كنت دائما أسمع كلمة ان الله عز وجل هو الخير المطلق .. وان الخير كله بيديه والشر ليس إليه .. فلا أفهم لماذا يحدث الابتلاء واقابل السىء من الناس واتعرض للتجارب الصعبة .. ثم اننى اتسائل لو كان الله يريد لنا الخير فلماذا هناك أناس تموت كافرة .. وأناس لا تهتدى .. فوجدت بعد تجارب طويلة أن كل تجربة مررت بها كانت تنقلنى الى تجربة افضل .. والى علم اوسع .. وانى فهمت اكثر .. وهنا يتحقق قول الله سبحانه (سنريهم آياتنا فى الافاق حتى يتبين لهم انه الحق).. انك ستمر بتجارب كثيرة كل يوم .. حتى عندما تمر بلا تجربة على الاطلاق فان هذا فى ذاته تجربة ودرس ان لا نتيجة بغير سعى .. وان سنن الله الكونية تنفذ بلطف وحكمة وقدرته المطلقة تنجى من يشاء بغير أسباب .. تنجى المضطر الذى يؤمن تماما فى لحظة دعائه بالله ..

حينما تنظر لكل ذلك تدرك ان الخير كان من عند الله سبحانه .. لكن اختيار الجحود والكفر أو اختيار الشكر والايمان بإختيار الانسان .. يظل الله يبعث للانسان رسائل تنبهه وتعلمه حتى يتبين تماما من الهه وسننه فى الكون .. لكنه يختار فى النهاية بكامل ارادته .. فيعينه الله سبحانه على اختياره .. فهل هناك ظلم فى ذلك .. هل هناك أكثر عدل وحكمة من ذلك .. والله ثم والله .. ان الذى يريد الله سيهتدى إليه (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله مع المحسنين) .. الذى يريد الخير سيصل إليه .. وقد ذهبت من أيام لعزاء أحد الصالحين وحكى لى بناته عن قصة موته وكيف انه كان كالملاك النائم .. وجهه ابيض ومبتسم وقد عاد الى شبابه .. فسألتهم اخبرونى عن حياته .. قالوا انه كان يقضى حوائج الناس ويؤمن بالله ويصلى ويقرأ القرءان .. فرأيت كيف ينتهى الصالحين .. كيف انتهى الشيخ الشعراوى الذى كان يعرف بميعاد وفاته بالضبط ويتجهز له قبلها بأيام.. وكيف مات الغزالى وقد دعا الله سبحانه وهو يبكى ان يموت وهو يدعو لله .. فمات اثناء خطبة ألقاها فى المدينة ودفن بالبقيع .. وكيف مات أبى وقد كان يخشى لقاء الله فمات وقد رأيته أهدأ واسكن ما يكون عن اى مرة فى حياته ... وكيف مات عمرو بن الخطاب الذى دعا الله سبحانه ان يموت شهيدا فى المدينة .. فقتله أحدهم فى المدينة ..

يقول الامام الغزالى (يجب أن نوضح ان اطراف هذا القدر الذى يبدو فاجعا ثقيلا ..نؤكد ان لا يدل على اى اشارة من السخط أو القسوة .. وان الله سبحانه إذ سمح به .. تمشيا مع سننه الكونية التى أنشا الحياة عليها .. ينفذه جل شأنه وهو أرضى ما يكون عن عبده وأرغب ما يكون فى الاحسان إليه .. يقول الله سبحانه فى الحديث القدسى "من أهان لى وليا فلقد بارزنى بالمحاربة .. وما ترددت عن شىء أنا فاعله ترددى عن قبض نفس عبدى المؤمن .. يكره الموت ..واكره مساءته .. ولابد له منه")

مسألة أخرى .. حينما تجد شىء ثقيل عليك .. ثقيل فعله .. تكسل عنه بشدة .. تجد ان دفء الفراش لا يمكن ان يُقاوم .. فقل (لا حول ولا قوة الا بالله) .. فهى لها فعل الاعاجيب.





صوت يـأتى من الماضى يمكنه أن ينادى بقوة لدرجة ان يفزع الحاضر .. لدرجة ان يجعله يهرب تاركا صاحبه خاويا فيأتى الصوت كى يغزو العقل كله 
.. كى يفصل الانسان عن أى شىء حوله ويجعله ساهما أو غاضبا أو سعيدا بلا سبب .. كيف يمكن للذكريات أن تكون قوية وصاحبة اليد العليا رغم انها غير موجودة .. كيف يمكن ان تنجح فى زحزحة اللحظة المتجسدة بقوة ماديتها ورائحتها وملمسها وصوتها .. هل هذه هى قوة الذكريات .. أم قوة إرادة الانسان؟

