تخلص من التوتر
لمحت وانا اتسوق كتاب بعنوان (تخلص من التوتر) .. كان لونه اصفر وغلافه ظريف .. تصفحت القليل منه وعرفت اننى ابحث عن هذا الكتاب .. كنت قد بدأت فى الفترة الاخيرة اتوتر كثيرا لأقل الاسباب .. وربما بلا أسباب .. وادركت ان هناك خللا ما بالداخل .. يظهر على هيئة اوجاع جسمانية وتنفس سريع غير منتظم .... وكنت اتسائل لماذا .. رغم ان رتم الحياة ليس سريعا .. والالتزامات ليست بهذه الكثرة .. احساس ان هناك الكثير ورائى ولا اقدر على فعله .. وان العالم الخارجى يضايقنى .. الاصوات الصاخبة والاضواء الكثيرة والشاشات التى نجلس امامها صباحا ومساء .. كنت اشعر اننى حينما اغلق الباب فى وجه هذا كله واطفىء الانوار اشعر بالراحة .. وكأننى اريد ان اظل هنا للأبد ... لا اريد ان اسمع صوتا غير السكون .. لا اريد ان اخرج ثانيا لهذا العالم المضطرب .. ادركت ان هذا الحال هو هروب من مواجهة مشكلة لا استطيع توصيفها .. فهدانى الله عز وجل بفضله لهذا الكتاب فى الوقت المناسب.
الكتاب يتحدث عن جذور التوتر وليس فروعه .. ليس طرق التعايش معه .. بل اقتلاعه من جذروه .. وذلك من خلال فهم لماذا يحدث .. لازلت اقرأ فى الكتاب حتى الان ولكنى اقرأ ببطء شديد .. وكأنى ارشف قهوة لذيذة كى اشم الرائحة جيدا واشعر بطعم كل رشفة .. هذه الطريقة تجعل القهوة تتسلل فى دمائك .. وتزيح همومك بهدوء كى تفسح لها مكانا فى قلبك ... اقرأ مثلا فى اليوم صفحة او اثنتين ولكنى اظل افكر فيها طوال اليوم التالى.. واحدة من الافكار الرائعة التى قرأتها :
(أعظم علاج التوتر هو قدرتك على اختيار فكرة مكان أخرى)
المسألة كلها اختيار .. هناك فجوة تحدث بين الشىء المسبب للتوتر وبين رد فعلك .. هذه الفجوة ليست كما تتخيل لحظية .. بل هى واسعة لدرجة انك تختار فيها ما تشاء من افكار .. يمكنك ان تبدل مشاعر التذمر بمشاعر الامتنان .. ومشاعر الخوف بمشاعر الفضول والاستكشاف .. ومشاعر الغضب بمشاعر التسامح والقبول .. مثلا حدثت مشاجرة فى البيت .. يمكنك ان تلعن اهل البيت وتغمغم لنفسك (لا أمل فيهم لا يتغيرون) .. او تقول (هم اهلى وانا اقبلهم على حالهم وسأحاول جاهدا ان اصلح منهم) .. انت جالس فى بيتك محبوس وتشعر بالتذمر والملل .. يمكنك ان تحول هذه الفكرة الى شعور رائع بالامتنان والشكر لله انك سليم معافى لك بيت يأويك .. ان عملية تغيير الافكار اللحظية تلك هى كل شىء .. هى صناعة انسان اخر بمعنى الكلمة .. انسان انتقل من التوتر واليأس المستمر والخوف .. إلى انسان عنده أمل كبير وامتنان وتفاؤل .. كل ذلك يمكن بإذن الله ان تصنعه وانت فى هذه الفجوة.
الفكرة الثانية الرائعة ايضا :
(عش اللحظة بكل ما فيها)
حينما سألوا طلابا فى الجامعة عن اكثر ما يوترهم قالوا اشياء كثيرة .. وحينما سألوهم عن اقصى خطر تعرضوا اليه بالفعل فى الفترة الاخيرة معظمهم اجاب انه لم يتعرض لشىئ وقليل جدا منهم كان على وشك الخطر .. الحقيقة هو اننا فى هذه البلاد لا نحيا فى خوف من قنابل او صواريخ الحمد لله .. بل نعيش آمنين فى بيوتنا ووسط اهلنا .. نظامنا العصبى معتادا على التدخل فى حالات الخطر الحقيقية .. يفرز هرمونات معينة توقف الهضم وتزيد معدل السكر فى الدم .. وتزيد ضربات القلب .. تثبط جهاز المناعة .. وتزيد التوتر فى العضلات .. كل هذا كى تستطيع ان تركض بأقصى سرعة .. او تقاتل فى حالة ما كنت معرض لأفعى سامة أو اسد يركض خلفك .. لكن ان تظل طوال الوقت وكأن اسد يركض خلفك فأنت تجعل السم يأكل جسدك .. لذلك هناك موظفين منهكين فى عملتهم توفوا دون ادنى سبب .. لأن السم كان بالفعل منتشرا فى اجسادهم.
نظامنا العصبى ليس معتادا على مواجهة الخطر غير الحقيقى .. انه لا يفهم الفرق بين الوهم والحقيقة .. الفرق بين ما اذا كنت معرضا لأفعى سامة بالفعل .. او كنت خائف من نتيجة امتحان غدا .. انه يتعامل مع الاثنان بنفس الطريقة .. لأنك اقنعته انهم يشكلان خطرا لديك.
الحل هو انك تركز ذهنك على اللحظة الحالية فقط .. وتجتهد فى هذا لأنه صعب فى البداية .. يقول أحد هولاء الذين مارسوا التركيز الذهنى (استمتع بقضاء الوقت فى غسل الصحون .. واكون منتبها بشكل كامل مع كل طبق .. وكل رحكة من حركات يدى .. لو اننى افكر فى تناول الحلوى فى اللحظة القادمة فلن استمتع بغسل الاطباق والذى هو فى الحقيقة معجزة .. لأن كل لحظة من الحياة هى معجزة فى ذاتها .. ولن اكون قادرا ايضا على الاستمتاع بالحلوى .. لأنى دائما افكر فى اللحظة التالية).
لقد وضع يده على الألم .. على احد جذور التوتر الرئيسية .. وان هذا التدريب بالذات بحاجة إلى الممارسة والتركيز فى ذاته لأن نتائجه مبهرة ... ان تكون قادرا على الاستمتاع بنسمة لطيفة دون تفكير فى شىء .. على سماع صوت العصافير لأول مرة والانتباه لها .. على تأمل مشهد الغروب دون قلق .. انك بالفعل تتنفس وتحيا من جديد.
No comments:
Post a Comment