. قلقة .. مليئة بالافكار السلبية .. بينما على الجانب الاخر تجلس عائلة (عبد الغفور) تتناول الفاكهة بعد عشاء محبب .. وتضحك من قلبها .. ذلك لأن القلوب صافية .. والمشاعر صادقة .. لأن عندهم استعداد كبير لإعطاء الحب .. لذلك حينما واجهوا العالم الخارجى المتمثل فى زيجات البنات اصطدموا بشدة .. فلم يعتادوا على الجشع .. والانانية .. ولكن اجمل ما فى القصة انها اخرجت النهاية الصحيحة .. ان الله عز وجل يبارك فى هولاء .. ويحفظهم .. ربما يتألمون قليلا .. ولكن الألم يجعلهم أقوى .. وأكثر فهما للحياة .. ثم فى النهاية يحصلون على ما يرضى قلوبهم .. ولكنهم بحاجة للصبر.. لكثير من الصبر.

هناك مواقف كثيرة تأثرت بها .. منها موقف (عبد الغفور) حينما عرض على اخو زوجته ان يعمل معه .. اعود لمشاهدة هذا المقطع أكثر من مرة .. لأنه نادرا ما تجد احد يراعى (الأصول) .. انه يقول من حقى ان امنع زوجتى .. ولكن ان تجد من يقول ذلك بكل كياسة ولباقة .. بغير جرح مشاعر .. بالاصول .. فهو امر نادر ..

ايضا مواقف (فاطنة) مع زوجها .. حينما اعطته الذهب بكل ثقة وهى لا تحمل ذرة توجس منه .. بلا تردد .. ليس لأنها تثق به فحسب .. ولكن لانها تحبه .. وتحب ان تعطى .. حينما دافعت عنه فترة خطبتها وظلت ترد على اخيها كلما عاب فيه .. ولا يهمها قوله (انتى بترخصى نفسك) .. وهى تبتسم من قلبها .. لا يهمها سوى ان يكونا معا .. فى هذا العصر المادى الذى نعيش فيه .. الذى تمثل فيه العروسة قيمتها ب(القايمة) .. والتى تظل متوجسة من خطيبها إلى لحظة كتب الكتاب .. حتى اننى اسمع اكثر من فتاة تخبرنى انها كانت ستفض كل شىء قبل كتب الكتاب .. ما الذى يجعلها خائفة كل هذا الحد .. هل لأنها خائفة من المسئولية .. ام خائفة منه؟

موقف (عبد الوهاب) الذى تحبه أمه اكثر من اى شىء فى الحياة .. كم رأيت تلك القصة .. واستغرب لماذا تحب الام المصرية الولد اكثر من البنات (بينما لا يفعل الاب ذلك) .. كيف تدلل رجلها الصغير حتى تصبح البنات اكثر تحملا للمسئولية منه .. هناك شىء غريب لم افهمه بعد فى نفسية تلك المرأة .. شىء تفتقده .. اشفاقا مثلا .. لا أعرف .. ولكن النتيجة تكون لغير صالحه غالبا.

هناك شىء اشعر به كلما دخلت بيت (عبد الغفور) .. شعور غريب بالامان والسعادة .. فى ظل العالم الخارجى الذى اصبح قاسيا بشدة  .. افتقد هولاء البسطاء الذين لا يحملون هم الثراء ولا النجاح ولا المنافسة .. لو كانوا هولاء فاشلون فمن هو الناجح إذا؟ .. الذى يركض وراء أموال متراكمة فى البنك ولا يهنأ بلحظة سعادة مع أسرته .. لا يصنغ صندوق ذكريات معهم .. أم الهائم على وجهه يبحث عن اجابة لأسئلته الوجودية .. من انا ؟.. وما هى قيمتى فى الحياة ؟.. ويستثمر فى التفكير والحيرة اضعاف ما يستثمره فى الحب والعطاء .. لذلك فهو لا يجد راحته ابدا  حتى يتعلم كيف يحب .. أم هذا الذى يركض وراء علاقات كثيرة غير مجدية .. محاولا ان يكون يحصد الكثير من القلوب كأنه سوبر ماريو .. ثم فجأة يقطع علاقاته حينما يمل منها .. لأنه اصلا لم يدخلها كى يعطى .. بل كى يأخذ .. سواء كان هذا الاخذ اهتمام أو وقت او كلمات ..

اننا نحاول ان نفهم الحياة .. وهذه محاولات حميدة .. ولكن ما يساعدنا كثيرا فى هذا الأمر ان نكون مثل (عبد الغفور) و(فاطنة) .. اصحاب قلوب صافية .. تغمر العالم الذى حولها بالحب .. وان نتخلى عن خرافة أن المال والنجاح المادى سيجعلنا سعداء .. لأنه لن يفعل ذلك.