حينما يستدعى الانسان الماضى فإنه لا يستدعى صورته فقط .. بل شعوره فى ذلك الوقت .. واثر شعوره بعدها ... يتذكر حضن أبيه وامساكه بيده فى الصغر .. يتذكر ذلك الممشى الذى سارا فيه سويا وكان هناك مصابيح ملونة .. كلما رأى هذه المصابيح عادت الذكرى وملأت قلبه بسعادة طفولية .. وحينما مات أبيه أصبحت تلك الذكرى أقوى .. جعلته يبكى حزنا ويحن بعدما كان فقط يشعر بالسعادة .. إن اثر الذكرى ليس مرتبطا بها وحدها .. بل مرتبط بما يحدث بعدها ايضا .. نحن نغذى الذكريات التى نريدها ان تبقى .. نغذيها بالحب او الكراهية حسب رغبتنا .. تتذكر يوم ظٌلمت فى العمل جيدا ... يوم ان اخبروك انه لم يعد لك مكان بينهم وقد كنت مجتهدا مخلصا .. إما ان تظل تلك النقطة نغزة فى قلبك ودليل على ظلم الحياة وتحطيم لأى محاولة أخرى منك للاخلاص .. أو ترى ما يحدث بعدها من تعويض وإنفراج هم فترى الصورة الكاملة .. وتعلم ان الله لا يرضيه الظلم وانه يعوض المظلوم بكل الخير .. عندها يمكنك ان تنسى وأن تسامح .. وحين تسامح فقد حولت الذكرى إلى جوهرة.

كيف يمكن ان تكون الذكريات غذاء للقلب وليس وحش يلتهم القلب والقوة والوقت .. هذا الصندوق الملىء بالياقوت والماس واللؤلؤ .. كيف يمكن أن نجعل تلك الذكريات تزيننا بدلا من أن يعلوها التراب .. يمكن لنا أن نرتديها بحيث تؤثر فى سلوكنا وأفكارنا وتصبح إنسان جديد .. أكثر رحمة .. أكثر حبا .. أوسع إدراكا .. أكثر حكمة .. عندها فقط تكون قد تزينت بها فعلا .. ايضا ليست كل الذكريات جديرة بالاحتفاظ بها .. لا ننكر ان صندوق العقل الانسانى يتسع لبلايين الافكار وانه لا يعيبه أى قصور ... ولكن هذا الصندوق انت مأمور بحمايته والحفاظ عليه .. مأمور ان تنظفه وان تجعل ما فى بؤرة الشعور هو الشىء النافع الذى يجلب السكينة والسعادة .. مـأمور ان تركز فى اللحظة الحالية وأن تعقل الصلاة وتتأمل الكون .. ان الذهن فى حالة مغناطيسية هائلة طوال الوقت بين الماضى والحاضر والمستقبل .. يتجاذب العقل هذه الابعاد الثلاثة فتجده فترة يستقر هنا ثم هناك .. فلو ظللنا فى هذا المجال المغناطيسى دون تحكم .. دون سيطرة .. فإن عقلنا سيتمزق فى النهاية فى ظل قوة التجاذب الهائلة تلك .. لابد لنا من قوة إرادة كبيرة كى نكون فى مجال الحاضر .. كى نصنع التوازن المطلوب فيكون العقل كالكرة فى المنتصف .. لا تميل بطرفها نحو اليمين والشمال فيثقل الرأس ويتعب .. فإذا أردت هذه القوة الهائلة التى تسيطر فعليك بذكر الله عز وجل .. هو الذى سيعدل الميزان ويملأ القلب والعقل بالسكينة .. هو الذى سيداوى الماضى ويكفيك المستقبل فلا يبقى لك سوى حاضر جميل تتأمله وتعيش أجمل ما فيه.

من المهارات التى عليك بل ويجب ان تكتسبها .. أن تتعلم كيف تتحكم فى مشاعرك .. كيف حينما يأتيك شعور الغضب أن تكظمه .. مهما كان عارما ومكتسحا فأكظمه .. وحينما يأتيك شعور الغيرة فعليك ان تعيد النظر لنفسك وتنسى الاخر .. وتنظر لما تملك وتسعد به .. وحينما يأتيك شعور الحيرة والتشتت فعليك بقول (اللهم هيىء لنا من أمرنا رشدا) وتترك المستقبل لله وتفعل الواجب الصغير .. لا انسى مرة ظللت طوال اليوم احمل هم مسألة لدرجة أن جسدى اوجعنى فى اخر اليوم .. ثم انى فى خلال دقائق جلست ونفذتها وانتهى كل شىء .. ان التفكير فى العمل استهلك من طاقة النفس والوقت ما لم يفعله العمل نفسه .. وذلك درس اتمنى من كل قلبى ان افهمه واكف عن خطأ الهم والتفكير الكثير.